محمد ابراهيم السيد المناضل المثال والجريح الفذ – إعداد نضال حمد
التزم منذ بدايات الثورة الفلسطينية في لبنان وكان طالبا مجتهدا ومن الأوائل في المدرسة. فقد نجح في الامتحانات بتفوق وأنهى دراسته وتحصل على شهادتي السيرتفكا والبريفيه بمعدلات عالية.
يقول شقيقه، صديقي ورفيقي عبد القادر السيد:
“عندما أكمل البريفيه كانت عطلة الصيف حيث إلتزم أخي محمد في دورة عسكرية في مدينة صور الجنوبية بلبنان، في مخيم أقامته الجبهة الشعبية القيادة العامة.”.
في صور مدينة التاريخ والساحل والمطلة على فلسطين والتي تحتضن مخيمات الرشيدية والبرج الشمالي والبص وتجمعات جل البحر والمعشوق والشبريحا والخ، هناك أقيم المعسكر الذي ضم مجموعة من الشباب والطلبة الفلسطينيين من مخيمات لبنان. في ذلك الوقت من الزمن الجنوبي اللبناني بالتوقيت الثوري العربي والفدائي الفلسطيني، كان كل شاب وفتى وطالب يحلم بأن ينتسب للفدائيين ويتلقى التدريب العسكري.
قال لي صديقي وأخي عبد القادر السيد:
“أتذكر بأن والدي المرحوم أبو محمد كان مسافراً ويعمل في ليبيا -فورمان- في البناء. في ذلك الوقت أكمل أخي محمد دراسته وشهادة البكالوريا في مدرسة المقاصد الإسلامية في صيدا وحقق النجاح وفيما بعد نال الشهادة بامتياز. لكن فجأة افتقدناه، فذهبت أنا والمرحومة والدتي إلى مكان وجوده في مخيم برج الشمالي بعدما عرفنا أين هو. حاولت والدتي إقناعه بالعودة معنا الى مخيم عين الحلوة لكنه رفض وبقي هناك وأكمل دورته”. الدورة حتى نهايتها”.
في ذلك الوقت عام 1973 إندلعت أحداث أيار مع الجيش الطائفي اللبناني ويبدو كانت تهيئة للحرب الأهلية التي اندلعت فيما بعد في 13 نيسان 1975 على اثر مجزرة بوسطة عين الرمانة واستشهاد أكثر من عشرين فلسطينياً برصاص مجرمي آل الجميل الفاشيين.
في ذلك الوقت كان محمد السيد ضمن المجموعات الفدائية في منطقة جسر سينيق للدفاع عن مخيماتنا، التي كانت تتعرض لحصار في صيدا وبيروت، كما تعرضت لقصف مدفعي خاصة مخيمات صبرا وشاتيلا و برج البراجنة. فيما بعد توقفت المواجهات بعد أن حصل اتفاق بين منظمة التحرير الفلسطينية والدولة اللبنانية على إثره عادت الأمور الحياتية والدراسية الى طبيعتها… وعاد محمد السيد ليتابع دراسته وينال شهادة البكاليوريا بإمتياز وتفوق.
محمد السيد كان شاباً عصامياً، انساناً ملتزما ومقاتلا شجاعاً كما كان طالبا متفوقاً ورفيقاً مقداماً وأخاً لكل إخوانه الفدائيين ورفاقه ومن أبناء المخيمات والثورة. كان يتحرك ويتنقل هنا وهناك وهنالك بلا تعب وملل وتوقف، رجل ولد للعمل وللعطاء. منذ إصابته قبل عشرات السنين لازال يتنقل وبدون استخدام الطرف الاصطناعي، على عكازيه الشهيرين في مخيم عين الحلوة.
مع بداية الحرب الأهلية في لبنان سنة 1975 إلتزم متفرغاً بالجبهة وعندما اندلعت المعارك في بيروت مع الانعزالين وخاصة في الفنادق على إثر حصار مخيم تل الزعتر، كان البطل محمد ابراهيم السيد من المقاتلين الأوائل على خطوط المواجهة الأصعب، كان في مقدمة المدافعين عن ثورتنا وشعبنا ومخيماتنا وقضيتنا.
