محمد عادل – مخيم اليرموك … بلا أهله ولا ناسه !
أم محمد تمسك أطفالها بيديها… وتردد يا لطيف يا لطيف … وتنظر خلفها وإمامها ويمنيا ويسارا تمشي وتتوقف … وتسألني بصوت وكأنه في الصحراء أو في مكان بعيد .. في سيارة” توديني على مخيم البدواي”… تنظر في الشارع لا ترى غير من يركض هنا وهناك تواصل مشوارها مشيا على الأقدام حاملة ما تيسر لها حمله وتمضي حزينة باكية تاركة مكانها الذي تود أن تأخذه معها لو استطاعت …ولكنها لم تترك صورة زوجها الشهيد كانت الصورة واضحة بين الأغراض وكلمات النعي التي لم تمحى من الذاكرة بعد …. لا تريد إلا أن تحمل معها أغلى وأعز ما عرفت صورة للشهيد وبعض من بقايا ذكريات مضت وما زالت تنبض بالحياة ….لعلها تحاكي ما مضى وتسأله أي حال وصلنا اليه …
شارع فلسطين …هذا الشارع أعرفه شبرا شبرا، وأعرف أسماء الحارات والمساجد وأماكن مرور الشهداء ، وأسماء البقاليات وبسطات الخضرة وأتذكر جيدا رائحة الزعتر والميرمية … واللوف ولسان الثور والرشاد والعكوب والخبيزة والنعناع والجبن البلدي والزيت البلدي والخبز البلدي وكل ما تنتجه الأرض الطيبة تجده في المخيم وكأن كل ما تريده هنا وكل ما لا تعرفه هنا …وفي المخيم …المكتبات والنوادي والمراكز الثقافية والمكاتب والقاعات والمعارض ومواعيد المهرجانات والمدارس والمعاهد والأطباء وبائعي الحلويات وكل ما يمت للحياة والإبداع هذا المكان يحاكي الزمان ولم يغير العنوان والبوصلة، وفيه تحوم فوق رأسك كلمات العتابا والميجانا والأوف والدحية والناي والأرغول والربابة …ومنه انطلقت الكلمات التي تنادي بتحرير فلسطين وصعدت إلى السماء لتتوزع معانيها فوق سماء فلسطين … يقال إن الكلمات عندما تخرج من الحنجرة لا تموت بل تظل تحوم ولا تنتهي بمجرد أننا نظقنا بها، بل هي باقية كما الكلمات المكتوبة والمنحوتة على صخور فلسطين وجنوب لبنان والجولان وجبل الشيخ وجبال ووهاد فلسطين ….
تذكرنا بكل كلمة قلناها وبكل شعار رددناه من أجل الوطن….
الشعوب تتعلم وتتطور وتنمي قدراتها نحو الأفضل إلا نحن قالها ” أبو أحمد” …. من يقودنا جهلة معظمهم مشوهين وفاشلين وجنرالات لم يخوضوا الحرب ولم يعرفوا القواعد ولكنهم وصلوا إلى أعلى المراكز ونصبوا أنفسهم قادة للشعب ويا ما أحلى الديمقراطية! ….
وعندما يصلوا لأهدافهم لا يغادروا ويقدمون الطاعة والولاء لأعداء البلاد …ويعلنون لك كل يوم طرق حديثة قي المقاومة والمواجهة والصمود والتصويت والأمن والأمان وأن العدو لم يتمكن من تحقيق أهدافه لأننا سنفضحه ونعريه وهم يستلطفون كلمات التعرية ولهذا يرددونها باستمرار .. هل سمعت عن دولة تحت الاحتلال في التاريخ ” الدولة تسقط عندما يكون هناك احتلال وتكون المقاومة ….وعندما تحرر بلادك اعمل اللي بدك إياه مفاهيم انقلبت ولغة سياسية ساقطة ولكن هناك من عنده عمى ألوان في كل ما يشاهد…؟
.وشعبنا صامت يتحمل كل أنواع القهر والقمع وهم يتجولون من أجل القضية ويخونون من أجل القضية ويجتمعون من أجل القضية ويرفضون القرارات من أجل القضية وهم من أضاع القضية وهم من طعن القضية… يردد أبو أحمد بصوت عال يا أهل فلسطين أفيقوا واسألوا أنفسكم لماذا لم تنتصر قضيتكم لماذا لم تصلوا لأهدافكم لماذا بقيتم مشردين طوال هذه الفترة الطويلة …ليس لأن عدونا قوي ويمتلك الأسلحة والطائرات … بل لأن من أرادوا حمل الأمانة فرطوا بالأمانة …
وقدموا للأعداء ما لم يقدمه أحد ومع هذا لم يتعلموا ولن يتعلموا إلا بعد أن يلفظهم ويحاسبهم الشعب ونعمل من جديد على بناء ثورة لا تتوقف إلابعد أن تحقق كل أهدافها ومن يتقاعس يحاسب حسابا عسيرا …حتى يكون عبرة لغيره ولا يتجرأ أحد كائنا من كان على إلحاق الأذى بالثورة ومنع تقدمها ومواصلة نضالها حتى تحقق أهدافها كاملة … فالثورة التي تقف في منتصف الطريق تنكسر وتتهاوى الثورة عمل مستمر بأهداف واضحة لا تحتمل التأويل والتفسير واللعب بالكلمات والجمل الثورة تعني تحرير فلسطين كل فلسطين ولا مكان لكلمات أخرى دخيلة على لغة ومنطق الثورة المستمرة المدعومة والقوية والتي لها هيبة لا يجرؤ أحد من الأعداء الاقتراب منها مهما كانت الظروف …
يا حيف عالبارود غطاه الصدأ !…