محمد عادل : مراد السوداني يحلق فوق اليرموك ….ويسلم على الشهداء … والاحبة
معكم ولم ننساكم … العدو واحد … والقاتل واحد … وسايكس بيكو الجديد
لتدمير ما لم يدمر … وتقسيم ما لم يقسم …. أيها الجهلة نحن أحباب فلسطين
نحن من قدم الشهداء من أول الطريق إلى آخر الطريق … نحن من يزهر الحنون بلون دمائنا وليس بدلاتنا الأوربية !!
هنا اليرموك أجمل المخيمات وأكبرها … هنا مخيم الشهداء والجرحى وألاسرى وأشجع المقاتلين … هنا قرروا القتال والثورة من أجل فلسطين … هنا مخيم مازال يحمل اسم كل المدن والقرى الفلسطينية والشهداء والذكريات التي لا تموت ….هنا سيبقى المكان ذاكرة لكل الوطنين ولعنة على كل من خان وساوم كائنا من كان !
لقاء مراد السوداني في الشام في دمشق بالكتاب والفنانين والمناضلين وقبور الشهداء ، أشعل غضب بعض من نسوا المخيمات ، بل لا يعرفوها …ومنهم من تبرأ من المخيم وأصبح يتحدث الفرنسية والعبرية … السوداني لم ينس أحبته في اليرموك ولقاءاته وذكرياته … لم ينس أبو سلمى ويوسف الخطيب وحمزة البرقاوي والبحيري والحلاج وحسن حميد وخالد أبو خالد وحسين نازك … وأبناء المخيمات في اتحاد الجاليات الفلسطينية في أوروبا … وأبو عرب شاعر الثورة وأبو الشهداء في مخيم العائدين بحمص وإبراهيم مومنة أبن مخيم النيرب … ابن ترشيحا … وابن مخيم اليرموك … السوداني يلتقي الأستاذ خالد عبد المجيد ليسمع منه أخبار المخيم وما جرى للمخيم وكيف ننقذ مخيمات شعبنا ونحميها وندافع عنها … ورشاد أبو شاور صوت المخيمات والمدافع الأول عن ابناء شعبنا واحد أبطال ورموز معارك بيروت أثناء الاجتياح الصهيوني عام 1982…. ووليد أبو بكر الوفي لأبناء فلسطين ، والعروبة …والانتماء لزمن الشجعان في كل أماكن تواجد شعبنا
الفلسطيني العظيم … يكفيه مجدا وكرامة انه يعانق كتاب وشعراء الشام من الشمال الى الجنوب … جنوبا جنوبا خذوا دمي معكم
أحد أبناء المخيم يخاطب مراد السوداني ويرحب به ويقبله لأنه قادم من فلسطين الغالية والعالية ولأنه لم ينس أن فلسطين لنا من أول التاريخ وما قبل التاريخ ! يا مراد … أيها الفتى الشجاع وكما يقول أبو خالد القسامي من يعبد إلى سيلة الظهر إلى دير سودان … من هنا مر الشهداء ..من هنا ذهبوا إلى حيفا !
أنت الآن في المخيم في زمن أخر ليس لك بل عليك … وعليك بقسوة لم تعهدها من قبل ولم تتوقعها من قبل ولهذا فأنت غير مصدق لما جرى للمخيم العظيم من دمار وعنف قل نظيرة في هذا الزمان الملتبس والبعيد عن كل القيم والمفاهيم الأخلاقية، التي تربينا عليها من مجتمعنا العربي الأصيل الكريم ، صاحب النخوة والشهامة .
