مخيم فلسطين في “أوغوس” بالدنمارك
نضال حمد
قبل أيام شاركت في مهرجان يوم الأرض بمدينة أُرغوس الدنمركية حيث يوجد تجمع فلسطيني كبير جدا، شبيه بالمخيم أو قُل بأي مخيم حديث، الشيء الوحيد الذي يختلف فيه عن مخيمات شعبنا في الشتات العربي أن السكان هناك يقيمون في عمارات وبنايات جميلة مع خدمات تقدمها البلدية وحقوق وواجبات محترمة ومصانة. كما أنهم يختلفون عن اقرأنهم في بلاد العرب لأنهم غير محاصرون بدبابات وجنود الجيش اللبناني مثلا كما هو حال مخيمات عين الحلوة والمية ومية والرشيدية وبرج الشمالي والبص ونهر البارد في لبنان الشقيق، كما أنهم يتمتعون بكافة الحقوق المدنية والسياسية، حقوق المواطنة الكاملة، ومنهم من أصبح عضوا في البرلمان الدنمركي وفي قيادة الأحزاب والمؤسسات والمنظمات السياسية والاجتماعية والنقابية هناك. لهم مؤسساتهم وجمعياتهم واتحاداتهم ولجانهم حيث العلم الفلسطيني والكوفية وخريطة فلسطين الكاملة، والإيمان الراسخ بحق العودة الى كل فلسطين من صفد التي تخلى عنها رأس السلطة الفلسطينية الى رفح في أقصى جنوب الوطن المحتل.
مخيماتهم في اوغوس وكوبنهاغن وأودينسي وألبورغ بالدنمراك ليست محتلة من قبل العصابات الإرهابية التكفيرية كما هو حال مخيم اليرموك قرب دمشق عاصمة التاريخ والحاضر والمستقبل العربي.
مساجدهم عامرة وتأخذ حصتها من ميزانية الدولة الدنمركية وكذلك كل مؤسساتهم عكس مساجد مخيماتنا التي تدمر بلا سبب في سورية.
يعيشون أحرارا ولا يقيمون تحت وابل القصف اليومي والحصار والموت بلا سبب وبلا ذنب كما هو الحال مع بقية مخيمات اللاجئين الفلسطينيين في سورية.
كما انه لا يوجد جدار عازل كما هو الحال في الضفة الغربية وقسم من قطاع غزة المحتلين. ولا كذلك جنود صهاينة فاشيون مجرمون دمويون ينكلون بهم في كل صباح ومساء.
يعيشون بحرية وكما ولدتهم أمهاتهم احرارا، وكما أرادهم الفاروق عمر بن الخطاب، يحملون سيف علي باب الحكمة، وراية العروبة وفلسطين راية توحد الجميع، ويحفظون تراثهم وتاريخهم وهمومهم وقضاياهم الوطنية والقومية والثقافية، يحملونها على أكتافهم وفي قلوبهم ويستمرون في رحلة البحث عن درب العودة الى كامل تراب فلسطين المحررة، من الشجرة بلدة المبدع الشهيد ناجي العلي ابن مخيم عين الحلوة، حيث ولد أيضا الفنان الشعبي الكبير أبو عرب، وحيث استشهد الشاعر الفدائي الكبير عبد الرحيم محمود صاحب الأبيات التالية :
سأحمل روحي على راحتي
وامضي بها في مهاوي الردى
فإما حياة تسر الصديق
وإما ممات يغيض العدى
يحلمون بالعودة ويعملون لأجل العودة الى كل مدن وبلدات وقرى الجليل والساحل والمثلث والنقب وبقية أرض القداسة الإنسانية الفلسطينية في فلسطين المحتلة.
وصلت الى مدينة “البورغ” ومن هناك توجهت الى مدينة “اوغوس” وحللت في منزل أخي وصديقي وابن عمي ورفيق طفولتي رباح حمد – ابوخليل – حيث عشنا أياما معدودات نتذكر المخيم والحياة على جبهات الكفاح لأجل العودة وحياة أفضل.
التقيت كذلك بابن عمي الآخر ورفيق طفولتي أيضا طارق حمد – أبو علي – وهو احد أبطال قصتي القصيرة أطفال القلعة، نوهت الى هذا الأمر قبل قراءتي لهذه القصة في المهرجان. وجاء طارق برفقة ابن عمنا الآخر زياد حمد من مدينة “سونيبورغ” التي تقع على الحدود الدنمركية الألمانية. وكذلك بإبن عمنا عماد حمد ابن مخيم برج البراجنة المقيم في أوغوس. وحضر خصيصا الى أوغوس من مدينة “سليلسة” الصديق والرفيق المتألق بعمله النضالي كمال خريبي ومعه أصدقاء آخرين ليشاركوا في هذا الحفل الكبير. والتقيت هناك بعشرات الأصدقاء والرفاق والمعارف. منهم الرفيق أبو الرائد والأخ نبيل طه حيث حضرا من العاصمة كوبنهاغن. لكن الغائب الحاضر الكبير كان صديقي ورفيقي عبد الرازق – ابوهاني – الذي كان خارج الدنمارك.
