محمد بن سلمان ملكاً… ولو لحين – أسعد أبو خليل
لم تكن طقوس إعلان تغيير سلّم الخلافة في السعوديّة عاديّة. كان محمد بن سلمان ينتظر اللحظة المناسبة بتحفّز. راقبَ رقّاص الساعة على مدى سنتيْن كاملتيْن. خاف أن يصيبه ما أصاب متعب بن عبدالله الذي جزع من إعلان ولايته للعهد قبل موت الملك. ظنّ متعب أن سلطة الملك تنتقل إليه بعد موته ويستقيم له الاستئثار بالحكم (هدّد متعب شقيقاته بما سيفعل بهنّ بعد تولّيه العرش). محمد بن سلمان لم يرد الانتظار، أو هو انتظر أكثر مما يستطيع.
لعلّه رأى شحوباً في وجه أبيه في تلك الليلة. أو لعلّ الأطبّاء صارحوه بما لم يُعلَن. لكن محمد بن سلمان ضرب ضربته تحت جنح الظلام. أعدَّ الأمر على عجل. قيل إن هيئة البيعة اجتمعت، ومن دون تحضير. لكن كيف تمّ جمع الأمراء في فصل الصيف وهم يقضون أسابيعه وأشهره إما في قصور أوروبا أو في اليخوت المبعثرة في البحر المتوسّط. لم تُعلن أسماء المصوّتين أو المعترضين أو المتحفّظين.
أحاط بظروف الإعلان إبهام مقصود. ماذا عنت هيئة البيعة في الإشارة إلى «الظروف الخاصّة» التي أدّت إلى عقدها؟ ما هي هذه الظروف الخاصّة؟ وترتيب سلّم الخلافة كان أوّل أولويّات عهد سليمان الجديد. خرق أعراف عدّة في أوّل عهد: تخلّى عن اختيار هيئة البيعة السابقة. وتخلّى عن عرف تولية الأكبر سنّاً. وتخلّى عن عرف الأحلاف في داخل العائلة. خرق سلمان — أو قل ابنه محمد — تقاليد التاريخ السعودي المعاصر.
أراد التعجيل في خلافة أبيه، وهو حيّ يُرزق. لم يكتفِ بمراكمة الملفّات والمسؤوليّات والمجالس (وهو كان قد سحب من محمد بن نايف سلطات قضائيّة من يديه قبل يوميْن فقط من الإعلان)، بل تجاهل وجود ابن عمّه الذي يفوقه مرتبة في سلّم الخلافة. نزع وليّ ولي العهد صلاحيّات ولي العهد (أليس هناك من المتضلّعين في اللغة في الحكومة السعوديّة مَن يشيرون على الحكم بضرورة استبدال لقب «ولي وليّ العهد» لأنه يعني الذي يتولّى أمر وليّ العهد، أي الذي يفوقه مرتبة، وهو عكس المعنى المقصود، أي «نائب ولي العهد»، وهو اللقب الأصلح، كما أن ولي العهد كان يُعرف بالستينيات بـ«نائب جلالة الملك»). اعتكف محمد بن نايف في الجزائر احتجاجاً بعد صعود محمد بن سلمان ثم عاد، منتظراً مصيره المعلّق بخيط حياة الملك: لو مات الملك قبل إصدار مراسيم تغيير الترابيّة الخلافيّة لكان قد صار ملكاً وصار غير محمد بن نايف ملكاً بعده. ولو عاش الملك وعزله، فإن محمد سيصبح ملكاً لا محالة. لكن ماذا لو حدث «مكروه» لمحمد بن نايف؟ من سيليه ويتولّى الملك من بعده؟ لم يُعلن عن «ولي ولي العهد»، وكان سلّم الخلافة واضحاً عبر العقود. ليس هو واضحاً اليوم لأن محمد بن سلمان استعجل الحكم ولم يعنَ بترتيب البيت السعودي. أي هناك احتمال فراغ وصراع مفتوح في داخل العائلة، ولم يستطع المُستعجل محمد بن سلمان أن يحلّه.
