ماذا عن سفراء منظمة التحرير الفلسطينية؟
نضال حمد
قرأت مؤخراً في رسالة وصلتني بالبريد الالكتروني أن سفير فلسطين ومنظمة التحرير الفلسطينية لدى اليونسكو قام بإلغاء شعار المنظمة عن الأختام والأوراق الرسمية لبعثة فلسطين لدى المنظمة الدولية. إذا صح هذا الكلام وتم التأكد منه فإن هذا سيقودنا من جديد لفتح موضوع إعادة إصلاح وبناء منظمة التحرير الفلسطينية وكذلك لفتح ملف السفراء والمدراء والممثلين الفلسطينيين في العالم. إذ لا يجوز أن يقوم سفير في دولة ما بالتصرف وكأنه الملك يلغي ما يشاء ويقرر ما يشاء. ثم إن حصل وفعل ذلك بعلم أو بدون علم مرؤوسيه فإن عقابه يجب أن يكون جاهزاً. لكن من يعاقب مَنْ ومن يحاسب مَنْ في زمن السلطة الفلسطينية حيث اختلط الحابل بالنابل. وحيث قُلبت المعالات وأستبدل المنطق باللا منطق. والموقف الوطني بالموقف المهادن والمساوم. أما السفير فهو سفير هناك كي يمثل المنظمة التي يتغنى الجميع بأنها الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني. وبأنها الكيان الوطني الفلسطيني، أي بما معناه دولة الفلسطينيين وسلطتهم ومرجعيتهم مادامت بلادهم فلسطين محتلة. هذا الكلام عن تمثيل المنظمة للشعب الفلسطيني صحيح ولكن… صحيح لأن الشعب الفلسطيني هو الذي أقام المنظمة وعمد دروبها بالتضحيات حتى وصلت إلى كل العالم. وهو الذي جعل العالم يفتح لها سفارات وممثليات ومكاتب وليست فذلكة وسياسات البعض هي التي فعلت ذلك. شعب فلسطين فعل ذلك بالدماء والتضحيات منذ النكبة سنة 1948 وحتى تم ذلك. ولازال هذا الشعب المضحي والمقدام يقدم التضحيات يوميا لأجل فلسطين وقضيتها الموضوعة هذه الأيام على طاولة التشريح في مؤتمر الخريف. حيث ستتم محاولة شطب حق العودة وتطبيع علاقات الدول العربية مع الاحتلال الصهيوني بدون أي مقابل. لولا تضحيات اللاجئين الفلسطيني في مخيماتهم في الداخل والخارج لم يكن الرئيس الراحل ياسر عرفات يستطيع الوصول إلى مقر الأمم المتحدة حاملا بندقيته وغصن الزيتون وملقياً كلمة فلسطين التي تلاها الاعتراف العالمي الكبير بالمنظمة ( مقابل اعترافها بالكيان الصهيوني). و لولا تلك التضحيات الجسام التي تمثلت بعشرات آلاف الشهداء والجرحى والمعوقين والأسرى والمعتقلين، وبعدة مخيمات أزيلت عن الوجود مثل تل الزعتر والنبطية وجسر الباشا… ولولا الالتفاف الشعبي الفلسطيني خلف المنظمة ماكان هؤلاء الذين يهيمنون على المنظمة مازالوا موجودين في أماكنهم. لذا يجب تذكير أصحاب الذاكرة الضيقة والقصيرة أن الشعب الفلسطيني هو الذي قدم مخيمات وتجمعات كاملة دفاعاً عن شرعية المنظمة وقرارها الوطني المستقل. هذا القرار الذي بعد أوسلو وأخواتها أصبح رهينة للدول المانحة وبالذات الولايات المتحدة الأمريكية والدول الأوروبية.
أما موقع سفير المنظمة لدى اليونسكو فلن يخرج من هذا الإطار ولن يكون حالة شاذة بين السفارات والممثليات. فهو يمثل فلسطين وشعبها ولا يمثل نفسه أو حزب معين أو فئة ومجموعة وكتلة معينة من شعبنا. وهو لا بد كما غيره من السفراء والممثلين يتلقى مساعداته المالية من نفس الدول التي تقدم المنح والهبات والأموال والمساعدات للقيادة الفلسطينية الملتزمة باتفاقيات اوسلو وأخواتها. من هنا فلا غرابة أن نجد بين هؤلاء من يكون الهم الوطني آخر همومهم لأنهم منشغلين عن واجباتهم الوطنية بواجبات أخرى شخصية وعائلية مثل جمع الأموال والاستثمارات والترف والسفر.
وعلى ذكر الدول المانحة وضغوطاتها على قيادة المنظمة والسلطة أستحضر الآن كلمات كنت سمعتها من وزير في إحدى الدول المانحة. قال الوزير ( أتحفظ عن ذكر اسمه): من حقنا عندما ندفع الأموال أن يكون لنا كلمة. يعني أن يكون لهم مونة وتأثير على التوجه السياسي للقيادة الفلسطينية. وأعتقد أن ما قام به سفير المنظمة في اليونسكو لا يخرج عن هذه الدائرة الضيقة التي تريد شطب منظمة التحرير الفلسطينية واستبدالها بمجموعة اوسلو في السلطة الفلسطينية. لأن نفس هذه المجموعة ترفض حتى يومنا هذا تفعيل أي اتفاق يضمن إعادة بناء وإصلاح مؤسسات المنظمة ويضمن إجراء انتخابات حرة ونزيهة حيث أمكن ذلك للمجلس الوطني الفلسطيني. وبدلاً من وقع وجوه ونية نزيهة ونظيفة ومقبولة في الصف الأول من مؤسسات المنظمة والسلطة نجد أن كل الذين يتحدثون باسم السلطة والمنظمة هم من جماعة شطب حق العودة ومن المتهمين بالفساد ومن الذين فشلوا في اختباراتهم السياسية والتنظيمية. هؤلاء يدركون تماماً أن مصلحتهم ليست في إعادة البناء والإصلاح بل فقط في التمسك بما لديهم من تسميات وامتيازات حصلوا عليها من خلال صدفة بقاءهم على رأس هرم المنظمة.
أما السفراء فهم بغالبيتهم نسخة عن الوزراء وأمثالهم يتكاثرون ويمارسون عاداتهم السرية والعلنية بدون محاسبة. وإن أدركنا وفهمنا أن المنظمة صارت جسدا منخورا مثل الجبن السويسري فهذا سيعيننا على إيجاد المخارج والحلول التي تضمن عدم إنشاء منظمة بديلة وكذلك عدم الاستمرار بالمنظمة مع هؤلاء الذي يحتلونها ويرفضون تجديدها وإصلاحها وتطويرها. ففي الوقت الذي تستعاد فيه عافية المنظمة سوف تستعيد القضية الفلسطينية بريقها وديمومتها وقوتها وحضورها وسوف تجبر العالم على الوقوف مع الحق والضحية ضد الجلاد. أما هذا فيحتاج من شعب فلسطين لانتفاضة داخل المنظمة تعيد الأمور لنصابها.
ماذا عن سفراء منظمة التحرير الفلسطينية؟
نضال حمد
30/10/2007