يوم السبت الفائت في السادس من نيسان – أبريل الجاري حللت ضيفا على الصديق النشيط والكادر العملي د. عماد كعوش وعلى الزملاء في بيت الثقافة العربي الدنمركي، لتوقيع مجموعتي القصصية (في حضرة الحنين) على هامش المهرجان. بقيت لأيام قليلة مع أعضاء فرقة جفرا المحلية الفلسطينية المكونة من شبيبة فلسطينيين من سكان مخيم فلسطين في أوغوس بقيادة المدرب القدير والمبدع محمد الحاج ابن مخيم عين الحلوة.
شاركنا معا بإحياء يوم الأرض الفلسطيني الخالد وذلك برفقة الفنان الفلسطيني الموهوب حيدر الديراوي القادم من الشتات الفلسطيني في النرويج الى هناك لإقامة معرض رسوماته الجميلة والتي يجد الإنسان فيها فلسطين حاضرة من بدء الخليقة وحتى الأبد.
تنوعت لوحات المبدع الفلسطيني الذي رسم معاناة شعبه وغربته والحياة في البلاد البعيدة وفي المنافي الجديدة.
قال الفنان حيدر الديراوي في معرض تعليقه على المشاركة بمهرجان يوم الأرض في أوغوس :
تلقيت دعوة من بيت الثقافة العربي الدنماركي وفرقة جفرا في مدينة أوغوس الدنماركية للمشاركة في إحياء يوم الأرض من خلال معرضي الفني. لبيت الدعوة بتاريخ” 6/4/2013 آملاً أن أوفق في إرضاء حبة تراب من وطن، دم شهيد، دمعة أمٍ، أو حجر في يد طفل و أنا الشاكر لكل هذا … شربت هناك كأس الوطن المسكوب من عيون زهراتنا، وسمعت الوطن يحيي هؤلاء الرجال وهم يضربون بأرجلهم فوق خشبة المسرح معلنين أنهم مازالوا وسيواصلون من و الى الوطن مهما بعدت المسافات.
أمل مرقس يا أيتها الزهرة المتمايلة بنسمات الوطن.
زيد تيم بصوت صقور الوطن …
وكاتبنا العزيز ( نضال حمد) أتحفنا في حضرته وما يحمل من حنين في كتابه.
كنت هناك في أكاديمية وطنية يديرها أناس لهم كل الاحترام و التقدير ولن أذكرهم بالاسم، هم موجودون في قلب الوطن كما هم الآن في قلبي … شكراً أبناء شعبي وبالتوفيق دائماً. “.
في أوغوس أنشدت الفنانة الفلسطينية أمل مرقس بعض أغانيها الجميلة والتي استمتعنا وطربنا حين سمعناها. ومنها “آه يا جرحي المكابر” سكابا يا دموع العين سكابا” و ” نعنع يا نعنع”، من أغاني التراث والعرس الفلسطيني. استمعنا واستمتعنا بصوت أمل وأداءها الجميل الراقي والمميز، وبعزف نجلها المتألق فراس، بالرغم من الصخب والفوضى والضجة التي كان يحدثها جيل أطفال العودة من مخيم فلسطين في أوغوس الدنمركية.
تجدر الإشارة أن القاعة الضخمة كانت مليئة بالجمهور من الكبار والصغار، بالجدات والأمهات والشابات، بالأجداد والأولاد والأحفاد الذين تشتتوا عدة مرات ولجأوا الى هناك من مخيمات الشتات ومن فلسطين المحتلة.
القاعة غصت أيضا بأطفال المخيم الفلسطيني الدنمركي المذكور. لأنها مناسبة للأهل كي يحضروا مع أطفالهم ليشاهدوا التراث والمسرح والفن والثقافة الفلسطينية في أمسية واحدة تجمع الجميع. وهذا شيء جميل ومحمود ومشكور . لكن على الأهل أن يعملوا على توعية الأطفال وتعليمهم الالتزام بالصمت والهدوء في مثل هذه الأمسيات، التي تحتاج فيها الفنانة المغنية للهدوء التام وكذلك الأديب الذي يقرا يقصصه أو الشاعر الذي يلقي قصيدته أو العازف الذي يعزف مقطوعته.
