محمد التميمي بأي ذنب قُتل؟ ! – رشاد أبوشاور
عندما يموت المسلم يقف رجل دين عند رأسه في القبر، ويشرع في تقلينه، ويوصيه، ويعلّمه، ثمّ يدعو له وخلفه يردد المشيعون سائلين الله الرحمة له، وأن يغسله بالثلج والبرد، وأن يجعل قبره روضة من رياض الجنّة..وخلفه يؤمّن المُشيعون بخشوع: آمين.
أمّا الأطفال وهم لم يقترفوا ذنوبا في حياتهم القصيرة، والذين يفقدون حياتهم بسبب المرض، أو الحوادث العابرة كحوادث السير، فهم جميعا ينضمون لطيور الجنّة، وللتخفيف على ذويهم يبّشرون بأنهم سيحملون لهم أباريق الماء، عند موتهم، ليسقوهم وهم يرفرفون فوق رؤوسهم بأجنحتهم الرشيقة، فتقّر النفوس ويتخفف المنكوبون بفقدان أطفالهم، فلموتهم حكمة إلهية,,,
ولكن: ماذا عن أطفال الفلسطينيين، ذكورا وأناثا، الذين يصطادهم جنود ومستوطنو الاحتلال، ويسرقون أعمارهم؟!
خذوا مثلاً آخر طفل اصطاده جنود الاحتلال في قرية النبي صالح، محمد التميمي، والذي يدوبك بلغ سنته الثانية، وهو بالكاد تعرّف على وجه أمه وأبيه، و..قُتل وهو لم يتعرّف على شئ في الحياة، حتى إنه لم يعرف ما هو الدم الذي يجري في العروق، وكيف تنتهي الحياة إذا فقد الجسد دما كثيرا!
ومحمد ربما نقز من صوت الرصاصة التي اخترقت جسده، لكنه مات ولم يعرف ماهي الرصاصة..ولماذا مات؟!
أمه وأبوه أنجباه واستقبلاه بفرح كبر مع كل يوم يكبر فيه محمد، وابتسامة الأم له ومناغاتها له أينعت فرحا وطمأنينة في نفسه الشفافة، والبيت في قرية النبي صالح انتشر فيه الفرح والطمأنينة..ولكن شيئا صغيرا حادا اخترق جسد محمد فأسكت الحياة، وحوّل مناغاة الأم إلى نواح، ووجه الأب المتهلل بالفرح إلى حزن وغضب وألم…
رااااح محمد، و..نُقل جسده المدمى إلى بيت جده كي لا يحضر جنود الاحتلال ويختطفوا جسد الطفل الشهيد..ويضموه إلى أجساد الشهداء المصادرة عند الاحتلال..لماذا سيصادرون جثمان محمد؟!
لأنه جسد فلسطيني، وتهمتهالتي تنتظره وهو في رحم أمه أنه فلسطيني، ولذا قتل قبل أن يحيا وتكبر قامته شبرا، وتنمو معرفته بأنه قادم إلى الحياة في بيت مهدد، وفي قرية قدمّت عشرات الشهداء، وأنه أمام خيار أن يحمل حجرا يرشق به الجنود الاحتلال، وعندما يكبر يحمل شيئا غير الحجر للدفاع عن أم وأبيه وبيتهم وأشجارهم و..عن جيرانه، وأصحابه في المدرسة، و..كل فلسطين، فالذين يريدون قتله سيدّعون أن أجدادهم كانوا يعيشون هنا قبل الفي سنة! و..أنهم يعودون ومعهم كل أنواع الأسلحة، أمّا محمد فيعرف أن جده زرع الحاكورة واعتنى بالتينات والزيتونات ودوالي العنب، وأنه ورث كل شئ عن جده وجد جده حتى أول السلالة في الزمن الكنعاني الذي كانت فيه الربّة عناة تحمي الأطفال والشجر والعشّاق، فترّد الأعداء ببسالة، وتشجّع الفلاحين على زراعة حقولهم…
راح محمد برصاصة مسلّح ينفّذ أمرا بقتل الفلسطينيين الصغار قبل ان يكبروا، ويصرون على أن لا ينسوا بعد أن مات أجدادهم وآباؤهم وأمهاتهم برصاص مثل الرصاص الذي قتل الطفل الفلسطيني مُحمدا…
محمد التميمي ضحية ذنبها أنها ولدت لأبوين فلسطينيين، وأن من اخترم رصاصه بدنها يسرق كل شئ، وحكمه المبرم: الموت للعرب..الموت للفلسطينيين!
يا رب إجعل محمد التميمي ابن السنتين طيرا من طيور الجنة، واجعله يسقي الجندي العربي المصري الشجاع محمد صلاح من إبريق من تراب فلسطين، و..أن يبشره بالجنة، وأن يرفرف فوق رأسه ليجلب له النسمات من قرية النبي صالح معطرّة بعطر زهور وورد أرض فلسطين…
أمّا أنتم يا أطفال قرية النبي صالح يامن حملتهم نعش جسد حبيبكم الصغير جدا كعصفور محمد التميمي، فليس لكم، ولكل أطفال فلسطين، والوطن العربي الكبير، إن شئتم أن تعيشوا بأمن وسلام وكرامة سوى أن تهزموا جيش الشر والخرافات الذي يحتل فلسطين، ويهدد كل الوطن العربي الكبير..لتكبروا بأمن وسلام..ولا يحرمكم رصاص الاحتلال من الحياة الآمنة المطمئنة كما فعل بمحمد التميمي..آمين.