ماذا تغير في فتح؟ بل ماذا بقي منها بعد 50 عاما من انطلاقتها؟ – معين الطاهر
ماذا تغير في فتح ؟ بل ماذا بقي منها بعد 50 عاما من انطلاقتها ؟ يوم أن أطلقت الكفاح المسلح الفلسطيني في 1-1-1965 .
بداية ينبغى الإعتراف بأنه لا توجد حركة في التاريخ لا يطرأ تعديلات على برامجها وأساليبها وأفكارها التي قد تخضع للتطوير بعد اقترانها بالممارسة العملية . وبالمقابل لاتوجد حركة انقلبت على ماضيها , وتغيرت أساليبها وأفكارها من الشيئ إلى ضده , في ذات الوقت الذي استمرت فيه في استلهام وتمجيد تاريخها العريق , الذي هو بحق جزء أساسي من تاريخ الشعب الفلسطيني منذ الستينات في هذا القرن , و التغني بسيرة أبطالها ومعاركهم .
المتتبع لنشاطات حركة فتح وتصريحات قادتها ونشاطات كوادرها يتفاجئ تماما بهذه المفارقة الكبيرة . إذ أن ثمة مجموعة تقف على رأس الهرم ولا تنفك أن تدين العمل المسلح, والصواريخ العبثية , وتنتقد الانتفاضة التي جرت على شعبنا الكوارث , وتؤمن عن قناعة راسخة بأن لا سبيل لحل القضية الفلسطينية إلا عبر التسوية السلمية والمفاوضات طالت أم قصرت , وما عدا ذلك فدونه الويل والثبور وعظائم الأمور . وفي ذات الوقت تحتفل قواعد الحركة يوميا بذكرى شهدائها , وتعيش حاضرها على تاريخها المجيد , وتعتمده أسلوبا للتعبئة والتحريض والتنظيم . بحيت يعتقد المرء أنه ما زال يعيش في حقبة السبعينات والثمانينات .
تاريخيا تميزت فتح بأنها وضعت كل شعاراتها وأفكارها ومبادئها في سبيل هدف واحد هو تحرير فلسطين . إذ أن فلسطين هي طريق الوحدة , وعلى دروبها تتحقق وحدة التنظيمات والأحزاب بل وحتى الدول الساعية إلى التحرير . واللقاء هو فوق أرض المعركة , والوحدة وحدة البنادق الثورية , أما الأرض فهي للسواعد الثورية التي تحررها .
سعت فتح عبر هذه الشعارات والأفكار إلى إخراج القضية الفلسطينية من آتون النزاعات العربية والحزبية , ومن محاولات احتواء القضية أو استغلالها من قبل أي طرف عربي في صراعاته الداخلية أو الخارجية .
وتاريخيا أيضا تميز التغيير في حركة فتح بالبطئ الشديد , وباقتصاره على نخبة سياسية محددة . وحتى عندما يتم عرض أو إقرار هذا المتغير أو ذاك على المؤسسات الوطنية , فغالبا ما تكون الممارسة باتجاهه قد بدأت قبل وقت طويل من منحه الشرعية اللازمة , أو يكون قد جاء لتلبية شروط دولية .
اللافت هنا أن هذه المتغيرات وحتى مرحلة أوسلو لم تحظ بتعبئة فكرية مواكبة لها . إذ كان الهدف هو الحصول على قرار من المؤسسات الوطنية يتيح للقيادة المضي قدما في محاولتها الحصول على مقعد في قطار التسوية . أما في الميدان فقد كان الواقع مختلفا تماما , إذ بقيت التعبئة والشعارات ضمن سياق المبادئ والأفكار والمنطلقات الأساسية . ولعل هذا يرجع إلى كم المعارك المتتالية التي خاضتها فتح والثورة الفلسطينية , و وعي القيادة حينذاك إلى ضرورة الإستمرار في امتلاك عناصر القوة , بل وزيادتها كشرط لازم للدخول في أي عملية سياسية .
اليوم وبعد 50 عاما تغيرت الصورة كليا , اضحي محاولة امتلاك عناصر القوة يعني في عرف العدو أن الطرف الفلسطيني غير مؤهل للمشاركة في عملية التسوية التي لا قرار لها . وكان من شروط هذا التأهيل بعد استشهاد ياسر عرفات , الموافقة على خطة دايتون , والتنسيق الأمني مع العدو , وانهاء ما تبقى من الإنتفاضة الثانية , وتجلى هذا الموقف خلال الحرب الآخيرة على غزة . وتحول التمرد على موازين القوى السائدة , وهو المبرر الوحيد لقيام كل الثورات , إلى ضرورة الإعتراف بهذه الموازين والاقرار بها كحقيقة أزلية غير قابلة للتغيير والتحذير من الاقتراب من حدودها .
بعد 50 عاما , من العبث أن تبحث عن فتح الأولى في صفوفها المتقدمة إلا من رحم ربي , هنالك انتهت مرحلة الثورة في ذهن الكثير منهم . أما لدى الجيل الصاعد , ولدى القواعد الشعبية ,
ولدى الجمهور الفلسطيني , فإن فتح ما زالت حركة الشعب الفلسطيني , فتح بقي منها أهم ما فيها , بقي منها الفكرة , ومن الفكرة تولد الثورة .