كم أعدّ فيصل وأخوته السديريّون انقلاب عام ١٩٦٤. كانت الحكومة الأميركيّة تستطيع — كما الاستعمار — أن تتعايش مع السلطان أو مع شقيقه أو ابن عمّه. ما همّ طالما الولاء والريع مضمونان. وفيصل دبّر أمر الانقلاب وإخراجه بعناية (أو أن أخوته، خصوصاً السديريّين دبّروا الأمر، وفيصل قال ذلك عندما نفى صلته بتدبير أمر الانقلاب في أوّل مقابلة بعد تولّيه العرش لجريدة «الحياة»، في ٧ تشرين الثاني، ١٩٦٤)، وكان فهد خير سند له. وتعود إلى بيان العزل في عام ١٩٦٤ وتقارنه بإعلان اليوم المتسرّع لتلاحظ عدم استقرار التغيير الحالي. إعلان عام ١٩٦٤ تحدّث عن «إجماع المُجتمعين» من أركان العائلة (وأعضاء «مجلس الشورى»، وهو غير مجلس الشورى الحالي المشغول بقرارات مصيريّة من نوع استحداث وسام جديد باسم سلمان بن عبد العزيز). كما أن إعلان ١٩٦٤ رفع فيصل من مرتبة ولي العهد إلى مرتبة «الملك الشرعي» (ربما لتمييزه عن أخيه سعود، الملك «غير الشرعي» آنذاك) وإمام المسلمين (راجع نص بيان جميل الحجيلان، وزير الإعلام السعودي، في «ام القرى»، ٦ نوفمبر، ١٩٦٤). ونص إعلان تتويج فيصل لم يصدر باسمه، بل باسم المجموعة العائليّة الحاكمة. كما أن خطاب البيعة (لم يكن هناك خطاب بيعة في حالة محمد بن سلمان، لكن قد يأتي ذلك في حديث مع نشرة «بلومبرغ» أو مع مجلّة «إيكونمست» فيما بعد)، تحدّث عن قرار للعائلة ألزم فيصل بقبوله.
فيصل وفهد والجناح المتنفّذ حاكا انقلابهما بعناية فائقة وعبر تحالفات مشغولة بعناية في داخل العائلة. محمد بن سلمان سيكون الملك الأوّل الذي يصل إلى العرش من دون أحلاف معروفة في داخل العائلة (حتى أن أولاد سلمان لا يشكّلون حلفاً معه وهو أبعدهم عن الحكم). كانت التوازنات في العائلة تحتّم أن يكون الملك ووليّ العهد من أجنحة مختلفة في العائلة: (فيصل وخالد، أو خالد وفهد أو فهد وعبدالله، إلخ). لكن سلمان اختار ابنه (غير البكر) الذي لم يبنِ تحالفات مُرجّحة (في الداخل، لا في الخارج). غاب أبناء فيصل مثلاً عن مشهد البيعة وكان ظهور متعب بن العزيز تذكيراً بخلافة قاب قوسيْن. لعلّه يندب حظّه كلّما راقب استعجال محمد بن سلمان. وكيف يستطيع محمد بن نايف أن يحظى بمشروعيّة لا تقوم على إنجازات أو تحالفات؟ كتب خبير أميركي قريب من النظام السعودي في موقع أميركي معدّداً إنجازات محمد بن سلمان، فذكر بقدرته على دعوة ترامب كي تكون السعوديّة أوّل مقصد لزيارات ترامب الخارجيّة. هل ستقوم شرعيّة خادم الحرميْن على هذا الإنجاز؟
على العكس، قد تكون هذه «المعجزة» هي العبء الثقيل لمحمد بن سلمان. هو أهمل بناء تحالفات في داخل العائلة لأنه اعتمد حصراً على تحالف ترامب. قد يكون هذا ما أتاه محمد بن زايد به: أن عقد تحالفاً بين محمد بن سلمان وإدارة ترمب الجديدة، وأقنعها بصوابيّة التخلّي عن محمد بن نايف. وكانت الإدارة الأميركيّة بأجهزتها الأمنيّة والاستخباراتيّة تعوّل شديد التعويل على محمد بن نايف، حتى في عهد أبيه (الذي كان يشكو الأميركيّون من فظاظته وتزمّته). لكن نايف عمل وزيراً للداخليّة منذ عام ١٩٧٥ حتى وفاته. أي إن إقصاء محمد بن نايف خلق فراغاً أمنيّاً واستخباراتيّاً قد يعاني منه الأميركيّون والنظام على حدٍّ سواء. وربط المصير بمصير رئيس أميركي ذي ولاية محدّدة بزمن، مجازفة سياسيّة.
