مبادرات تتوالى، فهل نحن مستعدون؟ – د/ إبراهيم أبراش
تتوالى المبادرات والمشاريع، سواء تحت عنوان دعم المصالحة الفلسطينية أو تحت عنوان التسوية مع الإسرائيليين ، أو إعمار غزة ، فهناك المبادرة الفرنسية التي تنتظر الموافقة الامريكية ، ومبادرة الرئيس الامريكي الأسبق كارتر الذي ينسق تحركه مع دول خليجية وعلى رأسها السعودية ، والورقة السويسرية ، ومقترحات مبعوث الرباعية السابق طوني بلير ، بالإضافة إلى مبادرة قطرية وتركية للوساطة ما بين حركة حماس وإسرائيل حول دولة غزة .
الملاحظ أن كل هذه التحركات تقريبا تحاول الدمج ما بين المصالحة الفلسطينية الداخلية والتسوية السياسية مع إسرائيل واستحقاقات معادلة الشرق الاوسط الجديدة ، حيث تولدت قناعة أن لا نجاح لتسوية مع الإسرائيليين إلا بمصالحة أو توافق فلسطيني داخلي على بنود أية تسوية ، لأن حركة حماس ومن خلال التجربة ونتيجة صيرورتها مكونا رئيسا لا يمكن تجاهله في المعادلة الفلسطينية الداخلية وفي المعادلة الشرق أوسطية لكونها جزء من الإخوان المسلمين ، يمكنها إفشال أية تسوية سياسية ، ومن جهة أخرى لا يمكن توقع نجاح أية مصالحة فلسطينية على قاعدة توحيد الضفة وغزة في إطار سلطة واحدة إلا بموافقة إسرائيل التي تتحكم بالجغرافيا ولإسرائيل شروط معروفة منها الاعتراف بيهودية الدولة ، وموافقة دولية وخصوصا الرباعية الدولية بسبب الاحتياجات المالية للحكومة والسلطة ، ومن شروط الرباعية وقف المقاومة المسلحة والاعتراف بإسرائيل ، أيضا فالمصالحة والتسوية لن يكتب لهما فرص النجاح دون توافقات شرق اوسطية .
نتيجة لذلك أصبحت حوارات المصالحة ومفاوضات التسوية تقوم على أساس الصفقة أو الحزمة الواحدة :المصالحة والتسوية السياسية وإشكالية التمثيل الفلسطيني ، وفي ظل ضعف الحالة الفلسطينية والعربية فإن واشنطن لن تسمح بنجاح أية من المسارات الثلاثة أو أية مبادرة للتسوية أو المصالحة سواء كانت من باريس أو الرياض إلا بالترابط بين المواضيع الثلاثة ،وكلما اقتربت حركة حماس من الالتزام باستحقاقات التسوية الأمريكية وبالشروط الإسرائيلية كلما باتت المصالحة ممكنة وباتت حظوظ الحركة بالمشاركة في التمثيل الفلسطيني ممكنة وبالتالي تصبح فرص التسوية ممكنة أكبر.
في سياق التحولات والانقلابات في المواقف والتحالفات وسقوط كثير من التابوهات في المنطقة العربية وعند جماعة الإخوان المسلمين ، وبعد فشل تسوية أوسلو ووصول خيار المراهنة على الشرعية الدولية لطريق مسدود ، وبعد وصل المقاومة في غزة لطريق مسدود أيضا ، وبعد فشل كل حوارات المصالحة برعاية عربية أو إسلامية أو فلسطينية فإن تلازما بين التسوية والمصالحة يفرض نفسه في أي حوارات سواء حول المصالحة أو حول التسوية ، لذا لا نستبعد مصالحة فلسطينية قادمة ضمن صفقة تسوية برعاية دولية بل وأمريكية.
وهكذا نلاحظ أن الورقة السويسرية التي حاولت حل مشكلة موظفي غزة لتمكين حكومة الوفاق من العمل ربطت مشكلة الراتب بالجانب الأمني وبشروط سياسية إسرائيلية وغربية ، والمبادرة الفرنسية تحاول إرضاء كل الاطراف حيث صرح القنصل الفرنسي بالأمس 2 مايو بأن المبادرة الفرنسية تسعى لإدماج أطراف جديدة بالتسوية ويقصد حركة حماس بالإضافة إلى تمرير يهودية الدولة وإرجاع منظمة التحرير لطاولة المفاوضات ، ومبادرة كارتر/ السعودية تجمع ما بين المصالحة الفلسطينية والتسوية السياسية مع إسرائيل ، ورغبة العربية السعودية في إنجاح عاصفة الحزم ،وإبعاد الحرج عن المملكة لأنها شكلت تحالفا عربيا لمواجهة إيران ولم تفعل ذلك لمواجهة إسرائيل وممارساتها التهويدية والاستيطانية في القدس والضفة ، أما مقترحات طوني بلير فهي اسوء من كل ذلك ، والأسوأ منها المفاوضات أو الدردشات ما بين حماس وإسرائيل إن تأكد وجودها ووصلت لمبتغاها.
