ما وراء، ومَن وراء، تضخيم الخلاف بين الرئيس والنائب دحلان؟
د/ إبراهيم أبراش
وجود خلافات داخل الأحزاب بما فيها الفلسطينية أمر طبيعي ، ولكن بالنسبة لحركة فتح يكون للأمر ارتدادات أكثر خطورة تتجاوز حركة فتح نفسها ، لكون حركة فتح العمود الفقري لمنظمة التحرير الفلسطينية وللمشروع الوطني ، والمعبرة عن الهوية والثقافة الوطنية، وإليها تُنسب السلطة الوطنية والحكومة ، ورئيسها رئيس المنظمة والسلطة الوطنية ، وما زالت (إسرائيل) ترى في حركة فتح ، أكثر من بقية الأحزاب الفلسطينية الاخرى ، التهديد الأكبر لوجودها ومشروعها الصهيوني .
كل ذلك يجعل من الحفاظ على قوة وتماسك الحركة ليس مجرد مصلحة حزبية بل مصلحة وطنية ومصلحة عربية . في هذا السياق يمكن النظر والتعامل مع الخلافات داخل حركة فتح ومسألة النائب محمد دحلان التي تم اصطناعها بداية ثم تضخيمها وتوظيفها من جهات معادية لحركة فتح وللمشروع الوطني ، مما دفع دولا عربية مشكورة للتدخل لمحاولة إنجاز مصالحة فتحاوية داخلية ترى فيها مدخلا للمصالحة الفلسطينية الشاملة .
إن كانت حركة فتح قوية ومتماسكة مطلبا فلسطينيا ومطلبا بالنسبة لبعض الدول العربية الحريصة على القضية الفلسطينية ، إلا أن جهات خارجية وداخلية لها مصلحة في تضخيم الخلاف بين الرئيس أبو مازن رئيس حركة فتح والرئيس الشرعي المنتخب للشعب الفلسطيني ومحمد دحلان النائب في المجلس التشريعي وعضو اللجنة المركزية المفصول ، ولها مصلحة في إطالة عمر الخلاف ، وهي نفس الأطراف التي تضع العصي في دواليب المصالحة الوطنية واستنهاض الحالة الوطنية ، وذلك بهدف إضعاف الرئيس أبو مازن وإضعاف حركة فتح وإلهائهما عن التفرغ والتصدي للقضايا الاستراتيجية الأكثر أهمية ، كقيادة الشعب الفلسطيني إلى بر الأمان في ظل التحديات الناجمة عن المتغيرات الإقليمية والعربية ، والبرنامج السياسي المطلوب في هذه المرحلة وخصوصا بعد وصول التسوية السياسية وخيار حل الدولتين لطريق مسدود ، وإستراتيجية مواجهة الاحتلال والاستيطان والانقسام .
وعليه ، فالتضخيم مقصود لأنه لا توجد بين الطرح السياسي للرئيس وما يقوله محمد دحلان – من خلال ما هو معلن من الطرفين – خلافات سياسية ، ولا يطرح محمد دحلان رؤية سياسية مغايرة لرؤية الرئيس ، وقد أكدت التحضيرات للانتخابات المحلية وحدة حركة فتح وأصالة أبنائها وإحساسهم بالمسؤولية الملقاة على عاتقهم والتفافهم حول الشرعية ، حتى ما هو مطروح أمام القضاء ضد محمد دحلان من قضايا ذات طبيعة مالية لا يبرر أن يستمر الخلاف لهذا الحد ولهذا الوقت ، إلا إذا كانت توجد قضايا أخرى خفية لا نعرفها .
منذ بداية ظهور الخلاف للعلن كان هناك خلل في المعالجة الفتحاوية والفلسطينية للمشكلة . صمت فصائل العمل الوطني وأعضاء اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير من جانب ، وصمت أغلبية أعضاء اللجنة المركزية للحركة وقيادة التنظيم في الأقاليم من جانب آخر ، وتركهم الرئيس لوحده ليدخل في مواجهات إعلامية مباشرة مع محمد دحلان ، كل ذلك عزز الاعتقاد بأن الخلاف شخصي بين الرئيس ودحلان وليس خلافا على قضايا وطنية أو خلافا مع حركة فتح .
وهكذا ، فبالإضافة إلى الأطراف الخارجية ، لعبت للأسف شخصيات فلسطينية بعضها مقرب من الرئيس وبعضها فتحاوية ، دورا انتهازيا ومنافقا لتأجيج الخلاف وهي التي ضخمت الخلاف وضخمت من قوة وتأثير وحضور محمد دحلان وجماعته وأوهمت الرئيس أن دحلان يشكل تهديدا للشرعية وللرئيس ولعائلة الرئيس الخ . هذه الجماعة ، وبعضهم في مواقع متقدمة في تنظيم فتح ، كانت وما تزال تلعب على الحبلين بشكل وصولي وانتهازي رخيص ، فتارة تذهب لدحلان أو ترسل له رسائل تعلن الولاء والطاعة له مقابل ما يقدمه لها خِفيَة من مال أو وعود لها بمواقع متقدمة عندما يأتي دوره السياسي ، وتارة تذهب للرئيس وتحرضه على دحلان وتزعم أنها الأكثر قدرة على مواجهة محمد دحلان وجماعته ، بسبب أصولها الطبقية والاجتماعية أو من خلال إيهام الرئيس بأنها مؤثرة في القواعد الفتحاوية ، وهي في حقيقة الأمر لا تسعى إلا لخدمة مصالحها الخاصة والتسلق لمواقع قيادية , كما تستعمل فزاعة دحلان لمواجهة خصومها ومنافسيها ، وهي التي تقف وراء التقارير الكيدية لقطع رواتب أو الفصل من الحركة بتهمة موالاة محمد دحلان . وبعضها معني باستمرار الخلاف وتضخيمه من منطلق تطلعه لخلافة الرئيس ورؤيته في محمد دحلان منافسا محتملا .
وأخيرا نتفهم مساعي بعض الدول العربية لإنجاز مصالحة فتحاوية من منطلق أن وحدة فتح واستنهاضها شرط لاستنهاض الحالة الوطنية ، والمصلحة الوطنية والمسؤولية القومية لهذه الدول تمنعها من أن تقف موقف المتفرج والحالة الفلسطينية تنهار ، بالإضافة إلى رغبتها بوجود قوة سياسية قادرة على مواجهة حركة حماس باعتبارها قاعدة من قواعد الإخوان المسلمين .
لكن على هذه الدول أن تدرك أن الشعب الفلسطيني شب عن الطوق ، وهو وإن كان يتابع ما يجري في العالم العربي من صناعة للقادة والزعماء في العواصم الغربية والعربية ، وإن كان يتفهم ويقبل دورا ما للدول العربية ، ما دامت كل دول الإقليم ودول أجنبية تتدخل في الشأن الفلسطيني من بوابة المساعدات المالية أو من بوابة الأيدولوجيا الدينية ، ومع أنه يرحب بكل الجهود لإنجاز مصالحة فتحاوية وبما تم إنجازه حتى الآن ، إلا أن للشعب الفلسطيني مصالحه الوطنية ايضا والتي ليست بالضرورة ودائما تتطابق مع مصالح الدول الشقيقة ، وله عنوان شرعي واحد وشخصيته الوطنية المستقلة التي ترفض التبعية المطلقة لهذه الدولة أو الجماعة أو تلك ، و لن يقبل إلا برئيس يأتي عبر صناديق الانتخابات أو من خلال توافق وطني شامل .