الملك الجديد حديث العهد بالحكم وتسرّعه في الوصول إلى العرش أفقده تلك الميزات المتراكمة التي جمعها أسلافه في الحكم. ومحمد بن سلمان فريد من حيث أنه يفتقر إلى المشروعيّة السياسيّة، في أي من مصادرها العديدة (وهو لا يملك من الكاريزما ما يُمكّنه من التعويض). تحدّث أستاذي في جامعة جورجتاون، مايكل هدسون، في كتابه المرجع عن الشرعيّة السياسيّة في العالم العربي («السياسة العربيّة: البحث عن الشرعيّة»)، عن مصادر متعدّدة للشرعيّة في السياسة العربيّة. لكن أيّ منها نال ولي العهد الجديد؟ الملك فهد راكم شرعيّة دينيّة، مثلاً، من خلال إنفاق هائل على نشر الدعوة الوهّابيّة وتمويل المراكز الإسلاميّة كما أنه اختار لنفسه لقب «خادم الحرميْن» بالرغم من نمط معيشة لا علاقة له بالورع والتُقى. أين شرعيّة محمد بن سلمان الدينيّة؟ على العكس، فإن نقص الشرعيّة الدينيّة عنده قد يكون العامل الذي قد يقضي على تجربة حكمه.
محمد بن سلمان يعمل على إرضاء الغرب من خلال تقويض سلطات الوهّابيّة في المملكة. والإنفاق السعودي التاريخي على نشر الدعوة تأثّر كثيراً بعد ١١ أيلول، إلى درجة أثّرت حتى على إنفاق الزكاة التي باتت تحتاج إلى مراقبة صارمة من وزارة الخزانة الأميركيّة. وقرارات محمد بن سلمان، بما فيها التقرّب من دولة العدوّ، لم تحظ بتأييد من السلطات التي لا تزال فتاواها ضد إسرائيل (وضد اليهود في الكثير منها) موجودة في مجلّدات فتاوى وفي مواقع الإنترنت. وتنصيب محمد بن سلمان والحملة ضد قطر و«الإخوان» لم تحظَ بمباركة من السلطات الدينيّة بالرغم من نشر صور لأفراد في هيئة كبار العلماء (بما فيها صورة صالح الفوزان الذي كان قد أفتى بحرمة التصوير في الإسلام) في لقاء تهنئة مع محمد بن سلمان. وفي الأيام الماضية حرّض مغرّدون سعوديّون (لعلّ الكثير منهم ينتمون إلى جيش «المباحث» في وزارة الداخليّة المشغولة بهمّ التواصل الاجتماعي) ضد العلماء بسبب انكفائهم عن إصدار تغريدات لصالح محمد بن نايف. وصحف آل سعود تعاني من انفصامات لا من انفصام واحد. هي تتحدّث مع الغرب بالإنكليزية بلغة لا تتحدّث فيها بالعربيّة: هي تعيّر قطر بدعم الإرهاب بالإنكليزية وتعيّرها بالعربيّة لدعمها لمعارضين خليجيّين. كما أن الصحف التي تصدر في داخل المملكة هي غير تلك التي تصدر في لندن: الصحف اللندنيّة ذات نفحة علمانيّة مصطنعة، ومتصالحة مع العدوّ الإسرائيلي. أما صحف الداخل، فلم تدشّن نفحة التصالح مع العدوّ إلا مؤخراً. وصحيفة «الحياة»، في خطابها الموجّه للغرب عن الإسلام، تعتنق في عدد من مقالاتها خطاب الإسلاموفوبيا (ضد السنّة والشيعة على حدّ سواء).
لا يمكن لمحمد بن سلمان أن يوفّق بين هذه الازدواجيّة في الخطاب عن الإسلام. وهو ينتمي إلى جيل لم يكن التشديد على النفاق الديني جزءاً أساسيّاً من تثقيفه وتكوينه، كما كان عند الآباء والأجداد. والحرص على إرضاء الغرب سيزيد من التنازلات الدينيّة التي ستقدم عليها المملكة. والكونغرس لن يرضى بتعديل المناهج الدراسيّة وبمراقبة الخطب الدينيّة مسبقاً (كما يحدث في الدول العربيّة). الكونغرس الأميركي سيطالب بتعديل القرآن وبحذف آيات وإدخال آيات أخرى سيقترحها اللوبي الإسرائيلي. لم تشكّل المؤسّسات الدينيّة في المملكة مشكلة للحكم منذ انتفاضات «الإخوان» (والكلمة هذه هي في غير معنى «الإخوان المسلمين»، وكان دور جيش «الإخوان» في المملكة رئيساً في نشر سلطة عبد العزيز في شبه الجزيرة (راجع كتاب كريستين هيلمز، «تلاحم السعوديّة: تطوّر الهويّة السياسيّة») في عهد عبد العزيز في أواخر العشرينيّات. والذين انتفضوا مع جهيمان العتيبي في عام ١٩٧٩ كانوا «إخواناً» في ما بينهم أيضاً. ليس للمؤسّسة الدينيّة سلطة سياسيّة أو قضائيّة مستقلّة لكن جموح محمد بن زايد (وتطلّعه نحو الغرب من دون اعتبار الداخل السعودي) قد يهدّد عرشه فيما بعد.
