ما لم يقله المعلقون على خطاب شلح – محمود فنون
ليست هذه المرة الأولى التي يعاني فيها الشعب الفلسطيني من شروخ في قواه السياسية وإن تكن هذه الأخطر والأبعد أثرا بل الأسوأ إلى أبعد الحدود . وليست هي المرة الأولى التي تقدم فيها مبادرات تحت عنوان الخروج من الأزمة ، من هذا الشرخ.
نقول شرخا كبيرا وفظيعا وتتحمل مسئوليته كل من فتح وحماس كل بنصيبه.
وهنا ليس المهم من هو على حق ما دام الصراع في هذه الحالة أساسا من أجل تقاسم المناصب والمغانم .
ولو كان الخلاف سياسيا فقط لحملت فتح نتائجه دون أي شريك إلا من يساندها .
لقد كتبت في مرات كثيرة أن الساحة الفلسطينية لم تحظ ولا مرة واحدة بوحدة وطنية ، بالمعنى على البرنامج السياسي والممارسة الموحدة – ربما كانت معارك بيروت عام 1982 استثناء
إن هذه الرؤيا تعني أن الساحة الفلسطينية معبرا عنها بالفصائل الفلسطينية ومن يناصرها كانت دوما بحاجة إلى مبادرات ومشاريع من أجل إصلاحها، وأن عنوان منظمة التحرير كان ولا زال وطوال الوقت حالة خلافية مما استوجب وطوال الوقت طرح مبادرات لإصلاح منظمة التحرير وأبرزها كان برنامج الإصلاح الديموقراطي الذي تقدمت به الجبهة الشعبية وأقرته المنظمة في إحدى جلسات المجلس الوطني الفلسطيني ولكنه لم ير النور ولا مرة واحدة
إن الخلاف على البرنامج السياسي كان ولا زال مزمنا وكان يستدعي تقديم المبادرات ، وكانت المبادرات تعلو وتهبط وكانت تقدم من قبل فصيل واحد أو أكثر من فصيل وكانت تحظى بزخم كبير من التعليقات المؤيدة والمؤيدة مع ملاحظات، بحيث تكاد تظن انه لا خلاف عليها ، دون ان يحصل شيء ذي بال.
ومن المناسب التذكير باتفاقية عدن الجزائر بين جميع الفصائل والتي تم التوافق عليها وتوقيعها برعاية دول عربية وكانت بين ما سمي بالتحالف الديموقراطي المكون من الشعبية والديموقراطية والحزب الشيوعي وجبهة النضال ( الصحيح جبهة التحرير الفلسطينية بقيادة الشهيد طلعت يعقوب وليس جبهة النضال* ) من جهة وفتح من جهة اخرى وملخصها :
“بعض الدول العربية والتي كانت تسمى آنذاك بدول جبهة الصمود والتصدي من أبقت على شعرة معاوية مع ياسر عرفات وجماعته تدخلت من أجل إنهاء حالة الانقسام الفلسطيني لما تملكه هذه الدول من علاقات مميزة ونفوذ على جميع التنظيمات الفلسطينية بمن فيهم حركة فتح وعقدت اجتماعات ولقاءات في الجزائر واليمن الجنوبي وتوجت باتفاق عدن- الجزائر والذي وقع في عدن في شهر حزيران من عام 1984م بين حركة فتح و التحالف الديمقراطي الفلسطيني وقد رفض هذا الاتفاق التحالف الوطني الفلسطيني واعتبره تنازل من قبل قوى التحالف الديمقراطي للتيار اليميني المستسلم والمقصود بهذا الوصف ياسر عرفات و جماعته، و كان من أهم ما نص عليه الاتفاق: رفض جميع المشاريع الأمريكية المطروحة في المنطقة وعدم التعاطي معها و الإسراع في إعادة تنظيم و تفعيل منظمة التحرير على أسس ديمقراطية وتعزيز القيادة الجماعية في مؤسسات المنظمة وانتخاب نائب لرئيس اللجنة التنفيذية وضمان مشاركة جميع الفصائل والقوى الفلسطينية في المنظمة والإسراع في عقد جلسة المجلس الوطني السابعة عشر لانتخاب لجنة تنفيذية جديدة في فترة لا تتجاوز تاريخ
