محمود عباس والتاريخ – زهير كمال
في الدورة الحادية عشرة للمجلس الثوري والتي سميت باسميْ شهيدين كبيرين من شهداء حركة فتح هما اللواء إبراهيم المصري واللواء قدري أبو بكر والتي انعقدت في رام الله بتاريخ 24 /8/2023 .
ينبغي الإشارة بعد تقديم واجب الاحترام للموتى وخالص العزاء لأسرهم أن اللوائين المذكورين لم يموتا وهما يقارعان العدو الصهيوني بل كان موت أحدهم بمرض السرطان والثاني في حادث سير، ولا يمكن وصفهما كالشهداء ، والملاحظ في بعض دورات المجلس الثوري هذه العادة بتسمية الدورة بأسماء الذين يموتون من أعضاء الحركة موتاً طبيعياً بالشهداء. ربما كان إيحاءً من السلطة لأعضاء الحركة أنهم ما زالوا حركة مقاومة تقدم كبار الشهداء على طريق التحرير.
أتحفنا محمود عباس بمحاضرة تاريخية عن اليهود الاشكناز والسفارديم والسامية ودور بريطانيا وأمريكا في دعم الحركة الصهيونية لاحتلال فلسطين وتشريد أهلها.
كلام الرجل منطقي ومستوحى من وقائع تاريخية وتحليل علمي دقيق. هذا التحليل موجود في الرسالة التي من المفترض أن عباس قدمها لجامعة موسكو للحصول على شهادة الدكتوراه عام 1982. الرسالة تطرح تحليلاً لقضية معاصرة تهم كل فلسطيني، ولهذا أقترح على السلطة الفلسطينية طباعة الكتاب وتوزيعه مجاناً على من يرغب، فحرام أن تبقى هذه الأفكار حبيسة الأدراج، وربما يمكن وضعها في المنهج التعليمي لطلاب المرحلة الإعدادية ليعرف التلاميذ منذ نعومة أظفارهم أفكار الرئيس المناضل الرفيق محمود عباس، وبهذا يكون عداؤهم للحركة الصهيونية مبنياً على منهجية علمية وليس على الممارسة العملية فقط بما يشاهدونه كل يوم على الحواجز التي تؤخر وصولهم لمدارسهم.
كل من يكتب رسالة للحصول على شهادة دكتوراه حقيقية يكون مؤمناً بما يكتب الى درجة عالية، فما يكتبه نتيجة بحث وجهد وسهر ليال وفي النهاية تصبح الرسالة جزء من كيانه، ولا تعد المسألة مجرد دفاع عن الرسالة أمام لجنة وينتهي الأمر، فما بالك إذا كان كاتبها منخرطاً في حركة ثورية ذات هدف، فالثوري الحقيقي يتقمص روح الشعب ويعرف أهدافه ويعمل على تحقيقها.
في حالة محمود عباس، الوقائع التي أمامنا تثبت عكس ذلك، فإذا كان الرجل يؤمن بما كتبه عن الصهيونية وأهدافها الخبيثة في فلسطين، فإنه سيكون أول المعارضين لاتفاق اوسلو الذي وقع بعد ذلك ب 11 عام تقريباً، ولكنه كان أبا الاتفاق والمهندس الرئيسي له وتخلى من أجله عن المدينة التي ولد فيها، وفي هذه الحالة لا يسعنا سوى التشكيك بأنه كاتب الرسالة الحقيقي.
ما زال محمود عباس بعد 30 عاماً يدافع عن اتفاق أوسلو دفاع المستميت وهو ينسق أمنياً مع الطرف الآخر، رغم مرور هذه المدة الطويلة دون أن يحقق شيئاً ملموساً على الأرض. بل عكس ذلك فالمستوطنات يزداد عددها في الضفة الغربية وعدد المستوطنين وصل الى 750 ألفاً بعد أن كان 150 ألفاً عند توقيع الاتفاق.
أي متابع ولا يشترط أن يتحلى بقدرات تحليلية خارقة يوقن أن حل الدولتين الذي يتمسك به عباس قد مات منذ زمن طويل، وليس هناك مبالغة إن قلنا إنه مات في نفس يوم توقيع الاتفاق ولرجل ثوري يحمل لواء قضية شعبه لابد وأن يعرف هذا خاصة وأنه درس وحلل طبيعة العدو بشكل علمي.
ولكن ماذا استجد حتى يتذكر عباس رسالته الآن؟
حقيقة الأمر أنه وقد بلغ من العمر هذا المبلغ، تم تذكيره به من دوائر صنع السياسة والقرار في الكيان الصهيوني، تبين لهذه الدوائر أن هناك تململاً جماعياً واضحاً في صفوف حركة فتح بعد اشتعال المواجهات اليومية في الضفة الغربية بين الشعب الفلسطيني من جهة وبين قوات الاحتلال والمستوطنين من جهة أخرى، إضافة لذلك فالحكومة الإسرائيلية الحالية لا تغلف قراراتها ولا تبررها عكس الحكومات السابقة وتعتقد أنها بلغت من القوة بحيث تنفذ ما تريد دون النظر الى العواقب الناتجة عن قراراتها.
هذه الاستفزازات المستمرة ستدفع بأعضاء حركة فتح الى التخلي عن رئيسهم بالتدريج والانضمام الى المقاومة مما يعني زيادة اشتعال الضفة الى درجة تخرجها عن السيطرة.
كان على محمود عباس أن يذكر المجلس الثوري بأنه يعرف الوضع وما السياسات التي يتبعها إنما سياسات صائبة قد يوافقون أو لا يوافقون عليها ولكنها تظل ضمن الخط الفلسطيني المقاوم للاحتلال.
لتمرير هذه الفكرة يتطلب الهجوم على عباس بغرض تلميع صورته وهذا ما حدث فعلاً.
كانت هذه الخطوة من محمود عباس ضمن إحدى الخطوات الاخيرة في وقف انتفاضة الضفة الغربية التي ستكنس الاحتلال، فالشعب الفلسطيني يشعر أكثر من أي وقت مضى أن ظهره للحائط ولا سبيل للتراجع أكثر من ذلك في نفس الوقت الذي يشعر فيه بأن تحقيق النصر ممكن.
فالفجر دائماً قادم.