فمخيم اليرموك هو المكان الأجمل والأحلى لكل من عرفه وسكن فيه وسمع عنه إنَّه المكان الذي ظل يحاكي الزمان والمكان وهو الذي ينقلك إلى المكان الأول والزمان الأول ، وهو يجمع كل الحكايات والرّوايات والصور عن زمن لم يمض عن زمن لم يتوقف ، زمن يستمر يواصل حكاية ونضال شعبٍ ضحى كما لم يضحِّ شعب آخر في التاريخ… تتوقف ملياً ، تنظر في بعض الوجوه من تعرفهم يردّ التحية مسرعاً متجهماً مذعوراً لا تخرج الكلمات من جوفه …. تتوقف، من هذا ومن ذاك يمرون مسرعين الخطى في كل الاتجاهات والمسارات وأنت لا تعرف ماذا تقول كيف يجري هذا والمخيم أطلقوا عليه عاصمة الشتات والثقافة والمقاومة ويحنو ترابه الطيب على أكبر مقابر الشهداء والقادة ، ومنه خرجت أكبر المسيرات والتظاهرات والتجمعات والدعم والمساندة لفلسطين وثورتها وللعروبة وثوراتها وقضاياها وتطلعاتها وأمانيها، تتقدم إلى الأمام ترى الشوارع التي تعرفها منذ زمن بعيد تناديك وتصرخ بك ماذا جرى، لماذا لم تصونوا الأمانة لماذا تركتكم مخيمكم وحيداً أيها الفلسطينيون ؟!
لماذا لم تنتبهوا وتعوا ما كان يخطط للمخيم منذ زمن ليس ببعيد ؟ لماذا لم تعوا جيدا صون الأمانة والوفاء لمكان أعطاكم الثورة والقوة والمنعة والهيبة والزمان والمكان والمجد…. وأنبل وأجمل الثوار وأعظم الشهداء ؟! كيف تركتم المخيم بلا حراس بلا أبطال بلا ثوار بلا مسيرات بلا مهرجانات بلا حكايات وصور المدن السلبية وصور بحر فلسطين والكر مل وعكا ويافا وبئر السبع ؟ لماذا يجر كل هذا في المخيم الذي انتظر منذ احتلال فلسطين أن يأتي اليوم الذي يهبُّ أبناؤه جميعا جميعا مع إخوتهم وأحبتهم في سوريا نحو فلسطين لتحريرها ؟! لماذا هذا الخراب لرمز من رموز الشعب الفلسطيني وثورته، لقضية من أقدس وأطهر القضايا في التاريخ ومَن وراء ما يجرى ؟ …هل هذا صدفة أو خطأ ؟ لا … إنَّ ما يجري هو استهداف للمكان والزمان لرمز من أغلى وأعلى الرموز عند الشعب الفلسطيني أينما وجد ، فالمخيم يجمع كل فلسطين من الساحل والشمال والجنوب والجليل ، فهذا ابن المدينة ،وهذا ابن الريف ،وهذا ابن النقب ،وهذا المثقف والفنان ، والمقاتل والشاعر ، والفدائي والمهندس ، والطبيب والصيدلي والعالم والطالب ، والعامل والأم المناضلة والجدة والجد الذين مازالوا على العهد لم يبدلوا أهدافهم وأحلامهم… يرددون نريد وطنا وليس دولة، نريد أن نعود لا نريد سلطة ولا كلام (فاض) وفاء للشهداء لا تخونوا الكلمات لا تخونوا ما انطلقنا من أجله وضحينا من أجله..
تحاول أن تتقدم قليلا لترى المخيم وهو يذرف الدموع دامية على الأهل والذكريات، ويرفع راياته ليراها من نسوا المخيم ويصرخ في وجه من أتوا يوماً للمخيم ليسرقوا المجد والتاريخ والتضحيات وينسبوه لأنفسهم ، فهذا الزمن للتضليل وقلب الحقائق…