بعد احتدام المعارك في جبهة الفنادق والأسواق التجارية أصيب محمد السيد بجراح وكانت تلك إصابته الأولى الأقل خطورة من إصابته الثانية التي حصلت بعد شهور في مواجهة أخرى. على إثر الاصابة في الفنادق نقل وعولج في بيروت وصيدا، ثم عند وصوله الى المخيم وهو يرتدي بيجامة المستشفى، رفض البقاء في البيت استبدل ثيابه وعاد الى جبهة القتال. عاد محمد الجريح والذي كانت جراحه لازالت طريّة ولم يشفى منها بعد، عاد الى جبهة القتال في بيروت… وبعد فتره نقل الى منطقة صيدا مع بعض المقاتلين لتعزيز خط المواجهة في منطقة “روم” قرب جزين، فهناك وعلى إثر المعارك أصيب وبترت ساقه. نقلوه الى مستشفى الهلال الأحمر الفلسطيني في مدينة صيدا، حيث خضع للعلاج المكثف. بقيت إرادته متينة وقويّة… من مواقفه الصلبة وهو على فراش الجراح والشرف في المسشتفى، أنه حين استقبل والدته المرحومة الخالة أم محمد وأجهشت بالبكاء حين رأته، طلب منها أن تتوقف عن البكاء وقال لها هذا شرف لي ولكم.
هذه الحادثة بالضبط تذكرني بما حصل معي وأنا على سرير العلاج في مستشفى الجامعة الأمريكية ببيروت، بعد إصابتي في معركة مع العدو ودباباته ثاني أيام مجزرة صبرا وشاتيلا في 17 أيلول سنة 1982، حيث أجشهت أمي وبعض قريباتي بالبكاء، فطلبت منهن التوقف فوراً عن البكاء… قلت لهن نفس كلمات صديقي محمد أنه شرف لي ولكم ولكن وللعائلة وللمخيم… منذ ذلك الوقت لم يبكِ أي شخص في غرفتي بمستشفى الجامعة.
يقول عبد القادر السيد: “عندما علم الوالد (ابراهيم السيد) بذلك حضر من ليبيا عبر البحر الى ميناء صيدا على متن باخرة ليبية كانت محلمة بالأسلحة والمواد التموينية لثورتنا ولشعبنا. فنتيجة لإحتدام المعارك في لبنان عامي 1975 و 1976 كان مطار بيروت مغلقاً.
لقد ربطتني ولازالت تربطني بالبطل الوطني الجريح محمد السيد علاقة صداقة مودة واحترام متبادل، هذا بالرغم من فارق العمر بيننا. حرصنا دائماً على اللقاء خلال زياراتي وسفراتي الى لبنان ومخيم عين الحلوة. آخر لقاء جمعنا حصل في وادي الزينة يوم توفيت والدته المرحومة أم محمد، شاركت في جنازتها وفي بيت العزاء وهناك التقيت بمحمد.
أعتز بالصديق والأخ محمد السيد، الأستاذ أبو ابراهيم، الذي قام بعد الاصابة بممارسة ممهنة التعليم، علم ودرس خلال عشرات السنين، مئات الطلاب والطالبات ولازال يفعل ذلك حتى يومنا هذا.
في الصورة أنا ومحمد خلال زيارته لي في بيتنا بمخيم عين الحلوة قبل سنوات.
في تعقيبه على موضوع محمد السيد كتب الأخ محمد أحمد صبحة:
الحقيقية أن المقال لمس كل مشاعرنا وأرجو أن يكون صديقنا محمد راضٍ عنه أيضا. عرفنا محمد منذ كنا فتية ولم نختلف يوماً، حيث كنا نتوقع أن يتخرج طبيباً أو مهندساً كونه كان من المتفوقين في الدراسة.
أحبه على كل الأصعدة سواء في الطفولة أو الصبا أو عندما كان يدافع عن كرامتنا. الحق يقال كان من الشجعان الذين سمعنا عنهم… قوته كانت تكمن في ايمانه حتى وزنه كان ضئيلا.
وصلني حوار له مع أحد أبناء الصفصاف وعندما إختلفا في وجهات النظر حيث رد عليه ابن الصفصاف و قال له “أبو رجل مبتورة”… فرد عليه محمد بترت من أجل الدفاع عن المخيم… فحزن ابن الصفصاف كثيراً واعتذر لما بدر عنه في لحظة غضب وضعف.
أعداد نضال حمد وموقع الصفصاف
02-02-2022