محطة “دويتشه فيله” مثل الحكومات الألمانية… كل شيء لأجل “اسرائيل”…
كتب نضال حمد:
قبل فترة قامت إدارة محطة “دويتشه فيله” الألمانية باتخاذ قرار تجميد عن العمل بحق اعلاميّين عرب لمجرد إبداءهم أراءاً خاصةً بأمورٍ سياسيةٍ في مواقع التواصل الاجتماعي.. آراء معارضة للارهاب الصهيوني في فلسطين المحتلة.
القرار الألماني وهو لا يختلف عن السياسة الألمانية الرسمية المتبعة منذ انتهاء الحرب العالمية الثانية واحتلال فلسطين سنة ١٩٤٨ وقيام كيان الصهاينة فيها، فألمانيا لا تترك مناسبة إلا وتؤكد خلالها التزامها بأمن وبقاء “اسرائيل” ومعاداة من يعاديها. يعني أنها ملتزمة ببقاءنا نحن أهل فلسطين مشردين ولاجئين خارج وطننا وببقاء فلسطين تحت الاحتلال الصهيوني الى أبد الآبدين.
لم يحظَ القرار بتغطية ولا بإدانة عربية أوعالمية ولا حتى محلية ألمانية. مع أن القرار الألماني التعسفي يعيدنا الى زمن الاحتلال النازي لأوروبا، حيث كان ضباط الغستابو يتخذون قراراتهم التعسفية ضد أي كان ولأتفه الأسباب. لم يكن بإمكان أي منظمة أو لجنة أو شخص الحديث عن تلك القرارات، لأنه سوف يتعرض للعقوبات القاسية ومنها عقوبة الاعدام، التي كانت أسهل من شربة الماء في زمن النازية، ولازالت كذلك في زمن دولة الاحتلال “الاسرائيلي” الصهيونية، التي تعتبر الوريثة الحصرية للفكر العنصري الهتلري وللبشاعتين النازية والفاشية. فهي تمارس نفس الأساليب على الفلسطينيين منذ قيامها هناك بالقوة والارهاب سنة ١٩٤٨. تمارسه بأموال وتسليح وتقينات ودعم لا محدود يتواصل حتى يومنا هذا بالذات من ألمانيا وكذلك من الولايات المتحدة الأمريكية ودولاً أوروبية وغربية.
لم يحظَ القرار بتغطية أو احتجاج من أحد. لا من منظمات إعلامية وصحافية ولا من جماعات حقوق الانسان وحرية التعبير ومنظمة إعلاميّين ضد العنف.. ولا من نقابات واتحادات الصحافيين والاعلاميين. كل هؤلاء لم يحركوا ساكناً ضد قرار المحطة الألمانية، التي اعترضت على تغريدة للإعلامي باسل العريضي، كان انتقد فيها زيارة البطريرك الراعي إلى فلسطين المحتلة. بالمناسبة زيارة الراعي جريمة وتطبيع ولو كنا في وضع عربي نقيّ وسويّ كان من المفترض محاسبته وتقديمه للمحاكمة، أولا لزيارة كيان الاحتلال وهو دولة معادية حتى بالقانون اللبناني. فزيارته تندرج ضمن التطبيع والاعتراف به. ثم ثانياً للقائه بخونة وعملاء جيش لحد المجرمين والصلاة فيهم والدفاع المستميت عنهم، حتى أنه اعتبرهم وهذا حسب فهمه ورأيه مجموعة من الوطنيين اللبنانيين، كانوا يقاتلون مع “اسرائيل” دفاعا عن لبنان. يعني ضد اخوتهم اللبنانيين العروبيين والقوميين واليساريين والمسلمين. كذلك ضد الفلسطينيين والسوريين فهؤلاء كان ولازال الراعي يعتبرهم احتلالا بينما يعتبر الاحتلال الصهيوني منقذاً للبنان.