فرقة جفرا المحلية والمؤلفة من أطفال وشبيبة مخيم أوغوس الفلسطينيين استطاعت أن تقدم دبكات فلسطينية وعربية بدأتها مع أغنية فيروز الشهيرة ” خطة قدمكم عالأرض هدارة”… وهكذا هدر شباب وصبايا أوغوس من جيل العودة، فأنشدوا لفلسطين ورقصوا ودبكوا وتواصلوا مع الجمهور بكل حب وحنين. وأجزم أنه من الصعب على أي كان حين يراهم وهم يقدمون تلك العروض الرائعة أن يعتقد بأن هؤلاء لا يعيشون في مخيمات شعبنا بالشتات العربي أو في فلسطين المحتلة وأنهم يعيشون في الدنمارك.
خطة قدمكم
http://www.youtube.com/watch?v=Cr8rKe2zFV4
يا قمر مشغرة يا بدر وادي التيم
يا جبهة العالي و ميزرة بالغيم
قولوا إن شاء الله القمر يبقى مضوي و قمر
لا يطال عزو حدا و لا يصيب وجو ضيم
خطة أدمكن عالأرض هدارة
إنتوا الأحبة و إلكن الصدارة
خطة أدمكن عالأرض مسموعة
خطوة العز جبهة المرفوعة
كما شهد المهرجان الضخم والطويل تقديم مسرحية وطنية ناقدة بامتياز من اعداد المدرب محمد الحاج.
كذلك أنشد الفنان زيد تيم القادم من هولندا مع فرقته بعض الأغاني الوطنية. فيما قمت أنا بتقديم شروحات سريعة عن كتابي أو مجموعتي القصصية الحديثة “في حضرة الحنين” ثم قرأت على الجمهور قصة “أحبك” هذا قبل أن أقرا قصة “أطفال القلعة”… ولكن هناك حكاية فلسطينية بامتياز لا بد أن أشرحها للقراء لأن قصتي هذه بعنوان “أحبك” ارتبطت منذ السادس من أبريل – نيسان الجاري بهذه الحادثة، التي بطلها شاب من أب شهيد فلسطيني لم يره ولا مرة في حياته ومن أم دنمركية توفيت قبل سنوات. هذا الشاب هو ابن الشهيد زياد أبو عزيزة من مخيم برج البراجنة، الذي استشهد في حرب المخيمات الشهيرة في لبنان. ارتبط الأب الشهيد قبل استشهاده بمتضامنة دنمركية من المناصرين للشعب الفلسطيني كانت في مخيمات لبنان، وتزوجا ويوم اشتدت حرب المخيمات وحوصر مخيم برج البراجنة كما مخيمي صبرا وشاتيلا في بيروت وفيما بعد مخيم الرشيدية قرب صور، طلب الأب من الأم التي كانت حاملا بالفتى أن تغادر المخيم، فغادرته عائدة الى الدنمارك، فيما بعد استشهد البطل ابوعزيزة وهاجرت عائلته الى بلاد عديدة وانقطع الاتصال بين الأم الدنمركية والعائلة الفلسطينية وتوفيت الأم الدنمركية في وقت لاحقا لكنها زرعت في الفتى حب فلسطين والانتماء لمخيماتها…
القائمون على فرقة جفرا وبيت الثقافة الفلسطيني الدنمركي واصلوا اتصالاتهم بمخيماتهم واحدهم وهو الحاج ابو أحمد نادر الذي اعتاد أن يزور عائلات الشهداء في المخيم سمع قصة الشهيد وزوجته فحرص على البحث عن الفتى في الدنمارك. هذا الفتى الذي ذهل حين عرف أن أهل مخيمي برج البراجنة واوغوس يبحثون عنه ليعيدوا ربطه بالعائلة. وكان حضوره المهرجان بذكرى يوم الأرض واللقاء بعمته التي دعيت من قبل القائمين على المهرجان وجاءت من الإمارات العربية لتشهد حفل تكريم الشهيد ونجله وأهله في مخيم أوغوس. حيث استلمت العمة مع ابن الشهيد درعا تذكاريا تكريميا لا بد سيكون عزيزا عليهما. لقد احدث هذا الأمر انطباعا ايجابيا وترك أثرا طيبا في نفوس الحضور.
عندما سألت ابن الشهيد عن مشاعره بعد هذا الحدث قال باختصار أنا الآن إنسان يولد من جديد. وبانت عليه علامات التأثر والارتباك والفرح المخلوط بمشاعر الحزن.
إن شعبا فيه مثل هؤلاء لا يموت ولا تموت قضيته…
في الصورة: ابن الشهيد زياد أبوعزيزة أثناء تكريمه من قبل الأخ عماد كعوش.