أما الشرعيّة الاقتراعيّة (الديموقراطيّة) فهي لا توجد في أيّ من دون الخليج (باستثناء الكويت، لكن بشكل محدود وضمن سقف السلالة الحاكمة). وكل دول الخليج استقرّت على معادلة نبذ الانتخابات والديموقراطيّة ما خلا مجالس شكليّة لا سلطات حقيقيّة لها على الإطلاق. دولة الإمارات تتسلّى بإنشاء وزارات سعادة وتسامح وإنشاء مركز تسامح كما أن السعوديّة تتسلّى بإنشاء مراكز لنشر الاعتدال (الوهّابي؟) ومكافحة الإرهاب. هذه الإجراءات تكسب للحكّام نقاطاً في الغرب فقط. وخطة محمد بن سلمان لـ٢٠٣٠ لا شقَّ سياسيّاً لها. إن إنشاء مراكز ترفيهيّة (سيدشّنها عبر استيراد «فن» أولاد منصور الرحباني) لن يحوّر أنظار الناس عن الواقع السياسي البائس في داخل المملكة. وبغياب الشرعيّة الاقتراعيّة يستفيد الحكم من تخفيف إجراءات القمع. لكن صعود محمد بن سلمان ترافق مع تشديد غير مسبوق في القمع والحظر والمنع في داخل المملكة. وكلّما تقلّصت عناصر الشرعيّة السياسيّة لمحمد، وكلّما أفرط في إرضاء الغرب على حساب أهواء الداخل، كلّما احتاج لفرض مزيد من القمع في البلاد. هذا التوتّر في العلاقة العكسيّة لا بدّ أن يؤدّي إلى أزمة في قلب الحكم يوماً ما. إما أن يعالج ذلك بمزيد من التراخي — ما سيزيد من مظاهر المعارضة ضد السياسات الداخليّة والخارجيّة — وإما أن يعالج ذلك بمزيد من القمع الذي قد يكسر إناء الحكم.
لكن لمحمد بن سلمان شرعيّة تقليديّة ـ تاريخيّة. هو يتحدّر من سلالة بدأت الحكم في القرن العشرين، ودام حكمها من دون انقطاع إلى الآن. والشرعيّة التقليديّة مرتبطة بشرعيّة مستمدّة من حكم العائلة الحاكمة. تنقص شرعيّة محمد بن سلمان بالقدر الذي ينقص فيه تأييده في داخل العائلة، فيما تزداد شرعيّته بالقدر الذي يزداد فيه تأييده في داخل العائلة. لكن إخراج تنصيب محمد بن سلمان لم يتحلَّ بالإجماع (كان قرار خلع الملك سعود صادراً باسم «إجماع» العائلة). والتعبير عن البيعة في داخل العائلة (بالإضافة إلى غياب الاجماع باعتراف الحكم) كان خجولاً وخافتاً. لم تصاحبه المظاهر الشعبيّة التي ترافق عادة إعلانات تعيين التراتبيّة الخلافيّة. وإقصاء محمد بن نايف (ليس «بناء على طلبه»، كما تجري العادة، أي إن محمد بن نايف سجّل معارضته لقرار إقصائه على طريقته) بالإضافة إلى عدم إعلان اسم نائب لوليّ العهد تعبير عن أزمة في داخل العائلة. يفتقر محمد بن سلمان إلى حلف مع أقوياء أو أجنحة في داخل العائلة. لو أن محمد بن سلمان نجح في عقد تحالف مع جناح نافذ في داخل العائلة كان سيعلن اسم خليفته. قد تكون الأزمة في داخل العائلة هي التي ستطيح بحكمه بعد حين.
