ماذا فعلنا للأسرى؟
نضال حمد
تحل في 17 نيسان 2008 ذكرى يوم الأسير الفلسطيني في السجون الصهيونية. هذا اليوم ليس ككل الأيام في تاريخنا الفلسطيني الطويل المليء بالذكريات ووقفات العِزْ والكبرياء. منذ أعلن المجلس الوطني الفلسطيني قبل سنوات طويلة عن هذا اليوم يوماً لأسرى شعب فلسطين، مازال هناك خلف القضبان وفي غياهب السجون وظلمات الزنازين مئات الأسرى الأبطال، الذين مر على وجودهم في الأسر عشرات السنين. فمنهم من قضى أكثر من ربع قرن ومنهم من قطع عامه الثلاثين خلف الأسوار. ومنهم من تحرر بفعل الالتزام بقضيتهم وعبر عمليات التبادل التي قامت بها المقاومة الفلسطينية والعربية. لكن منهم أيضاً من ينتظر وبنفس الوقت تنتظره عائلته وأطفاله الذين شبوا على أمل اللقاء. في بعض الحالات تم اللقاء حين التقى عدداً منهم يذويهم ليس في الحرية لكن في السجون والمعتقلات. حيث تم اعتقال الأبناء والبنات والزوجات ليصبحوا أسرى كما أحب الناس على قلوبهم. هذه الحوادث مؤرخة ومدونة ويجب الحفاظ عليها لأهميتها في كشف وتعرية نظام الصهاينة الذي لا يوجد مثيل له في ممارسة واستنباط أساليب التعذيب والإرهاب. لأنه أول نظام في العالم يشرع الإرهاب والتعذيب ويسن قوانين تمنحه حصانة قضائية وتمنع محاسبة أو مساءلة السجانين، الذين يشرفون على التعذيب والاستجواب والتحقيق وممارسة كافة أنواع الممنوعات على الأسرى.
منذ سنة 1967 دخل سجون الصهاينة أكثر من 750 ألف فلسطيني. من هؤلاء هناك 67 ألفاً أعتقلوا خلال انتفاضة الأقصى التي اندلعت في الثامن والعشرين من سبتمبر/ أيلول سنة 2000. هناك إحصائية تقول بأن عدد الأسرى لغاية يومنا هذا بلغ ما بين 10000 و 11500 أسير. توزعوا على 27 سجناً ومعتقل ومركز توقيف في كافة أرجاء فلسطين المحتلة. من هؤلاء تم تسجيل 1100 كرهائن محتجزة إدارياً وبدون تهمة كما هو حال الأسيرة نورا الهشلمون التي مر على اعتقالها أشهرا عديدة دون توجيه تهمة أو محاكمة أو السماح لها برؤية أطفالها وعائلتها، أو الاجتماع بزوجها الأسير في سجن نفحة.
ويبلغ عدد الأسيرات الفلسطينيات 97 أسيرة منهم من أنجبت مولودها في السجن كما الأسيرة فاطمة الزك، التي أنجبت طفلها قبل شهرين في أحد السجون الصهيونية.
كما هناك 374 أسيراً من الأطفال. تعرض معظمهم للتعذيب والامتهان والإذلال والاعتداءات المختلفة. كما تظهر الوثائق أن من بين الأسرى هناك 350 أسيراً معتقلين منذ ما قبل توقيع اتفاقية أوسلو وقيام السلطة الفلسطينية.
وهنا لا بد من التذكير أن الوفد الفلسطيني الذي فاوض في أوسلو ارتكب حماقة أدت لتواصل مأساة الأسرى. إذ كيف يمكن توقيع اتفاق مع الأعداء قبل إطلاق سراح السجناء والأسرى والمعتقلين؟ هذا يحدث فقط مع المفاوضين الفلسطينيين.
متابعة للأرقام التي جاءت في أحدث إحصائية صادرة عن وزارة الأسرى والمحررين في السلطة الفلسطينية يوجد 82 أسيراً مضى على اعتقالهم أكثر من عشرين عاماً وهم الذين يطلق عليهم مصطلح عمداء الأسرى. من بينهم يوجد 13 أسيراً مر على أسرهم أكثر من ربع قرن. ومن الأسرى اثنان مر على اعتقالهم أكثر من ثلاثين عاماً وهما سعيد العتبة (1977) ونائل البرغوثي (1978). وبعد أيام ينضم إليهم الأسير العربي اللبناني النموذج سمير القنطار، الذي اعتقل في نيسان ابريل 1979.
