“مجموعة اتصال” دولية – إقليمية لسورية- منير شفيق
أعلن نائب وزير الخارجية الروسي ميخائيل بوغدانوف أن “مجموعة الاتصال” الخاصة ببحث الأزمة السورية ستجتمع خلال شهر تشرين الأول/أكتوبر. كما سيجري اجتماع موازٍ لأربع مجموعات عمل مشكّلة من ممثلي النظام السوري والمعارضة والمجتمع المدني في جنيف. ويقدّر أن عمل هاتين المجموعتين سيبدأ بعد انتهاء أعمال الجمعية العامة للأمم المتحدة.
لا شك في أن اجتماعات محموعة الاتصال سيكون الأهم والكثر فعالية إذا ما تكلل بالنجاح، أو وضع نفسه على السكة الصحيحة الموصلة إلى النجاح. وذلك لأن مجموعة الاتصال مؤلفة من روسيا وأمريكا وإيران وتركية ومصر والسعودية.
طبعاً كان من الأفضل لو تشكلت مجموعة الاتصال قبل اليوم بثلاث سنوات في الأقل. وكانت مؤلفة من إيران وتركية ومصر والسعودية وسورية، بدلاً من اشتراك روسيا وأمريكا فيها. وذلك لسبب مبدئي أولاً، مع دوره الأهم من حيث التأثير والفاعلية. أي إسلامي (إيراني- تركي) وعربي (مصر والسعودية وسورية). وأما ثانياً، فتجنباً لإقحام الدولتين الكبريين في معالجة الأزمة السورية. الأمر الذي يزيدها تعقيداً فوق تعقيد.
ولكن عمق التناقضات التي نشأت بين إيران وتركية حول الموقف من سورية. وقد وصلت إلى حد الاحتراب عملياً على الأرض السورية، وكذلك عمق التناقضات التي نشأت في ما بين الأطراف العربية من جهة كما في ما بينها وكلٍ من تركياً وإيران من جهة أخرى، منعا ويمنعان أن يكون الحل إسلامياً – عربياً. وليس كما ستحاول “محموعة الاتصال فعله عملياً، بأن يبدأ دولياً: روسيا – أمريكا ثم الانتقال إلى التناقضات المشار إليها عربياً – عربياً أو عربياً – إسلامياً (تركياً – إيرانياً).
من هنا فإن الآفاق المفتوحة أمام محموعة الاتصال الروسية – الأمريكية – الإيرانية – التركية – السعودية – المصرية – والسورية عملياً، آفاق ضيقة جداً في المدى القريب. هذا إذا قدّر لها أن تجتمع أولاً ثم إذا قدّر لها أن تدخل في حوار جدي متكرّر اللقاءات ثانياً.
هنالك من مالَ إلى تفسير الخطوة الروسية الأخيرة في سورية، وقد لعبت دور المحفز الذي أوصل إلى الإعلان عن مجموعة الاتصال، قد تمت بعد تفاهم أمريكي – روسي. وهو ما لا دليل عليه سوى قناعة قديمة راسخة تعتقد أن مثل هذه الخطوة لا تكون إلاّ بقرار دولي.
على أن التدقيق في الكيفية التي تعاملت بها أمريكا مع الخطوة الروسية تنفي نظرية التفاهم بينهما، كما ينفي منطق حتمية وجود قرار دولي مسبق. فأمريكا فوجئت بالخطوة وارتبكت في التعامل معها. ولم تزل مرتبكة. وذلك بالرغم من ابتلاعها لها، وبغصّة ظاهرة في حلقها. وذلك بعد أن فُرِضّت على الأرض. وصارت مُعطىً لا بدّ من التعامل معها: إما بمواجهة حادّة وهو ما لا قِبَل لأمريكا عليه، أو قل عدم توفّر استعداد أمريكي لمواجهته فوراً. فكان القبول به بحذر واشتراطات. ولا سيما وقد أَحْرَجَت الدبلوماسية الروسية أمريكا حين بادرت فوراً بدعوتها إلى التعاون في مواجهة داعش. مما أخرجها من الحرج جزئياً، وغطى تراجعها المذل في ابتلاع الخطوة الروسية. ولكن من يدقق في خطاب أوباما أمام الجمعية العامة يجد انفتاحاً للتعاون. أما في حناياه فثمة “سم في الدسم”.
فالقضايا الخلافية الأمريكية- الروسية والتي تصل إلى حالة حرب بالوكالة كما في أوكرانيا، أو إلى الحصار والضرب تحت الحزام من خلال التضييق المالي والاقتصادي الذي يرمي إلى خنق روسيا، وتحريك الداخل ضدّ بوتين، سيضعان العراقيل في تفاهم مشترك روسي – أمريكي حول معالجة الوضع السوري. فعلى الرغم من الاتفاق الشكلي بأن داعش هي العدو الأول أو المشترك، إلاّ أن التطبيق العملي عند كل من روسيا وأمريكا (كما عند غيرهما) كثيراً ما يُقدّم على محاربتها أولويات أخرى.
وإذا انتقلنا إلى تفحص، بصورة خاصة، العلاقات الإيرانية – السعودية، أو المصرية – التركية، بعامة فسنجدها أعقد من أن تسمح حتى باللقاء في اجتماع مشترك، وإذا تفحصنا مواقف كل منها من الحل في سورية، أو في تحديد الأولويات فسنجد عوائق كثيرة تحول دون مجرد حتى إطلاق حوار حول الموضوع السوري.
هذه العلاقات في ما بين الأطراف العربية – الإسلامية، وعربياً – عربياً، هي التي حالت دون أن يكون الحل، كما يجب أن يكون، مبدئياً وعملياً، من خلال مجموعة اتصال إيرانية – تركية – مصرية – سعودية. وهي التي أدخلت العامل الدولي ليزيد الأمور تعقيداً. وذلك بالرغم من أنها في نهاية المطاف هي الحل الناجع والأسلم.
ولكن فَرْضْ روسيا نفسها، وبثقل عسكري كبير على الأرض، أدخل عنصراً مستجداً على الساحة يُحتم على كل الأطراف بأن يعيدوا حساباتهم. ويتعاملوا بجدٍ مع كل ما ستتخذه روسيا من خطوات عملية. فعوامل التعقيد زادت وما نقصت. ولكن احتمالات إيجاد حل ما، أو فرض حل ما، زادت ولم تنقص. وكل من تلك العوامل وهذه الاحتمالات يمثل فرس رهان، والمُرَجِّح سيكون الميدان.