ما معايير الدّعم أو الشّجب لما حصل بتونس؟ – الطاهر المعز
تمكّن الرئيس التونسي “قيس سعَيّد”، مُسْتَخْدمًا ذرائع “دستورية”، من زعزعة ركائز حُكْم الإخوان المسلمين، لكن ماذا يقترح كبديل؟
من الخطأ الغوص في جدل فُقْهِي قانوني، الذي لا يفضي سوى إلى إهمال الإهتمام بالمشاغل الأساسية لأغلبية المواطنين، عن وعي أو عن غير وعي، كما أنه من الخطأ العودة إلى خطاب سنة 2005 الذي رَوّجه “ائتلاف 18 اكتوبر” (2005)، بتونس، وما يُقابله من ائتلافات في مصر وسوريا، من تحالف بين تيار من اليسار الماركسي (حزب العُمّال) والتيار الديمقراطي الإجتماعي (حزب نجيب الشابي) ومجموعات وَسَطِيّة (مثل “التكتل”) مع الإخوان المسلمين (النّهضة) باسم مقاومة “الدكتاتورية النوفمبرية” (نسبة إلى انقلاب بن علي، عَلَى وَلِيِّ نِعْمَتِهِ بورقيبة، في السابع من تشرين الثاني/نوفمبر 1987) وضد الحكم الفردي، وما إلى ذلك، برعاية الإمبريالية الأمريكية والإتحاد الأوروبي، وبتغطية إعلامية واسعة من إعلام دُوَيْلَة “قَطَر”، ومن الوكالات العالمية للأنباء…
إن المقياس للحكم على حركة سياسية أو على حدث سياسي، مثل الذي حصل بتونس، يتمثل في محتوى البديل الذي طرحه قَيْس سعيد (كرمز وليس كشخص)، فهل قدّم برنامجًا لمقاومة التفاوت الطبقي وارتفاع حجم البطالة والفقر، ومعالجة الأزمة الصحية الحالية، وبرامج تنمية المناطق الفقيرة، وهل اقترح مصادر تمويل البرامج، وغير ذلك، ويختلف طرْح هذه المعايير مع القائلين: وجب التّخلّص من الإخوان المسلمين (كرمز للفساد والعمالة والرجعية ) ثم نبحث عن البديل، مع ترديد مقولة “لكل حادث حديث”، أو سوف تنظر في الأمر بعد إزاحة الإئتلاف الذي يقوده الإخوان المسلمون.
لا يمكن للفقير وللمُعطّل عن العمل وللمريض المُهَدّد بالموت أن يصبر أكثر مِمّا صبر، وما على من يرغب في السّلطة (وهو أمر مشروع وهدف كل حركة سياسية) سوى تقديم برنامج عاجل، وآخر على مدى متوسّط وثالث على مدى بعيد، وهو ما غاب عن تصريحات الرئيس قيس سعَيّد، وعن بيانات وتصريحات وبرامج معظم الحركات والمنظمات والأحزاب السياسية التقدّمية واليسارية بتونس، فيما تدعو التيارات والأحزاب الأخرى إلى مواصلة تطبيق الليبرالية الإقتصادية والتّداين من الخارج وخصخصة القطاع العام، وإلغاء دعم السّلع والخدمات الأساسية…
يُحاول أي تيار سياسي الإعتماد على حُلفاء داخل الوطن (طبقة أو مجموعة فئات اجتماعية، أو تكتّل مصالح…) وخارجه (قوى عُظمى أو أنظمة سياسية حليفة…) لكي يستقر في الحكم، ولا يمكن في بلد مثل تونس إزاحة السّلطة وتركيز سلطة أخرى (ولو كانت بصورة مؤقتة أو بقي الحُكْم داخل نفس الطّبقة الإجتماعية)، بدون حماية أو إذْن أو عِلْم مُسبق من الجيران كالجزائر، ومن الدّائنين والقوى الإمبريالية النافذة في البلاد، كالإتحاد الأوروبي والولايات المتحدة، ومن المُؤَكَّد أن ذلك ما حصل، لأن التّمَعُّن في قراءة رُدُود الفعل تُبرهن على ذلك، فقد حل بتونس وزير خارجية الجزائر، ثم المغرب، ولم تُبدِ مؤسسات الإتحاد الأوروبي ولا أذرعها “الحقوقية” و “غير الحكومية” مُعارَضَةً جادّة، باسم “ضرورة احترام الحريات وحقوق البشر…”.
