ماذا رأيت في أميركا؟! – رشاد أبوشاور
قيل في الأمثال العربية: من عاش بين قوم40 يوما صار منهم. الحق أنني عشت 65 يوما بين أولئك القوم في أميركا، تحديدا في ولاية كاليفورنيا، ومن بعد نيوجرسي، ولم أصر منهم، ولكنني كوّنت انطباعات سريعة..أحاول أن تكون موضوعية جدا.
قبل أن أصل إلى سان فرانسيسكو في ولاية كاليفورنيا، وقبل أن أغادر عمّان بسنوات تكونت لدي مع بداية تفتح وعيي أفكار، وقناعات حول البلاد التي تسمّى ( أميركا)، التي أُبيد أهلها الأصليون بالبنادق والرشاشات التي حصدتهم، وأبادتهم، وبالاستعانة بنشر الأوبئة بينهم ليفنوا جميعا عن وجه الأرض التي عاش فيها أسلافهم لألوف السنين، والتي أرادها الغزاة (نظيفة) منهم تماما، ليهنأ لهم العيش فيها بدون منغصات رؤية وجوه أصحابها.
من يريد التوسع في معرفة ما جرى لتلك الأمم والشعوب من أصحاب البلاد الأصليين، عليه أن يقرأ كتب المفكر والباحث العربي السوري الكبير_ فلسطيني الانتماء _ الأكاديمي منير العكش، المقيم في أميركا منذ عقود، والباحث المختّص بمأساة من يسمون بالهنود الحمر، والإبادات التي تعرضوا لها، والمنطلقات ( العقائدية) التي اعتنقها الأوربيون الغزاة ليبرروا إبادة تلك الأمم والشعوب.
أحد الأصدقاء، وقد زار أميركا، وتجوّل في 11 ولاية، نصحني بأن أنّحي عن تفكيري وجهة النظر السياسية حول أميركا، و..أيضا ما جرى من إبادة لأصحاب تلك البلاد، إن أردت أن أستمتع بزيارتي!.
قبل يومين من زيارتي التي بدأت بتاريخ 17 أيلول 2016، كتبت فنانة عربية على الفيس بوك بأنها مندهشة من سحر الطبيعة التي بهرتها في أميركا، وكأن الطبيعة لم يكن لها أصحاب، وكأنها من إبداع الرجل الأبيض( التوراتي) التبرير لإبادة أصحاب البلاد الأصليين، الذين كانوا يعيشون حياة إنسانية بسيطة سعيدة..وهو، ربما، ما مكن الأوربيين ( الواسب) من إبادتهم، وامتلاك أرضهم، بعد إبادة 117 مليون.. أكرر: اقرأوا كتب المفكر الدكتور منير العكش، وكتاب ( فتح أميركا) لتودروف، وغيرها من الكتب الجادة المنصفة الموضوعية لتتعرفوا إلى حقيقة ما جرى لتلك البلاد وأصحابها الأصليين.
وأنا أتأمل الطبيعة الأخّاذة _ التي أبهرت الفنانة التشكيلية العربية وكنت أرى مشاهد ( صيد) أصحاب البلاد الأصليين، وسلخ فروات رؤوسهم، وتوزيع البطانيات عليهم لتنتشر في أبدانهم أمراض الكوليرا، والجدري..ولكن الفنانة التشكيلية لم تر، ولم تسمع، ولم تقرأ، ولا يعنيها أن تتساءل: أين ذهب أصحاب هذه البلاد التي غاباتها خلاّبة مدهشة، والتي لعلها وهي في حالة انبهار ربما نصبت حامل لوحاتها، وشرعت في رسم لوحات أخّاذة لمشاهد طبيعية أخّاذة..لوحات لا بشر فيها!!
ولذا كان سؤالي، الذي أعرف جوابه، كما يعرفه كثيرون في العالم: أين راح أولئك البشر؟ وكنت أنقّل نظري بين الأشجار الكثيفة الممتدة..ولون التربة الكامدة اللون، وكأنها لحم يختنق تحت جذور أشجار الغابات الممتدة!
إنهم أخوتنا في التراب، أو: هم التراب، وهم الأشجار، وهم الأرواح التي تسري بين الأغصان، وعبر الأجمات، وفي الغابات الكثيفة، وعلى قمم الجبال الممتدة البعيدة، وعلى وجه مياه الأنهار، والبحيرات…
تذكرت ما كتبته الفنانة العربية المنبهرة بجمال الطبيعة في أميركا، وتساءلت: ألا يشبه هذا أن يحضر سائح إلى فلسطين المحتلة، ويتنقل بين عكا وحيفا ويافا والناصرة والقدس، و..يبدي غبطته بما يرى، ويعلن: يا للجمال!..دون أن يتوقف ليتساءل: من أصحاب هذه البلاد الجميلة، مع إنهم ماثلون أمامه في قرى تختلف كثيرا عن أبنية تلك ( المستوطنات) الغريبة عن البيئة، والتاريخ، والجغرافيا؟!
هل يمكن أن تزور بلدا من بلاد العالم ، دون أن تعرف أي بلد تزور، ودون أن تلم بشيء عن تاريخه، وناسه، وحضارته؟!
لا غرابة أن ينحاز حكّام أميركا، وفي كل الإدارات، للكيان الصهيوني، لأن النشأة متشابهة من حيث المبررات والإبادات _ مع اختلاف الحجم_ وإن كانت في الجوهر واحدة، فكلا الكيانين التمسا التبرير لنشوئهما بالاستناد لخطاب توراتي، وبمقولات التوراة، ويهوه رب التوراة، تمّت الإبادة، وما زالت مستمرة، إن ضد الشعب العربي الفلسطيني وأشقائه العرب، أو ضد أمم وشعوب في العالم تبعد عنها أميركا كثيرا، وهي ترى أن من حقها أن تجتاحها، وتقرر لها مصيرها، حاضرها، ومستقبلها، انسجاما مع تاريخ القتل والإبادة الذي تأسست بناء على مقولاته العنصرية الجهنمية…
( للحديث صلة)