مؤتمر فتح في بيت لحم منصة لإعدام الحركة ..
نضال حمد
يريدون عقد مؤتمر لحركة فتح أو الأصح لمن تبقى من الحركة ضمن مشروع أوسلو التصوفي… هناك من سيوظفه ليكون في خدمة مشروع دايتون وسلطته في الضفة الغربية المحتلة. لذا اختاروا مدينة بيت لحم مكاناً لعقده.. هذه المدينة حالها من حال كل المدن والبلدات الفلسطينية المحتلة في الضفة الغربية وكل فلسطين.. ففيها احتلال وتنسيق أمني ودايتونيات على أحسن حال .. ويبدو أن اختيارها مكاناً لعقد المؤتمر بمن حضر، سوف يكون كمن ينصب منصة الاعدام لحركة فتح، بكل ما لها وعليها في الحياة السياسية والوطنية الفلسطينية، وفي الذاكرة الجماعية للشعب الفلسطيني. هذه المنصة تتأتي تتويجاً للتصورات المشتركة للتطبيقات الأوسلوية والدايتونية. حيث كانت أهدافهم من توقيع اتفاقيات السلام أو الاستسلام، الإجهاز على المشروع الوطني الفلسطيني. والقضاء على الطموحات الوطنية الفلسطينية التاريخية. فحققوا الهدف الأول عبر شطب منظمة التحرير الفلسطينية ومؤسساتها ومشروعها التحرري. وها هم الآن قاب قوسين من تحقيق الهدف الثاني وهو القضاء على فتح كحركة قادت النضال الوطني الفلسطيني وتحويلها الى حزب سلطة حتى ولو صار حزباً وهمياً كما هي السلطة التي يمثلها.
بالمناسبة روى لي صديق جريح ومناضل فتحاوي عتيق، عرفته مقاوماً منذ حصار بيروت سنة 1982 ومواجهات أخرى، هذا الصديق فتحاوي طبعاً ومن أيام كانت فتح مازالت فتحاً مبينا… قال لي: يبدو أنهم يريدون من خلال عقد المؤتمر في بيت لحم تحويل حركة فتح الى حزب عمل فلسطيني، أسوة بحزبي العمل في الكيان الصهيوني والآخر الموجود عندكم في النرويج.. ولفتح علاقة حميمة مع حزب العمل الحاكم في النرويج. ومعرفتي ببعض مؤيدي القضية الفلسطينية داخل الحزب النرويجي تجعلني أقول أن هناك منهم من يحرص على الحقوق الفلسطينية ومواجهة المشروع الصهيوني أكثر بكثير من صبيان وصبايا دايتون في الوطن المحتل وخارجه.
مازالت بيت لحم كما كل الضفة الغربية ترزح تحت الاحتلال، وتتلقى السلطة المسؤولة عنها وعن تنظيم المؤتمر فيها أوامرها من الجنرال الأمريكي دايتون مباشرة أو عبر أدواته في أجهزة السلطة التي لم يبق منها ما يذكر بالمشروع التحرري الفلسطيني إلا الأسم. بكل بساطة في بيت لحم كما في كل الوطن المحتل لن يكون هناك استقلالية ولا حرية ولا هامش حركة لأعضاء المؤتمر، هذا إن تمكنوا جميعهم من دخول فلسطين، وإن استطاعوا تجاوز الضغوطات كافة بعد أن تسمح لهم سلطات الاحتلال بالدخول دون أن تعتقلهم. ومن يضمن عدم اعتقالهم؟ ففؤاد الشوبكي وأحمد سعدات ومروان البرغوثي وأكثر من أربعين وزيرا ونائباً في المجلس التشريعي معتقلون ومختطفون منذ سنوات دون أن يستطيع رئيس السلطة حتى بمساعدة دايتون نفسه اطلاق سراح أي منهم.
كل هذه ستكون مبررات لتقديم التراجع والتنازلات وشطب البرنامج الوطني الأساسي والـتأسيسي لحركة فتح. إن الذي يجعلنا نؤمن بهذه الامكانية هو الوضع المأساوي الذي آلت اليه فتح ومعها المنظمة. إذ منذ بدأ بعض المستسلمين في فتح حمل معول الهدم الحقيقي لمنظمة التحرير الفلسطينية والمشروع الوطني الفلسطيني عبر بوابة أوسلو السرية، وبعدما استطاع هذا التيار الجانح نحو المفاوضات المباشرة ولو بأي ثمن أن يمرر داخل اللجنة المركزية لفتح اتفاقيات اوسلو التفريطية التنازلية الاستسلامية، أصبح واضحاً لكل انسان أن سفينة فتح مبحرة عكس التيار الشعبي الفلسطيني، وأنها ستغرق في أي لحظة.