15 أيلول 1984م – شبكة فلسطين للحوار. ولكن هذه الإتفاقية لم تر النور إطلاقا
وبعد هذا الإتفاق استمرت حالة الإنقسام حيث:
“و تبع زيارة عرفات لمصر خطوة انفرادية قامت بها قيادة حركة فتح المهيمنة على المنظمة عندما تم توقيع اتفاق عمان (اتفاق شباط) سيئ الصيت مع الملك حسين عام 1985م، هذه الخطوات الانفرادية أثرت على الساحة الفلسطينية برمتها وأدت إلى زيادة حدة الانقسام و الاستقطاب داخل الساحة الفلسطينية كما أدى هذا الانقسام إلى انقسام خطير في جميع مؤسسات المنظمة ونشوء ثلاث تكتلات في الساحة الفلسطينية وهي حركة فتح والتحالف الديمقراطي و الذي كان يضم (الجبهتين والحزب الشيوعي الفلسطيني وجبهة التحرير الفلسطينية) و التحالف الوطني و الذي كان يضم (القيادة العامة والصاعقة وفتح الانتفاضة والصاعقة و جبهة التحرير وجبهة النضال والحزب الشيوعي الثوري) أو ما كان يسمى بجبهة الإنقاذ”.- شبكة فلسطين للحوار.[
واستمرت الخطابات والمبادرات ومشاريع الوحدة ، ومن جهة اخرى استمرت اسباب الخلافات والتشرذم والخروج على قرارات متفق عليها ….
وجاءت مفاوضات واشنطن حيث انقسمت الفصائل سياسيا وتنظيميا ودبت بينها الخلافات والصراعات وتوجتها فتح باتفاق اوسلو الذي وصف بانه دمر أي امكانيات للوحدة الوطنية بين مؤيديه بزعامة حركة فتح وكل من تبقى من الفصائل وعلى رأسها الشعبية وحماس حيث تشكل تحالف الفصائل العشرة الذي عارض المفاوضات وغضب غضبة مضرية حينما تكشفت مفاوضات اوسلو وما تمخض عنها من اتفاقات مهينة للشعب الفلسطيني وتتعارض مع اهدافه ومصالحة . ومن يومها حتى الآن ضجت الصحف ووسائل الإعلام بالخطابات ومشاريع البرامج والمواقف والمبادرات التي تستهدف اعادة الوحدة .
ثم جاءت حماس إلى السلطة حيث شكلتحركة حماس حكومتها برئاسة إسماعيل هنية الذي سلم يوم 19 مارس/آذار 2006 قائمة بأعضاء حكومته إلى الرئيس محمود عباس وبدأ المصلحون والمتدخلون للتوفيق بينها وبين فتح دون جدوى ولم تنجح وساطة السعودية وغيرها في التوفيق بين حماس وفتح فحصل تقسيم الجغرافيا بينهما حيث حصلت حماس على قطاع غزة وحصلت فتح على الضفة الغربية حتى يومنا هذا .
“وفي مايو/أيار 2006 أطلقت قيادات الأسرى الفلسطينيين وثيقة للمصالحة سميت لاحقا بوثيقة الأسرى التي لاقت ترحيبا من جميع الأطراف، وعلى أثرها عُقد مؤتمر الحوار الوطني يوم 25 مايو/أيار 2006، ومع ذلك ظل الانقسام قائما ولم تتوقف الاشتباكات المسلحة، وفشلت وساطات عديدة بينها الوساطة القطرية في أكتوبر/تشرين الأول 2006 في تهدئة الأوضاع.
“مع دخول عام 2007، إذ بادر الملك السعودي عبد الله بن عبد العزيز إلى دعوة حركتي فتح وحماس إلى التحاور في رحاب الأراضي المقدسة، ووقعت الحركتان على ما بات يعرف بـ”اتفاق مكة” في فبراير/شباط2007، وشكلت الفصائل حكومة وحدة وطنية.