أصوات القذائف وهي تنهمر تجعل الأرض تموج أو تنزاح ويختل توازنك ، وتضع يدك على رأسك في مشهد مأساوي ، وكأن يدك ستحمي رأسك إن أتتك الشظايا فلا خوذة على رأسك ولا واق للرصاص ، ها أنت بين أهلك ترى ما لم تره في كل الحروب السابقة ، لا مكان آمن ولا أنت آمن ولا بيت أبو سفيان آمن ولا الطريق إلى أي مكان آمن… فانتظر في مكانك لترى المشهد الذي لم يكن وارداً في المنطق وعلم المنطق ولم يكن لك رؤيا لا في الأحلام ولا في الصحو … اليرموك شارع اليرموك أشهر وأعظم شوارع المقاومة …. لو سألت المكان عن الزمان لأجاب من هنا مرّوا أغلى الناس وأعظم الثوار والشهداء والمناضلين ، ومن هنا صدحت الحناجر لفلسطين وللعروبة ولكل ثورات العالم ، من هذا المكان وحتى مقبرة الشهداء القديمة والجديدة كانت فلسطين على الدوام حاضرة من خلال المسيرات والتجمعات والاحتفالات والمناسبات ….واللقاءات والاجتماعات والأفراح … إن اليرموك هو المكان الذي لم يخُن الزمان …واكب القضية شهيداً شهيداً ، جريحاً جريحا ، وأسيراً أسيراً واللاجئين والنازحين والزائرين والمحبين ولم ينس أحد ، حضنهم جميعا وحملهم للمجد للمقاومة للكرامة للعلى وأخبرهم أن الوفاء نعمة من نعم الله والحفاظ على القضية وفاء والتمسك بحقوق الشعب وفاء …. والتنازل لأعداء الشعب غدر ما بعده غدر …. تتقدم قليلا يرد عليك بعض الأصدقاء السلام والتحية تتجمد الكلمات في حلقك وتشعر أن مياه بحيرة طبريا لن تروي جفاف حنجرتك ولن تخرج الكلمات صافية كالسابق، بل سوف تتوقف الكلمات بعد أن ضاعت المعاني وتكسرت الكلمات…عن زمن ومجد هوى في لحظة غياب تاريخية لم تكن مهيأً لمواجهتها ….اليرموك تم اجتياحه وهوى شهيداً ، لأنه رمز للمقاومة والصمود والكرامة وجامع الفلسطينيين خارج وطنهم فلسطين … لأنّه يحوي ويمتلك ذاكرة فلسطين كاملة للأجيال وللتاريخ … فلا يخلو بيت من بيوته من ذكريات وصور وأدوات تدل على ان الشعب الفلسطيني هو صاخب الأرض وان الغزاة لا يمتلكون إلا أدوات الدمار والخراب والإرهاب …
صور الشهداء مازالت معلقة على جدران المخيم تنظر إليك وتسألك ماذا جرى وأين كنتم ولماذا تركتم المخيم يواجه هذا الخراب وهذا الرعب وهذا الدم الذي كان يجب أن يسقي أرض فلسطين …. لتزهر الأرض ويزهو نوّار اللوز في نيسان حاملا بيارق النصر والعودة …. الحاج أبو زكي بالكاد يدفع نفسه مع العكازه ليمشي بخطوات بطيئة وقد هده التعب وخانه الزمانْ
ولم يخنه المكان … يسألك لماذا دائما نبكي على الذي مضى …لماذا ننظر إلى الخلف ونبكي لماذا لم نتعلم الدرس جيداً؟ ونعي لما هو آت من الأيام الصعبة… طول عمرنا نصرخ في وجه الظّلام من عدو وغيره لماذا لم نحتط لما جرى وما فائدة البكاء على الضحية ولماذا الاستنكار والشجب بعد أن ضاع الذي ضاع والعمر ضاع والزمن ضاع وكل ما حصدناه ضاع ، ويبكي علينا من خاننا وباعنا من أجل المناصب والكراسي وأوهام الجاه الممسوخ بأسماء ومصطلحات مشوهة وخائبة وكلمات تخون اللغة والمنطق وما تربينا عليه… يمضي أبو زكي مكسورا باتجاه الشمال يتوقف قليلا …لماذا دائما نتجه نحو الشمال وننسى أن نتجه نحو الجنوب في مسيرة لا تتوقف ولكنه ردد عندما يكون لدينا رجال رجال في مستوى من ضحوا وقدموا ، وما خانوا ولا عرفوا لغة غير لغة الوفاء لأرض الوفاء والكرامة… مضى أبو زكي وهو يترك المخيم بعد أن وجد نفسه وحيدا ، بعد أن فقد من أحب ومن حضنه وربّاه …. تنظر إلى شارع اليرموك جنوباً جنوباً تتراءى لك بيسان والقدس والنقب بعد أن تحلق فوق الكرمل والساحل …وتسأل كيف الطريق إلى تلك المدن التي مازالت تنتظرنا ولم تغير مكانها وبقيت على العهد وفية … لم تغير أسماءَها ولا عناوينها ظلت صامدة في المكان وفية لزمانها هي ، وليس لزمان الغزاة والمستعمرين ….