كنتُ ذكّرتُ في ورقة سابقة أن وزير خارجية الجزائر كان أول زائر من خارج تونس، فالجزائر وتونس تشتركان في الحدود مع ليبيا، التي أصبحت مَرْتَعًا للمجموعات الإرهابية وللإمبريالية ولتركيا، وللأنظمة العربية التي تنفذ مخططات الإمبريالية، مثل مصر وقطر والإمارات والسعودية، في سوريا وفي العراق وفي ليبيا واليمن، وغيرها، فيما تتكفل تركيا (عضو حلف شمال الأطلسي) بنقل الإرهابيين بين سوريا وليبيا والصحراء الكبرى وأفغانستان وآسيا الوسطى، وربما إلى روسيا والصين في وقت لاحق.
أرسلت محطة “الجزيرة” القَطَرِية، الغنية بأموال الغاز النّتن، طائرات آلية لتصوير القصر الرئاسي بقرطاج، حيث يُمْنَعُ تحليق أي نوع من الأشياء الطّائرة، ولذلك اقتحمت شرطة تونس مقراتها وأغلقتها، فأطلقت محطة “الجزيرة” صفّارة الإنذار، دون ذكر الأسباب الحقيقية، لتنطلق، بسرعة عجيبة، بيانات التنديد بالسلطة التونسية التي تقمع الإخوان المسلمين وتُضايق من يدعمهم، مثل قناة الجزيرة، وتتهاطل بيانات التضامن مع الجزيرة، باسم “احترام حرية الرأي والتعبير”، وكأن قَطَر جَنّة الديمقراطية والحُرّيات الفردية والجَمْعِية، بالتوازي مع نشر مقالات صادرة عن شبكة “عزمي بشارة” (نائب الكنيست الصهيوني، ومندوب مشيخة قَطَر للإعلام السياسي والبروبَّغَنْدَا)، منها فتاوى في القانون الدستوري التونسي، للعلاّمة الفَقِيه “جلبير أشقر”، الذي كلّفه الجيش البريطاني بتعليم ضبّاطه أساليب التعامل مع العرب والمسلمين، في البلدان التي يُشارك الجيش البريطاني باحتلالها، ويرى المُفتي جلبير أشقر أن حزب الإخوان المسلمين “النهضة” وقع ضحيّة مؤامرة (كما الإخوان المسلمون بمصر)، ويدعم المُفتي جلبير أشقر ارتباط الإخوان المسلمين الوثيق بالإمبريالية، ودعوتهم للتّطبيع مع العدو الصهيوني من المغرب إلى سوريا، ويتجاهل الغضب الشعبي ضد الإخوان المسلمين الذين لم يهتموا أبدًا بتنمية المناطق المحرومة، وبالبحث عن حلول لتشغيل المُعَطّلين عن العمل، والقضاء على الفقر، وأغرقوا تونس بالدّيون الخارجية، واستثرت (تَبَرْجزت) قياداتهم بسرعة قياسية، من المال العام، وزادت خلال فترة حكمهم معدّلات الفقر والبطالة وأظهرت جائحة “كوفيد 19” استهتارهم بحياة المواطنين، ما أدّى إلى تقلّص شعبيتهم واهتراء سلطتهم في أوساط الفئات الشعبية…
سمح الغضب الشعبي المُتنامي بالإطاحة بحكم الإخوان المسلمين الذين استغلوا مشاعر المُؤمنين، طيلة عشر سنوات، وسط تشَفِّي البعض، والتّشفِّي شُعُور مفهوم لكنه “ما قبل سياسي”، أي لا يُمكّن من بناء بديل إيجابي وطني وشعبي، أو برنامج تَنْمَوِي يُفْضِي إلى حل (ولو تدريجي) للمشاغل التي يُثِيرُها المواطنون في احتجاجاتهم ومظاهراتهم، وشكّلت بعض الشعارات عودة إلى مطالب انتفاضة 2010/2011، كالعدالة الإجتماعية والتنمية والتشْغيل والقضاء على الفقر…
لم يتعرّض “قَيس سعَيِّد” إلى مسألة استرجاع الأموال المسروقة من قِبَل أُسرة بن علي، ثم من المجموعات المحلية والأجنبية التي نهبت ميزانية الدّولة، وهرّبت الثّرَوات والأموال المنهوبة إلى الخارج، وتحاول المصارف والدّول التي استفادت من هذا المال الفاسد عرقلة عملية الإسترداد، لذا وجبت المُثابرة، لأنها أموال وممتلكات وثروات الشعب التونسي، ووجب إعادتها إلى خزينة الدّولة، لإنفاقها في برامج التّنمية.