“لكن وبعد اتفاق مكة بأسابيع قليلة تجددت الاشتباكات بين مسلحي فتح وحماس، وهو ما انتهى بسيطرة حماس على قطاع غزة، ليتحول الانقسام السياسي إلى انقسام جغرافي يوم 14 يونيو/حزيران 2007. “
هذا وبالرغم من ان الحوارات في السعودية كانت تستهدف تقسيم كعكة السلطة إلا ان الوساطة السعودية انتزعت من حماس سكوتها على أوسلو حيث وقعت حماس على اتفاقية ” تحترم فيها ما وقعته منظمة التحرير من اتفاقات “
وجاءت الورقة المصرية في ايلول 2009م وتلتها محاولات عدة من الجانب المصري والقطري والسعودي .
ونسجل هنا ان هذه المحاولات كانت تستهدف دفع حماس وفتح لتشكيل حكومة موحدة مهما كانت المضامين التي يعلن عنها وتمكين حماس من مشاركة اساسية في اطر منظمة التحرير الفلسطينية واصلاحها بما يتناسب مع هذا الهدف ، بالإضافة إلى عبارات عامة أخرى للترضية.
وطرح حواتمة مبادرة وطرح غيره مبادرات بل أن الخطاب السياسي الفلسطيني من معظم الناطقين والكتبة كان يتضمن سيناريوهات مريحة للمتحدث تتعلق بالهاء تقاسم السلطة بين الفريقين ونصبح على خير .
إذن لم يكن خطاب شلح اولا ولن يكون آخرا. وقد تضمن كلاما حسنا وهذه اعلى درجات التقييم له ولدوره .
لقد أثار الخطاب ردود فعل واسعة بين الكتاب والمعلقين وهذا ما يهمني لأن تعليقات الفصائل قد أتخذته مثل لهاية الأطفال حيث التقطته وقالت في نفسها : هذا هو فصل الخطاب “
لقد تناولت تعليقات الكتاب باغلبها الخطاب وما فيه من مبادرة بالإستحسان وعلق بعضهم تعليقات تفصيلية وبعضهم دعا لوضع هذه النقطة قبل تلك أو إضافة كلمة وجملة وأنحرط بعضهم في وضع الآليات متحمسا ومستعجلا .
إن النظر لهذه المبادرة من زوايا تنفيذية او حتى اصلاحية هي نظرة مبالغ فيها وهي تنم عن جهل مقصود بواقع الحال الفلسطيني .
لقد وصلت السلطة الفلسطينية الرسمية في معالجة القضية الفلسطينية إلى طريق مسدود من وجهة نظر المراقب الحيادي والذي ينظر للأمور من الخارج فليس هناك أي تقدم منذ برنامج أوسلو وحتى يومنا هذا بل إن وضع السلطة قد تراجع منذ عام 2002 وانقسمت بين حماس وفتح منذ عام 2007 ، بينما العدو يتقدم على كل الصعد وخاصة قضم مزيد من اراضي الضفة الغربية والتوسع في بناء المستوطنات وجلب المستوطنين وتسكينهم فيها . وهذه اسس المشروع الصهيوني وهي تتقدم وتتجذر بينما السلطة وقيادتها تسعى لفضح اسرائيل التي تبني المستوطنات اليهودية على اراضي الضفة الغربية وتعمق تهويدها . وحماس تعلن رفضها لسلطة رام الله ومواقفها وتنتقدها كما لو كان عليها وقف اسرائيل عند حدها .
أما الإنقسام فهو فعل الطرفين كما أن سلطة رام الله عبرت عدة مرات عن مواقف تستهدف ترسيخ القسمة ” هذا لك وهذا لي ”
ليس هذا كل شيء :
إن التوجه بالأساس لحركتي فتح وحماس.
وإذا نظرنا للمبادرة كنقاط ومهام فأغلبها موجه لفتح وعباس .