يبقى في حوزة محمد بن سلمان شرعيّة الازدهار والرفاهية. إن مشروع ٢٠٣٠ يهدف إلى تحقيق هدفيْن: الهدف الأوّل هو إرضاء الغرب من خلال فتح السوق والآبار السعوديّة للاستثمار والربح الغربي. وهذا الهدف يُسمّى عند الغربيّين بـ«الإصلاح الاقتصادي» أي المزيد من التخصيص وتقليص حجم الإنفاق الحكومي. وفي المقابل، تهدف الخطّة إلى إغداق الوعود للشباب السعودي لخلق المزيد من الوظائف وتحسين مستوى المعيشة. وترافق الإعلان مع الوعد بإنشاء هيئة ترفيهيّة، ربّما لتحوير أنظار الشعب عن حالة الضيق السياسي والاجتماعي والديني الذي يفرضه نظام الحكم. لكن قدرة محمد على تحقيق وعد الإصلاح الاقتصادي يتناقض مع حاجته إلى إرضاء الرأي العام. وهو في غضون أسابيع ألغى قرارات انكماش وتقشّف اقتصادي تتماشى مع خطته (صاحب ذلك نشر تقرير لوكالة «رويترز» عن التناقص المستمرّ في حجم الاحتياط النقدي السعودي). وإعلان تنصيبه تضمّن إعادة جميع البدلات والمكافآت التي كان قد أوقف العمل بها. أي إن سعي محمد بن سلمان لإرضاء العامّة سيتعارض مع رؤيته الاقتصادية. والانحدار في أسعار النفط بالإضافة إلى صفقات التسلّح الباهظة ستحدّ من قدرة محمد بن سلمان على تحقيق المزيد من الرفاهية للشعب في المملكة.
وهناك مصادر شرعيّة سياسيّة مُستحوذة من نجاحات معيّنة أو ثورة أو كاريزما، والتي لا يملك محمد وصحبه منها ذرّة واحدة. عبد الناصر استطاع أن يكسب قدراً كبيراً من الشرعيّة السياسيّة بعد تأميم القناة، كما أن الحكّام الذين يحقّقون الاستقلال عن الاستعمار ينالون كسباً في الشرعيّة. أما محمد بن سلمان، فقد ارتبط اسمه في السنتيْن الماضيتيْن بمغامرات لم تصل إلى أهدافها. الحرب اليمنيّة التي كان من المُفترض أن تنتهي في شهريْن دخلت في عام ثالث. وقد فشل محمد بن سلمان في إثبات جدوى مخطّطه العسكري، والصحف السعوديّة لم تتوقّف على مدى عاميْن عن رفع عناوين تعدُ بأن القوّات الموالية للسعوديّة باتت «على مشارف تعز» (وأحياناً صنعاء نفسها). واندلاع الحرب الخليجيّة الحاليّة (بين «الأشقّاء») ستُحسب في خانة محمد بن سلمان، وقد تجبره الحكومة الأميركيّة على التراجع عن التصعيد الذي بدأه ضد قطر. والرصيد السياسي لمحمد بن سلمان بات مرتبطاً بالكامل بإدارة ترامب. والأخير ليس حاكماً أبدياً وهو يعاني من انخفاض في شعبيّته ومن شرعيّته السياسيّة. والترابط بين صعود بن سلمان وبين إدارة ترامب هو مجازفة بحد ذاتها. ماذا لو أن ترامب قرّر لسبب ما وقف الرهان على الحكم السعودي؟ والإدارات الأميركيّة لا تعقد رهانات مزمنة على أنظمة عربيّة أو إسلاميّة. هي تتأقلم بسرعة مع رياح التغيير: جيمي كارتر رضخ لإرادة الشعب في الثورة في إيران في عام ١٩٧٩ (بالرغم من محاولات لفرض الشاه بالقوّة) كما أن أوباما رضخ لإرادة الشعب المصري في انتفاضة ٢٠١١ (وبالرغم أيضاً من محاولة لفرض مبارك بالقوّة على الشعب المصري). لو تعرّض حكم بن سلمان إلى قلاقل فلن ينقذه ترامب أو بنس من بعده (لو وصل).
يصل الحاكم إلى العرش في بلادنا مُفترضاً الحكم الأبدي. حكّام «البعث» وحسني مبارك عوّلوا على خلافة الأولاد والأحفاد. ومقالة في موقع «فورن بوليس» توقّع ببلاهة أن يبقى بن سلمان في الحكم لمدّة خمسين سنة. ووليّ العهد بات ينتظر وفاة أبيه لتنصيبه. حرَقَ المراحل محمد بن سلمان اللاهث وراء العرش. لم ينتظر دوره ولم يأبه للتمسّك بتقاليد مملكة تأسسّت على التقاليد، وحكمت باسمها. والخروج عن التقليد يصبح تقليداً بحد ذاته. فهل يكون محمد بن سلمان قد سلّم خلفه التقليد الذي قد يقصيه من الحكم يوماً ما؟
*كاتب عربي (موقعه على الإنترنت:
angryarab.blogspot.com
الأخبار اللبنانية