من جهة أخرى، لم تتسرب أخبار عن حركة رؤوس الأموال المودعة في المصارف التونسية، لأن مجموعات اللّصُوص الفاسدين تعمد إلى تجفيف المصادر المالية لأي سلطة لا تعجبها، وذلك بسحب الأموال (بالعملات الأجنبية) وخلق حالة شُحّ مالي، بتواطؤ مع سلطات المصرف المركزي الذي أصبح “مُستقلاًّ”، بعد ضغوط كبيرة من صندوق النقد الدّولي والبنك العالمي، أي أن الدّولة لا تتحكم في حركة رأس المال، بين تونس والخارج، ولذا فإن إدارة المصرف المركزي قادرة على خنق أي سلطة جديدة، إذا لم تستولي تلك السلطة على المصرف المركزي، والتّحكّم في آليات حركة رأس المال، وسبق أن فشلت ثورات وأنظمة تقدّمية، لهذه الأسباب، التي تزامنت مع أسباب أخرى. كما لم يُشِرْ الرئيس قيس سعيد إلى ارتفاع الدّيون الخارجية التي تخنق اقتصاد البلاد، وارتفاع المبالغ التي وجب تسديدها خلال أشهر الصّيف، وخلال ما تبقّى من سنة 2021…
بدأت بعض المجموعات التونسية (جمعيات وأحزاب وباحثين…) تُطالب بتأجيل سداد الدّيون، فيما يُطالب آخرون بإلغائها، لكن الرئيس لم يتعرّض إلى هذه المسألة، ولا ندري من أين سيأتي بالمبالغ الضرورية لتسيير الشؤون اليومية، أو لتسديد خدمة الدّيون، لأن الإخوان المسلمين تركوا البلاد في حالة عجز عن السّداد…
تهدف هذه الفقرات إلى طرح بعض المسائل (بعضها وقع التّعرّض له في ورقة سابقة) التي من شأنها إعادة وضع النّقاط على الحُرُوف، وتوجيه النقاش باتجاه القضايا الأساسية ذات العلاقة المباشرة بحياة المواطن العادي الذي يُكافح من أجل البقاء على قيد الحياة، وبحياة أغلبية المواطنين من كادحين وفُقراء وأُجَراء ومُعطّلين عن العمل، وشباب ونسوة وما إلى ذلك من الفئات الشعبية التي تمثل أغلبية الشعب التونسي، بعيدًا عن الترف الفكري أو المزايدات باسم الديمقراطية المفقودة، وترديد ما يطلبُهُ المُمَوّل القَطَري (الوكيل) أو الأوروبي والأمريكي الشمالي…
من الخطأ الغوص في جدل فُقْهِي قانوني، الذي لا يفضي سوى إلى إهمال الإهتمام بالمشاغل الأساسية لأغلبية المواطنين، عن وعي أو عن غير وعي، كما أنه من الخطأ العودة إلى خطاب سنة 2005 الذي رَوّجه “ائتلاف 18 اكتوبر” (2005)، بتونس، وما يُقابله من ائتلافات في مصر وسوريا، من تحالف بين تيار من اليسار الماركسي (حزب العُمّال) والتيار الديمقراطي الإجتماعي (حزب نجيب الشابي) ومجموعات وَسَطِيّة (مثل “التكتل”) مع الإخوان المسلمين (النّهضة) باسم مقاومة “الدكتاتورية النوفمبرية” (نسبة إلى انقلاب بن علي، عَلَى وَلِيِّ نِعْمَتِهِ بورقيبة، في السابع من تشرين الثاني/نوفمبر 1987) وضد الحكم الفردي، وما إلى ذلك، برعاية الإمبريالية الأمريكية والإتحاد الأوروبي، وبتغطية إعلامية واسعة من إعلام دُوَيْلَة “قَطَر”، ومن الوكالات العالمية للأنباء…
إن المقياس للحكم على حركة سياسية أو على حدث سياسي، مثل الذي حصل بتونس، يتمثل في محتوى البديل الذي طرحه قَيْس سعيد (كرمز وليس كشخص)، فهل قدّم برنامجًا لمقاومة التفاوت الطبقي وارتفاع حجم البطالة والفقر، ومعالجة الأزمة الصحية الحالية، وبرامج تنمية المناطق الفقيرة، وهل اقترح مصادر تمويل البرامج، وغير ذلك، ويختلف طرْح هذه المعايير مع القائلين: وجب التّخلّص من الإخوان المسلمين (كرمز للفساد والعمالة والرجعية ) ثم نبحث عن البديل، مع ترديد مقولة “لكل حادث حديث”، أو سوف تنظر في الأمر بعد إزاحة الإئتلاف الذي يقوده الإخوان المسلمون.