أنظر إلى النقاط الأربعة الأولى فجميعها مطلوبة فقط وفقط من عباس وفتح
” 1- اعلان الرئيس محمود عباس الغاء اتفاق اوسلو، ووقف العمل به.
2 –
ان تعلن المنظمة سحب الاعتراف بدولة اسرائيل
3 –
اعادة بناء منظمة التحرير لتصبح الاطار الوطني الجامع
4 -اعلان ان المرحلة هي مرحلة تحرر وطني والاولوية لمقاومة الاحتلال وهذا يتطلب اعادة الاعتبار للمقاومة والثورة ولتصبح الانتفاضة شاملة لدحر الاحتلال
وكذلك النقطة التاسعة
9 -ان تقوم قيادة منظمة التحرير بملاحقة دولة الكيان وقيادتها امام المحكمة الجنائية الدولية كمجرمي حرب وتعزيز المقاطعة الدولية
هذه النقاط يعتمد تنفيذها على عباس وفتح فهم المنفذون وموافقتهم عليها وتنفيذها مناط بهم وتعني موافقتهم عليها طلاقا لكل المراحل التي سبقتها والأمر ليس مجر كلام يقال
والنقطة الخامسة المتعلقة بانهاء الإنقسام تتعلق ليس بسلطة عباس وحماس وحدهما بل بمن بيده قرار تشكيل السلطات وحلها وخاضه إسرائيل بعد ذلك تاتي الأردن وقطر والسعودية وما تراه امريكا .
أما ان شلح يريد صياغة برنامج وطني لتعزيز صمود الشعب الفلسطيني كما في البند السادس وصياغة البند الرابع للثورة فهذا أساسا يستدعي فصائل غير الفصائل الموجودة أو باوضاع غير الأوضاع التي عليها هذه الفصائل .
إن الأخ شلح يعرف مثلي ان الفصائل التي تعيش حالة من العلنية في ظل الإحتلال وقادتها يقيمون في مكاتبهم وبيوتهم المكشوفة لا يفضلون اتخاذ قرارات تتعارض مع أوضاعهم ولا يحبذون الحديث فيها .
والأخ شلح يعرف أن قيادة المنظمة لا تريد لها أي إصلاح بل هي تراها صالحة ومناسبة لهم وعلى مقاسهم ولا يوجد ما يدفعهم للتغيير وهم لا يعانون من أي ضغوطات، ناهيك عن انهم هم الذين أوصلوها لهذه الصياغة من العجز والفساد والتفرد بقيادتها ومقدراتها وقراراتها .
فهل حقا طرح الأخ شلح مبادرته من أجل التطبيق ؟؟ هو أعقل من ذلك بكثير .
هل طرحها من أجل كشف عورة حماس والسلطة وبمقدار أقل كشف عورة حماس ؟؟.
ما لم يقله المعلقون : ان فضاء الفصائل الفلسطينية مليء بالمبادرات ما هو أكثر قيمة من مبادرة شلح وما هو أقل قيمة . ولا يوجد نقص في المبادرات وربما لا يوجد نقص في النوايا الحسنة ولا في النوايا السيئة . ولم يحصل أي تقدم بل استمرت فتح في مساراتها وأخذت المنظمة إلى حالتها الراهنة والعريس أخذ العروس
وكل الإصطفافات والمبادرات وحتى التكتلات لم تثن المنظمة وقيادتها عن أي سلوك ، واصطفاف العشرة لم يمنع حالة أوسلو وما فيها من تدمير للفصائل والحالة الوطنية.
إن مبادرات كهذه وموجهة لفصائل كهذه في ظل حالة عجز وخواء كهذه إنما هي كمن يهز جسده ليهتز الجبل.
إن المطلوب ليس مبادرات تطرح على وسائل الإعلام . بل المطلوب تجديد انطلاقة الثورة الفلسطينية بعيدا عن هذا التراث المتهالك . هذا التراث يتوجب إعمال مبضع النقد الجدلي فيه وفرز الغث في التجربة من السمين والتقدم عليها إلى الأمام .
* تصحيح موقع الصفصاف