مبادرة الجهاد والحوار- منير شفيق
أطلقت حركة الجهاد من خلال أمينها العام الدكتور رمضان عبد الله شلح مشروعاً من نقاط عشر، استهدف، فيما استهدف، إخراج الوضع الفلسطيني الراهن من الأزمة الصعبة التي تواجهها القضية الفلسطينية والأوضاع بعامة. وما أن أطلق المشروع حتى تحوّل إلى مبادرة. وقد تبيّن أنها جاءت في وقتها، وأن ثمة تعطشاً فلسطينياً لها. فحرّكت الماء الراكد بدليل الاستقبال الواسع الذي تلقفها. فرحب بها قيادات من الفصائل الفلسطينية كافة. ناهيك عن الإعلام والشخصيات المستقلة مؤكدين على ضرورة مراجعة الوضع الفلسطيني كله، والدخول في حوار واسع. فضلاً عن عدد من الكتاب العرب المرموقين مثل فهمي هويدي وراغدة عسيران.
التأمل العميق في هذه النقاط العشر يلحظ أن سقفها أعلى من أن تهضمه الفصائل والقيادات التي ارتبطت باتفاق أوسلو. وتخلت عن المنطلقات والثوابت التي تمثلت في ميثاق منظمة التحرير الفلسطينية، بل في مواثيق النشأة لكل فصائل المقاومة. والآن جاء مشروع النقاط العشر ليؤكد عليها، ويحاول إعادة الذين هجروها إلى تبنيها من جديد. وذلك بعد أن تبيّن لهم أن طريق أوسلو مسدود، وانتهى إلى فشل مريع (طبعاً لهذا الفشل أهمية كبرى إذ جنّب القضية الفلسطينية التصفية).
إن حركة الجهاد التقطت الحلقة المركزية في الأزمة الفلسطينية الراهنة فطالبت بالبند الأول من مشروع النقاط العشر بإلغاء اتفاق أوسلو. ولهذا ختم الأخ أبو عبد الله (رمضان شلح) المبادرة بنداء هام وأخوي وجهّهه للرئيس عباس لأن يوقف نهج أوسلو، ويفعل شيئاً “ينقذ هذا الشعب وهذه القضية. ويكتب لك ولنا جميعاً النجاة في محكمة التاريخ وعند لقاء الله عزّ وجلّ”.
الأمر الذي يسمح عندئذ بتحقيق أوسع وحدة وطنية وينهي الانقسام ويفتح الباب واسعاً أمام الانتفاضة لتصبح شعبية شاملة تنهي الاحتلال بلا قيد أو شرط.
على أن الملاحظ أن عدداً من الذي رحبّوا بالمبادرة، وتحمسّوا لفتح الحوار الشامل، لم يعلنوا تفاعلهم مع النقاط العشر كاملة، وإنما انتقوا من بينها نقطة أو نقطتين، لا تمسّان إلغاء اتفاق أوسلو، أو سحب الاعتراف بدولة الكيان الصهيوني. وهم يُغطّون أنفسهم بالترحيب العام بالمبادرة ولا سيما دعوتها لإنهاء الانقسام والذهاب إلى الحوار الشامل. وأحسب أن بعضهم كان يتهيّأ لإدخال تعديلات على المبادرة مما يؤدي إلى تفريغها من محتواها السياسي.
مشروع النقاط العشر في الأساس عبّر عن المواقف التي تبنتها حركة الجهاد وثبتت عليها طوال الوقت. فهذا المشروع يُجسّد عملياً برنامج حركة الجهاد. ومن ثم يجب ألاّ يحاول الذين استجابوا للحوار أن يضعوه على الطاولة للتعديل والتبديل والإضافة. فأيّ اقتراح يجب أن يذهب إلى الحوار حول النقاط المشتركة التي يمكن أن يُتفق عليها بين المتحاورين وليس لإحداث أي تعديل أو تغيير في النقاط العشر التي تكون قد أدّت الهدف منها في تحريك الماء الراكد، والانتقال إلى الحوار، ووضع بوصلة عامة له. فيما تبقى هي برنامج حركة الجهاد.
طبعاً يا حبذا لو يُصار إلى عودة وحدة الصف الفلسطيني على أساس النقاط العشر لتمحو ما فعله من مصائب برنامج النقاط العشر لعام 1974 والذي فتح الطريق للانفصال التدرجي عن ميثاق م.ت.ف وصولاً إلى اتفاق أوسلو. وذلك إذا ما فتح مشروع النقاط العشر الذي طرحته حركة الجهاد الطريق للإنقاذ التدرجي من خلال تطوير الانتفاضة لتصبح “انتفاضة شاملة، وقادرة على هزيمة الاحتلال ودحره عن أرضنا بلا قيد أو شرط”. الأمر الذي يؤمل أن يؤدي إلى الوحدة تحت راية الميثاق القومي لعام 1964، أو في الأقل الميثاق الوطني الفلسطيني لعام 1968. أي مشروع تحرير كل فلسطين.
الذي يؤيدون النقاط العشر لنفتح هذا الطريق الأخير يستطيعون أن يتوصلوا إذا ما انطلق الحوار الشامل إلى نقاط اتفاق حد أدنى مع القوى الفلسطينية التي هبط سقفها إلى حدود سقف اتفاق أوسلو. ولم يعودوا قادرين على تبني مشروع التحرير الكامل واستراتيجية المقاومة المسلحة واستراتيجية الكفاح المسلح طويل الأمد الذي تأسسّت فتح والفصائل عليها.
ولعل النقاط التي يمكن التوافق حولها في هذه المرحلة من النضال الفلسطيني، وبعد التورّط بوجود سلطة رام الله المنبثقة من اتفاق أوسلو، تتمثل في دحر الاحتلال وتفكيك المستوطنات، بلا قيد أو شرط، من القدس والضفة الغربية. كما إطلاق كل الأسرى وفك الحصار عن قطاع غزة. أما الاستراتيجية التي يمكن الاتفاق عليها وهي الأصحّ في هذه المرحلة فتتمثل بتصعيد الانتفاضة إلى مستوى المشاركة الشعبية التي تصل إلى إعلان العصيان المدني الذي لا ينفك قبل انسحاب الاحتلال وتفكيك المستوطنات بلا قيد أو شرط. وهي استراتيجية يستطيع محمود عباس أن ينخرط فيها، أو يتركها تمضي في سبيلها ما دامت تتجه إلى عصيان مدني دون أن يتعارض ذلك مع أشكال المقاومة العفوية الأخرى التي انطلقت مع انتفاضة القدس في الأول من تشرين الأول 2015.
وأخيراً، حقاً يستطيع محمود عباس أن يقصر المسافات لو يتجه إلى إلغاء اتفاق أوسلو وتبعاته. أو تجميده ووقف التنسيق الأمني. ويخلي بين الشعب الفلسطيني والاحتلال.