ومن بين الأسرى هناك 1500 بحاجة للعلاج والرعاية الصحية الخاصة. فيما بين هؤلاء يوجد 200 بحاجة لعمليات جراحية وعلاج ملح. يحدث هذا كله في ظل إهمال متعمد من قبل مصالح السجون الصهيونية. كما أن هذا الأمر يذكرنا بالشهداء الأسرى الذين بلغ عددهم 195 أسيراً استشهدوا نتيجة التعذيب أو بعد الاعتقال أو عبر سياسة القتل العمد.
السؤال الذي نطرحه على الجميع هو التالي: ماذا فعلنا لهؤلاء الأسرى؟
لم نفعل الكثير لأجل التعريف بقضيتهم الإنسانية السياسية الملحة. ففي فترة من الزمن كانوا في عداد المنسيين. مع أنهم خيرة أبناء هذا الشعب ونخبة هذه الأمة وطليعة فرسان نضالها ضد الاحتلال الصهيوني. وخلفهم آلاف العائلات التي تنتظر عودتهم بفارغ الصبر. فهناك أطفالهم الذين ينامون على أمل أن يلتقوا في الغد بالآباء والأمهات. لكن اللقاء لا يأتي فيعودون للنوم مرددين بينهم وبين أنفسهم ” بكره بيرجع بابا” وبكرة ” بترجع ماما”.. ولغاية اليوم لم تعد ماما ولم يرجع بابا…
ماذا فعلنا كي يعود الأب الأسير لأبنائه والأم الأسيرة لأطفالها؟؟
لم نفعل الكثير والأمل معلق على صحوة فلسطينية عربية عالمية تضامنية تفرض على الصهاينة إطلاق سراحهم. هذا الى جانب الثقة بالمقاومة الفلسطينية والعربية التي يمكنها تحريرهم عبر أسر المزيد من الجنود الصهاينة لمبادلتهم. فالتعويل على سياسة البعض الفلسطيني الذي يعتقد أنه سيحرر الأسرى بالرغم من عدم تمكنه من تحريرهم خلال سنوات التفاوض الطويلة، يبقى مجرد أحلام وآمال غير قابلة للتحقيق.
لقد جربت شخصياً ومعي بعض الأخوة والأخوات في الجالية الفلسطينية في النرويج نقل معاناة الأسرى للشارع النرويجي وتعريف السياسيين بها على أمل أن يقوم هؤلاء بخطوات عملية تساعد على إطلاق سراحهم أو تحسين ظروف اعتقالهم. فأقمنا الإضراب عن الطعام في أوسلو بالتزامن مع إضراب الأسرى الشهير. كما أقمنا الندوات والنشاطات التضامنية التي تحدث فيها أسرى فلسطينيون وعرب سابقون. ووزعنا معلومات عن الأسرى باللغات الإنجليزية والعربية والنرويجية. ونشرنا عنهم في الصحافة المحلية، وأوصلنا بعض وسائل الإعلام مع الأسرى فتحدثوا معهم هاتفياً ومباشرة. وساعدنا في إيصال قضيتهم لبعض الأطياف السياسية والإعلامية والبرلمانية ومنظمات المجتمع المدني وحقوق الإنسان. كما عرضنا أفلاماً تتحدث عن معاناتهم. ودعونا وفداً كبيراً من وزارة الأسرى الى النرويج حيث التقى مع سياسيين وبرلمانيين ومنظمات حقوق الإنسان. وشرح تلك المعاناة الإنسانية التي لا يمكن تجاهلها. ونقيم في الأيام القادمة وحتى نهاية الشهر الجاري نشاطات عن الأسرى في العاصمة أوسلو. وكنا أرسلنا رسالة الى جميع المؤسسات الفلسطينية في أوروبا للقيام بعمل مشترك يبرز قضية الأسرى في ذكرى يومي الأسيرين الفلسطيني والعربي أي ما بين 17 و 22 ابريل – نيسان الجاري. أو ضم موضوع الأسرى للنكبة والتعريف به خلال نشاطات الذكرى الستين للنكبة. ونعيد ونؤكد على اقتراحنا ونطالب الجميع العمل به لأن هناك آلاف الأسرى وعائلاتهم يعولون على كل مساعدة ويتأملون فيها الخير.
الأسرى أمانة كبيرة لا يمكن التفريط بها… لذا أيها الفلسطينيون في أوروبا اسألوا أنفسكم ماذا فعلتم للأسرى؟.
ماذا فعلنا للأسرى؟
نضال حمد
Friday 18-04 -2008