لا يمكن للفقير وللمُعطّل عن العمل وللمريض المُهَدّد بالموت أن يصبر أكثر مِمّا صبر، وما على من يرغب في السّلطة (وهو أمر مشروع وهدف كل حركة سياسية) سوى تقديم برنامج عاجل، وآخر على مدى متوسّط وثالث على مدى بعيد، وهو ما غاب عن تصريحات الرئيس قيس سعَيّد، وعن بيانات وتصريحات وبرامج معظم الحركات والمنظمات والأحزاب السياسية التقدّمية واليسارية بتونس، فيما تدعو التيارات والأحزاب الأخرى إلى مواصلة تطبيق الليبرالية الإقتصادية والتّداين من الخارج وخصخصة القطاع العام، وإلغاء دعم السّلع والخدمات الأساسية…
يُحاول أي تيار سياسي الإعتماد على حُلفاء داخل الوطن (طبقة أو مجموعة فئات اجتماعية، أو تكتّل مصالح…) وخارجه (قوى عُظمى أو أنظمة سياسية حليفة…) لكي يستقر في الحكم، ولا يمكن في بلد مثل تونس إزاحة السّلطة وتركيز سلطة أخرى (ولو كانت بصورة مؤقتة أو بقي الحُكْم داخل نفس الطّبقة الإجتماعية)، بدون حماية أو إذْن أو عِلْم مُسبق من الجيران كالجزائر، ومن الدّائنين والقوى الإمبريالية النافذة في البلاد، كالإتحاد الأوروبي والولايات المتحدة، ومن المُؤَكَّد أن ذلك ما حصل، لأن التّمَعُّن في قراءة رُدُود الفعل تُبرهن على ذلك، فقد حل بتونس وزير خارجية الجزائر، ثم المغرب، ولم تُبدِ مؤسسات الإتحاد الأوروبي ولا أذرعها “الحقوقية” و “غير الحكومية” مُعارَضَةً جادّة، باسم “ضرورة احترام الحريات وحقوق البشر…”.
كنتُ ذكّرتُ في ورقة سابقة أن وزير خارجية الجزائر كان أول زائر من خارج تونس، فالجزائر وتونس تشتركان في الحدود مع ليبيا، التي أصبحت مَرْتَعًا للمجموعات الإرهابية وللإمبريالية ولتركيا، وللأنظمة العربية التي تنفذ مخططات الإمبريالية، مثل مصر وقطر والإمارات والسعودية، في سوريا وفي العراق وفي ليبيا واليمن، وغيرها، فيما تتكفل تركيا (عضو حلف شمال الأطلسي) بنقل الإرهابيين بين سوريا وليبيا والصحراء الكبرى وأفغانستان وآسيا الوسطى، وربما إلى روسيا والصين في وقت لاحق.
أرسلت محطة “الجزيرة” القَطَرِية، الغنية بأموال الغاز النّتن، طائرات آلية لتصوير القصر الرئاسي بقرطاج، حيث يُمْنَعُ تحليق أي نوع من الأشياء الطّائرة، ولذلك اقتحمت شرطة تونس مقراتها وأغلقتها، فأطلقت محطة “الجزيرة” صفّارة الإنذار، دون ذكر الأسباب الحقيقية، لتنطلق، بسرعة عجيبة، بيانات التنديد بالسلطة التونسية التي تقمع الإخوان المسلمين وتُضايق من يدعمهم، مثل قناة الجزيرة، وتتهاطل بيانات التضامن مع الجزيرة، باسم “احترام حرية الرأي والتعبير”، وكأن قَطَر جَنّة الديمقراطية والحُرّيات الفردية والجَمْعِية، بالتوازي مع نشر مقالات صادرة عن شبكة “عزمي بشارة” (نائب الكنيست الصهيوني، ومندوب مشيخة قَطَر للإعلام السياسي والبروبَّغَنْدَا)، منها فتاوى في القانون الدستوري التونسي، للعلاّمة الفَقِيه “جلبير أشقر”، الذي كلّفه الجيش البريطاني بتعليم ضبّاطه أساليب التعامل مع العرب والمسلمين، في البلدان التي يُشارك الجيش البريطاني باحتلالها، ويرى المُفتي جلبير أشقر أن حزب الإخوان المسلمين “النهضة” وقع ضحيّة مؤامرة (كما الإخوان المسلمون بمصر)، ويدعم المُفتي جلبير أشقر ارتباط الإخوان المسلمين الوثيق بالإمبريالية، ودعوتهم للتّطبيع مع العدو الصهيوني من المغرب إلى سوريا، ويتجاهل الغضب الشعبي ضد الإخوان المسلمين الذين لم يهتموا أبدًا بتنمية المناطق المحرومة، وبالبحث عن حلول لتشغيل المُعَطّلين عن العمل، والقضاء على الفقر، وأغرقوا تونس بالدّيون الخارجية، واستثرت (تَبَرْجزت) قياداتهم بسرعة قياسية، من المال العام، وزادت خلال فترة حكمهم معدّلات الفقر والبطالة وأظهرت جائحة “كوفيد 19” استهتارهم بحياة المواطنين، ما أدّى إلى تقلّص شعبيتهم واهتراء سلطتهم في أوساط الفئات الشعبية…
