مرثاة الشهيد الرفيق أبو علي مصطفى: – عادل سمارة
مرثاة الشهيد الرفيق أبو علي مصطفى: مصطفى علي الزِبري: إنه وداع وعهد
مركز المشرق العامل للدراسات الثقافية والتنموية- رام الله- فلسطين المحتلة
نُشر في جريدة القدس: 30 آب /أغسطس 2001
يا…مصطفى علي الزِبري! الآن، يمكنني الكلام، فأنت مِلكٌ للشهادة وحدها. لزمتني حفنة ايام حتى اتمثل المشهد المنقوع بالدم والبارود والعنصرية وراس المال. المشهد لك، والمجد لك.
أنت مشروع شهادة تعرفته أولاً في نيسان 1964 عندما التقينا في بيتكم العتيق في عرابة والشهيد الحاج فايز جابر. كنت قد عدت من غزوة للجيتو، وكان الدم ينزف من قدميك. هذا النزف كان مؤشر على أشواك المسار الذي صُلبت عليه حتى لحظة ترجلت ورحلت. كنت مشروع شهادة بعدها بعام في سجن المحطة عندما هاجمتك الزائدة الدودية ولم يَستدعِ لك السجَّان طبيباً من المساء حتى الصباح. لا زال صوتك يناديني في العنبر المجاور، ولا زلت كاللحظة هذه لا أستطيع أن اصنع شيئاً، أترى كم هو قاسٍ هذا الزمن!
ذهبت بنا الأيام مذاهب شتى، ومنذ أن حملتك الأيام إلى عمَّان في 17-12-1967 وحملتني إلى معتقلات المستوطنة التي في وطني لم نلتق حتى عند عودتك عام 1999. وزرتنا في سجن السلطة الفلسطينية في أريحا، أحمد قطامش وعبد الستار قاسم وأنا. عاتبتني بالقول:
” أهكذا لم نراك إلا في المعتقل! ابتسمت لأنني أحبك وقلت ويدي تشير إلى المخابرات الفلسطينية ” “عندما يعتقلك الشباب سأزورك هنا… فهنا لا يحول بيننا جدار أوسلو” ضحكتَ وضحك الجميع. ولم تمتد الزيارة طويلاً. فهي زيارة سجن. أما وهي الشهادة، فلن يقوم بيننا جدار.
كنت مشروع شهيد في ايلول في أحراش جرش، وحتى لحظة الاستشهاد. ورحلت… فماذا نصنع نحن، هل نتابع المشهد متلقين متفجعين، أم نتابع المشهد ونعيد صياغته، ومن ثم إنتاجه؟ واختصارا، هل نتجاوز المشهد بالموقف؟
لكن الأمر صعب ومُرّْ. فمن الذي يجرؤ على تقديم الموقف في لحظة الاستشهاد؟ من يجرؤ على إعمال العقل في حمأة الدم؟ دعنا نحاول، وأنت لم تعد ملكا إلإ للشهادة.
يقول رواة فلسطينيون وعرب، إنهم غدروا بك وخرقوا الاتفاقات! وأنا اقول كما قالت العرب، لم يغدروا بك “فالحرب خدعة وسجال”. فمن يعوزه السجال تكن الخدعة. ولا عتب. إذا أعوزتك الخدعة فليكن السجال. فلنتجاوز التفجُّع، لنرتقي إلى لحظة التقييم، ولنرفع اللغة إلى مقام الشهادة، ولنستثمر الشهادة في مشروع مصير الأمة العربية، أمك الكبرى التي حرمتها كثير من أماكن التأبين أن تحتضنك فتفردت بكَ قلة إقليمية هنا وعصبوية هناك.
بين التفجُّع والتحليل يتبين الفارق بين الصمود وبين الحزن، بين التفجع الممرور، وبين قرار صنع المستقبل.
هو يا سيِّدي صراع مديد، في الزمان وفي الجغرافيا. وإذا كان هناك في مكان في العالم يُمثِّل حقاً حقيقة النظام العالمي في حقبة العولمة، فهو الصراع العربي-الصهيوني الرأسمالي. من هنا تشعر انت براحة أفضل براحةٍ أرقى. هذا صراع طويل لن ينتهي إلا بسقوط راس المال، أنت تعرف ذلك الآن أكثر مما كنت فينا، لأن للشهداء مرتبة الكشف، ولنا طاقة التحليل والتنبؤ. لن يُلقي راس المال فكَّيْهِ ولن يخلع مخالبه. وهكذا، لن تدخل المستوطنة الأشكنازية البيضاء باحة السلام. لا مكان لها هناك قط. في هذه المستوطنة فقط، وليس في اي مكان في الكون يكون الناس على يمين الحاكم! عندما يَقتُل، يتسابقون على الولغ في دم الضحية.
أما نحن، فلن نفقد موقعنا الإنساني، نضال مستمر من بغداد إلى القدس إلى الدار البيضاء. نحن أمة الأمم. لن ندخل بوابة اوسلو التي أرادها لنا النظام الرأسمالي بقيادة الدولة الأمريكية، دولة مشروعها إبادة أمم بأكملها. لم يحصل كهذا في التاريخ قط. وأحد مخالبها المستوطنة الأشكنازية في الوطن العربي.
مشروع حرب طويل، حرب الشعب، لا حرب الجيوش، مشروع نهضة أمة بالحماية الشعبية لا بمساومات الحكام. مشروع يجب أن يهدم المشهد الرأسمالي، القادم من أجل مشهد أمة اشتراكية موحدة، سيكون لليهود فيها مكاناً، لا مقبرة. فنحن ورثة وصايا أبو بكر لقواته الفاتحة والعهدة العمرية وتعالي صلاح الدين على الحقد. نحن المشروع الاشتراكي المقبل في هذا العالم. أما الحركة الصهيونية فلن تَعافى كما لم تَعافى الفاشية والنازية ولا راس المال.
لا أدرى إن كنتَ مضيتَ مبكراً، او متأخراً، لكنك ذهبت. فهنيئاً لمجتمع الشهداء بك، فلا بد لمجتمع الشهداء أن يتكامل، فتية شهداء في مّيْعة الصبا، وشهداء في عمق النضوج. لك الوداع، لك الخلود، وللوطن الكبير جولة أخرى.
جريدة القدس 30 آب 2001.”
ملاحظات: تركت النص كما هو. أُستشهد ابو علي مصطفى يوم 25 آب 2001 بقصف طائرة العدو لمكتبه. وأُضيف هنا أن أبو علي والشهيد الحاج فايز جابر وأنا كنا في منظمة ابطال العودة 1964 حينها حيث فرزتنا حركة القوميين العرب مع رفاق. كان ابو علي مسؤول جنين ونابلس وطولكرم، وأنا رام الله والقدس والحاج فايز الخليل وبيت لحم. وبعد 1967 انضممنا إلى الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين.
ملاحظة جديدة: من العار أن يستثمر في تراث هذا الفدائي العالي دُعاة متعددي الأهواء إلا لفلسطين، منهم لبراليين، وتحريفيين وتطبعيين وما بعد حداثيين، ومثليين/ات، وأنجزة…الخ . يجمعهم بنختلف شعاراتهم الدعوة لِ دولة مع المحتل سواء باسم دولة ديمقراطية، علمانية، ثتائية القومية، مع المستوطنين…الخ بالمناسبة الكيان ليس قومية.
✺ ✺ ✺