مطلع الشهر الجاري ديسمبر 2021 أعلنت “دويتشه فيله”، المؤسسة الإعلامية الدولية لجمهورية ألمانيا الاتحادية، إيقاف أربعة موظفين في القسم العربي ومتعاون من الخارج، خلال تحقيق في مزاعم بأنهم عبروا عن (آراء معادية للاحتلال “الإسرائيلي” وللسامية). لاحظوا كيف تتم عملية الربط بين معاداة السامية ومعاداة الاحتلال الصهيوني لفلسطين. ربط متعمد وبوقاحة متناهية.
في معرض تبريرها للقرارات التعسفية شددت “دويتشه فيله” التي تمولها الحكومة الألمانية، في بيانها، على أن موظفيها كلهم “ملتزمون بالإخلاص لقيم واستراتيجيات المؤسسة الألمانية، سواء داخلياً وخارجياً. من بين هذه القيم الاعتراف الواضح لـ(دويتشه فيله) بحق “إسرائيل” في الوجود، إضافة إلى الموقف الواضح ضد “معاداة السامية”. تنطبق هذه السياسة أيضاً على الحسابات الشخصية في مواقع التواصل الاجتماعي.
ألم تسأل المحطة الألمانية نفسها ولو مرة واحدة: “حق اسرائيل في الوجود أين؟”، ربما حقها في الوجود على شارع “ليندن ستراشه” في برلين وبالتأكيد ليس في أرضنا ووطننا فلسطين. إذا كان هذا هو القصد الألماني فلا يوجد أي فلسطيني أو عربي ضد حقها بالوجود هناك في قلب عاصمة الرايخ الألماني، الذي كان يذبح ويقتل ويهجر ويرسل لنا بالتفاهم مع الحركة الصهيونية كل يهود ألمانيا وأوروبا ضحايا جرائمهم وارهابهم ليحتلوا فلسطين. ربما بعض اليهود كانوا يهاجرون الى فلسطين لانقاذ حياتهم من الارهاب الالماني النازي والعنصرية ومعاداة السامية الأوروبية. والقسم الأكبر كان يهاجر ضمن اطار الحركة الصهيونية بغية الاستعمارواحتلال فلسطين.
لعلم القراء العرب فإن “دويتشه فيله” كانت منذ زمن وضعت قيود صارمة على نشر الأخبار والتقارير التي تفضح وتنتقد وتقدم الجرائم الصهيونية في فلسطين المحتلة والجوار العربي. حتى أن المستشارة الالمانية ميركل وحكومتها وتقريباً وربما كل الأحزاب الألمانية المعروفة في البرلمان الألماني، رفضت إدانة جريمة تصفية واغتيال أو مجزرة عائلة كيلاني الفلسطينية المجنسة ألمانياً في غزة. مع أن الطائرات الحربية “الاسرائيلية” قامت بقصفهم في شقتهم السكنية بأحد الأبراج السكنية في غزة.
ألمانيا المتصهينة، الجبانة فعلاً، تعلل ذلك بمسؤولية برلين الخاصة تجاه الدولة اليهودية، بسبب الهولوكوست. يعني بسبب الهولوكوسوت “خلي اسرائيل” تذبحنا وتقتلنا وتحتل وطننا وتسرق خيراتنا وتراثنا ومطبخنا ولباسنا والخ .. ولتمارس كل اشكال الارهاب والاجرام ضد الفلسطينيين فكل ذلك لا يزعج ألمانيا الحديثة… ولا يزعجها أن هناك هولوكوست حديث يجري في فلسطين منذ ١٩٤٨ وحتى يومنا هذا. أكثر ما يزعجها أن ترى شخصاً ما ينتقد الصهاينة ويفضحهم ويتحدث عن عنصريتهم ومعاداتهم للفلسطينيين وعن ارهابهم ودمويتهم وفاشيتهم ونازيتهم، التي بالتأكيد تذكر ألمانيا بتاريخها الأسود وبحاضرها الذيلي.
القمح وتكميم الأفواه ليس حصراً على بلدان العالم الثالث فهو موجود في ألمانيا أيضاً.
نضال حمد في 20-12-2021