يبدو أن زمن استقلالية القرار الوطني الفلسطيني قد ولى ، والفصائل الفلسطينية بما فيها حركة حماس لن تخرج عن استحقاقات الشرق الأوسط الجديد الذي يتشكل تحت رعاية أمريكية وعلى حساب الثورات أو الهبات الشعبية المغدورة ،لذا فالمصالحة الفلسطينية لم تعد شأنا فلسطينيا خالصا بل دخلت ضمن تعقيدات المنطقة ومحاورها وباتت جزءا من عملية التسوية وجزءا من عملية إعادة تشكيل الشرق الأوسط الجديد.
فرنسا وسويسرا مثلهما مثل العربية السعودية وقطر ومصر وتركيا ،كلهم حلفاء استراتيجيون لواشنطن ومؤيدون لنهج التسوية الأمريكية الذي يراعي المصالح الإسرائيلية اولا ، ولن يخرجوا عن هذا النهج إلا تكتيكا ومناورة ، أو إبداء تفهم لبعض المطالب الفلسطينية لتحسين فرص العودة لطاولة المفاوضات وامتصاص غضب الرأي العام الغربي الذي بات واضحا في انتقاده للسياسة الإسرائيلية تجاه الفلسطينيين .
أيضا تتداخل المصالحة مع التسوية السياسية مع الصراع على التمثيل الفلسطيني ،فحركة حماس تشعر بأنها باتت على درجة من القوة والحضور الشعبي بحيث تملك الحق لترفض المصالحة التي لا تضع حركة حماس على قدم المساواة مع منظمة التحرير ،وبالتالي ترفض التسليم بأن قيادة النظام السياسي الفلسطيني والشعب الفلسطيني حكرا على منظمة التحرير الفلسطينية .
أسباب كثيرة لا تشجع حماس على تقديم تنازلات للرئيس أبو مازن ولا حتى لمصر أو قطر الصديقة وحتى للعربية السعودية ، فحركة حماس ترى إن كان لا بد من تقديم تنازلات سياسية فليتم تقديمها مباشرة لواشنطن وإسرائيل حتى تأخذ الثمن منهما بإسقاطها من قائمة الإرهاب والاعتراف بها كطرف فلسطيني رسمي يجب التفاوض معه حول الشأن الفلسطيني ، وضمان عدم ممانعة واشنطن والغرب في أن تتقاسم حماس التمثيل الفلسطيني مع منظمة التحرير الفلسطينية هذا إن لم يكن الحلول محلها ، أو الاعتراف بشرعية سلطتها في قطاع غزة والتفاوض معها مباشرة حول مستقبل قطاع غزة ودولة غزة .
حركة حماس منذ فترة لم تعد تمانع من الانخراط في عملية التسوية ،وقد صرح السيد خالد مشعل لقناة c.n.nالأمريكية أنه لا يرفض المفاوضات من حيث المبدأ ومن بعده صرح موسى أبو مرزوق نائب رئيس المكتب السياسي للحركة ان حماس قد تضطر للدخول في مفاوضات مباشرة مع إسرائيل ، وأخيرا حديث الدكتور احمد يوسف عن وجود (دردشات) بين حماس وإسرائيل حول تثبيت سلطة حماس في قطاع غزة مقابل هدنة طويلة المدى وفتح ميناء .
وننهي بالقول إن كل هذه المبادرات والمشاريع السياسية التي تحاول تحريك ملفي المصالحة والتسوية ليست كلها بريئة وحريصة على المصلحة الفلسطينية بل تقف وراءها واشنطن بموافقة إسرائيلية لمواجهة توسع الحملات الشعبية الدولية التي تطالب بحاصر إسرائيل ومقاطعتها، ولاستباق وإجهاض أي انفجار فلسطيني سواء في قطاع غزة أو الضفة الفلسطينية .
والسؤال هل النظام السياسي الفلسطيني بكل مكوناته متهيئ للتعامل مع هذه المبادرات بما يقلل من مخاطرها ويوظف ما بها من ايجابيات لتحريك ملف التسوية بما يدعم حقوقنا الوطنية وتحقيق مصالحة وطنية حقيقية ؟ . للأسف فإن غياب المبادرة الفلسطينية وغياب استراتيجية وطنية يتم مخاطبة العالم من خلالها هو ما يشجع الاطراف الاخرى على تقديم مبادرات تتعلق بمصيرنا وقضيتنا الوطنية ، وهو ما قد يسمح بنجاح بعض هذه المبادرات والمشاريع .
إن ما نخشاه أن تختلف و تفشل القوى السياسية في التعامل مع هذه المبادرات ، مما يمنح لإسرائيل مزيدا من الوقت لمواصلة مشاريعها الاستيطانية وخصوصا إن عادت السلطة للمفاوضات دون شرط وقف الاستيطان ، كما أن التعاطي مع هذه المبادرات يجعل بيد إسرائيل ورقة توظفها لتبرئ نفسها من مسؤولية تعطل عملية التسوية ولتواجه الحملات المناوئة لها عالميا ، والأخطر من ذلك ترسيخ الانقسام وعودة حوارات المصالحة لنقطة الصفر، هذا إن عادت !.