سمح الغضب الشعبي المُتنامي بالإطاحة بحكم الإخوان المسلمين الذين استغلوا مشاعر المُؤمنين، طيلة عشر سنوات، وسط تشَفِّي البعض، والتّشفِّي شُعُور مفهوم لكنه “ما قبل سياسي”، أي لا يُمكّن من بناء بديل إيجابي وطني وشعبي، أو برنامج تَنْمَوِي يُفْضِي إلى حل (ولو تدريجي) للمشاغل التي يُثِيرُها المواطنون في احتجاجاتهم ومظاهراتهم، وشكّلت بعض الشعارات عودة إلى مطالب انتفاضة 2010/2011، كالعدالة الإجتماعية والتنمية والتشْغيل والقضاء على الفقر…
لم يتعرّض “قَيس سعَيِّد” إلى مسألة استرجاع الأموال المسروقة من قِبَل أُسرة بن علي، ثم من المجموعات المحلية والأجنبية التي نهبت ميزانية الدّولة، وهرّبت الثّرَوات والأموال المنهوبة إلى الخارج، وتحاول المصارف والدّول التي استفادت من هذا المال الفاسد عرقلة عملية الإسترداد، لذا وجبت المُثابرة، لأنها أموال وممتلكات وثروات الشعب التونسي، ووجب إعادتها إلى خزينة الدّولة، لإنفاقها في برامج التّنمية.
من جهة أخرى، لم تتسرب أخبار عن حركة رؤوس الأموال المودعة في المصارف التونسية، لأن مجموعات اللّصُوص الفاسدين تعمد إلى تجفيف المصادر المالية لأي سلطة لا تعجبها، وذلك بسحب الأموال (بالعملات الأجنبية) وخلق حالة شُحّ مالي، بتواطؤ مع سلطات المصرف المركزي الذي أصبح “مُستقلاًّ”، بعد ضغوط كبيرة من صندوق النقد الدّولي والبنك العالمي، أي أن الدّولة لا تتحكم في حركة رأس المال، بين تونس والخارج، ولذا فإن إدارة المصرف المركزي قادرة على خنق أي سلطة جديدة، إذا لم تستولي تلك السلطة على المصرف المركزي، والتّحكّم في آليات حركة رأس المال، وسبق أن فشلت ثورات وأنظمة تقدّمية، لهذه الأسباب، التي تزامنت مع أسباب أخرى. كما لم يُشِرْ الرئيس قيس سعيد إلى ارتفاع الدّيون الخارجية التي تخنق اقتصاد البلاد، وارتفاع المبالغ التي وجب تسديدها خلال أشهر الصّيف، وخلال ما تبقّى من سنة 2021…
بدأت بعض المجموعات التونسية (جمعيات وأحزاب وباحثين…) تُطالب بتأجيل سداد الدّيون، فيما يُطالب آخرون بإلغائها، لكن الرئيس لم يتعرّض إلى هذه المسألة، ولا ندري من أين سيأتي بالمبالغ الضرورية لتسيير الشؤون اليومية، أو لتسديد خدمة الدّيون، لأن الإخوان المسلمين تركوا البلاد في حالة عجز عن السّداد…
تهدف هذه الفقرات إلى طرح بعض المسائل (بعضها وقع التّعرّض له في ورقة سابقة) التي من شأنها إعادة وضع النّقاط على الحُرُوف، وتوجيه النقاش باتجاه القضايا الأساسية ذات العلاقة المباشرة بحياة المواطن العادي الذي يُكافح من أجل البقاء على قيد الحياة، وبحياة أغلبية المواطنين من كادحين وفُقراء وأُجَراء ومُعطّلين عن العمل، وشباب ونسوة وما إلى ذلك من الفئات الشعبية التي تمثل أغلبية الشعب التونسي، بعيدًا عن الترف الفكري أو المزايدات باسم الديمقراطية المفقودة، وترديد ما يطلبُهُ المُمَوّل القَطَري (الوكيل) أو الأوروبي والأمريكي الشمالي…
- تابعوا “كنعان اون لاين” Kana’an Online على