وجاءت انتخابات المجلس التشريعي سنة 2006 فأثبت تراجع فتح بشكل كبير جداً داخل فلسطين المحتلة. ولو أن الانتخابات شملت المجلس الوطني الفلسطيني لمنظمة التحرير الفلسطينية، أي الشتات الفلسطيني في الخارج، لكانت فتح تلقت أقسى هزيمة في تاريخها الذي لم يعرف الهزائم في المواجهات الداخلية الفلسطينية. حيث أنها سيطرت على منظمة التحرير الفلسطينية ومقدراتها وثرواتها ومؤسساتها، وتركت للفصائل أمكنة شاغرة تُزيّن بها ديمقراطيتها في قيادة العمل والمنظمة. أما الفصائل فأرتضت بأدوراها كل حسب حجمه وحسبما أعطته إرادة سيد البيت. وعدم خسارة فتح أمام أي طرف فلسطيني آخر جعلتها تزداد عصبوية وتزمتاً يوم خسرت الانتخابات التشرعيية أمام حركة حماس في الضفة والقطاع. وحتى يومنا هذا لم يستطع الفتحاويون الخروج من صدمة حماس. لذا نرى أن الكثيرين منهم يرضون بمؤتمر كيفما أتفق .
ليس غريباً أن يعقد المؤتمر في ظل حراب الاحتلال، وليس غريباً كذلك أن نرى سباقاً فتحاوياً على عقده كيفما اتفق وعنوة داخل الضفة الغربية المحتلة. هذا بحد ذاته يؤكد على أن التيار القريب من دايتون وتأثيراته في فتح والسلطة هو المهيمن. وهذا التيار ليس وطنياً ولا يمكن ائتمانه على فتح والقضية الوطنية. لذا مطلوب من وطنيي وشرفاء فتح الوقوف صفاً واحداً ضد ” دايتونية” حركة فتح بعدما “ديتنوا” (من دايتون ) المنظمة والسلطة. والمطلوب من شرفاء فتح أن يحافظوا على تاريخ وحاضر ومستقبل حركتهم، احتراماً للشهداء والجرحى والأسرى والمناضلين الحقيقيين ولعقول ابناء وبنات فلسطين. وإذا حصل العكس لا سمح الله فهذا يعني أن شرفاء فتح صاروا قلة. وهذا بحد ذاته يدعوهم للتفكير بين البقاء في حركة ستصبح دايتونية أو القيام بما يحفظ القليل من بريق فتح ويضمد جراحها. وبما أن شرفاء فتح هم الأقلية في هذا الزمن فأن وضعهم سيكون صعباً للغاية.. لكن عليهم أن لا يندموا وأن لا يهنوا، لأن قدر فلسطين وشعبها ليس فتح أو أي فصيل آخر، بل في النضال الوطني والمقاومة بكل أشكالها. فمن بقي مقاوماً يكون الشعب معه، ومن يتخلى عن المقاومة سوف لن يكون الشعب معه وقد يضطر لمواجهته وحتى محاربته من أجل الدفاع عن الوطن والقضية والحقوق والمقاومة والعودة.
غالبية قادة هذه الحركة التي قادت النضال الفلسطيني من موقعة الكرامة المجيدة في الأردن مروراً بحصار بيروت الشهير وحتى الانتكاسة الأكبر عبر انحرافهم عن الخط العام الفلسطيني وتجاهلهم للقرارات الدولية والعربية والمجالس الوطنية الفلسطينية، والميثاق الوطني الفلسطيني (الذي شطبوه في مجلس غزة بحضور كلنتون)، ثم انحدارهم الشديد عبر تبنيهم للأوسلة السياسية، ثم توقيعهم اتفاقيات سلام مع الصهاينة. أقل ما يقال أنهم تخلوا عن الحقوق الوطنية الثابتة للشعب الفلسطيني. وأخرجوا فلسطينيي الشتات من المعادلة وتخلوا عن حقي العودة والمقاومة. وسهلوا استيطان الأرض وتهويدها وبناء الجدار، وتركوا آلاف الأسرى خلف القضبان وفي الزنازين، ونشروا الفوضى والفساد والاستزلام في كل فلسطين. وجعلوا فلسطين كلها سجناً كبيراً للشعب بأكمله. وتوجوا كل شيء عبر صمتهم على اغتيال زعيمهم ورفضهم تشريح جثمانه والتحقيق في عملية تسميمه. يعقد المؤتمر يوم الرابع من آب القادم في ذكرى ميلاد زعيم فتح والمنظمة الراحل ياسر عرفات، فهل عقده في بيت لحم سيشهد تنفيذ حكم الإعدام خنقاً بهذه الحركة؟.
12-07-2009
* مدير موقع الصفصاف
مؤتمر فتح في بيت لحم منصة لإعدام الحركة ..