مسيرة الأحياء إلى معسكر أوشفيتز
لفت انتباهي وأنا أشاهد البث المباشر في تلفزيون “تي فاو إن” البولندي، الذي لا يخفي انحيازه الى جانب (اسرائيل) ظالمة أو مظلومة، وهو تلفاز خاص وغير حكومي، طوال ساعات عديدة من البث المباشر، وجود ومشاركة ضابط طيار وضباط من جيش الاحتلال “الاسرائيلي” في الحفل. شاركوا وأنشدوا وعزفوا وتكلموا وساروا في المسيرة وهم بلباسهم العسكري الرسمي. هناك هيمنة “اسرائيلية” واضحة على كل شيء في المسيرة.
مسيرة سنوية تنظمها منظمات يهودية وصهيونية وجهات “اسرائيلية” رسمية وتشارك فيها جهات بولندية وأوروبية وعالمية، لإحياء ذكرى الضحايا من الأوروبيين اليهود، وهم يهود أوروبا الذين اعتقلوا وعذبوا وقتلوا في معسكرات النازيين الألمان على الأراضي البولندية المحتلة آنذاك، خلال الحرب العالمية الثانية. بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية وبعد قيام دولة “اسرائيل” بالارهاب والتصفية العرقية والمجازرعلى أرض فلسطين العربية، احتكرت دولة اليهود أي “إسرائيل” دور الضحية. كما أنها تبنت كل اليهود في العالم على اساس أنهم “اسرائيليين”… وعلى أساس انهم ليسوا أوروبيين بل يهوداً أي شعب خاص هو الشعب الذي صنعته الصهيونية وأيدتها في ذلك الامبريالية الاستعمارية الرأسمالية الغربية والحركات الشعوبية واليمينية والقومية المتطرفة بما فيها الفاشية، التي ساهمت في تشريد وذبح اليهود وإرسالهم كي يحتلوا فلسطين.
للعلم ولمن يجهلون ذلك فإن الضحايا كانوا من اليهود الأوروبيين، مواطنون أوروبيون، لم يكن لهم أي علاقة بدولة “اسرائيل” الصهيونية، التي بدورها تشبه الدولة الهتلرية النازية الى حد كبير من نواحي الاحتلال والعدوان والعنصرية والاجرام والارهاب والتوسع والجرائم ضد البشرية.
في ذلك الوقت لم تكن دولة الصهاينة الاستعماريين الفاشيين العنصريين المجرمين، الفارين أو القادمين بإرادتهم للمشاركة في احتلال فلسطين، حيث قدموا إلينا أي الى فلسطين عبر قوات الحلفاء بقيادة بريطانيا الاستعمارية المجرمة. لم تكن “اسرائيل” ولدت بعد في فلسطين العربية المحتلة. أو أن دولة اليهود الصهاينة المستعمرين والمجرمين كانت في سنتها الأولى وفي بداية تكوينها وتأسيسها وولادتها، هذا في أعقاب احتلال فلسطين سنة 1948، بإستخدام نفس الأساليب النازية الهتلرية والفاشية الأوروبية. إذ أقيمت دولتهم الاصطناعية (اسرائيل) على جماجم وعظام وأجساد الفلسطينيين ضحايا المشروع الاستعماري الاحتلالي الارهابي الصهيوني العالمي.
كل سنة في مثل هذه الأيام من شهر نيسان يتجمع عشرات آلاف اليهود القادمين من شتى أنحاء العالم وبالذات الشباب والصبايا من “اسرائيل” ويأتون الى بولندا. ثم يتوجهون الى اوشفيتز وينطلقون في المسيرة السنوية التقليدية مع رايات وأعلام دولة الاحتلال “الاسرائيلي” وأناشيدها وشعاراتها السياسية وما تقدمه للناس في كل العالم من معلومات مزيفة عن (اسرائيل) تخدم فقط دولة الاحتلال.. وليس صعباً أن يجد الانسان الدعاية لدولة الاحتلال “الاسرائيلي” طوال أيام مسيرة الأحياء وفي كلمات الخطباء والمتحدثين. لا تتعجبوا من هذه الأعمال في أوروبا فالصهاينة صاروا يمارسونها في دول التطبيع العربية من البحرين وبقية دول الخليج المطبعة الى السودان والمغرب.
تجدر الإشارة إلى أن الشباب اليهود “الاسرائيليين” حين يبلغون سن ١٧ عاماً يخدمون في جيش الاحتلال الصهيوني وبالذات في الضفة الغربية وحول قطاع غزة، حيث يتم تدريبهم على قتل الفلسطينيين وتعذيبهم بلا رحمة. فيتحولون خلال أسابيع الى وحوش مفترسة وضالة تفترس الضحايا من الأبرياء الفلسطينيين. آلاف من هؤلاء يأتون الى بولندا ومدينة ومعسكر اوشفتس للبكاء على ضحايا النازية مع أنهم هم أنفسهم لا يختلفون كثيراً عن الهتلريين ويشبهون النازيين بكل شيء. كما أنهم يقترفون جرائم تشبه الى حد كبير جرائم النازية، كل يوم يفعلون ذلك في فلسطين المحتلة. هؤلاء في أوشفتس يلتقون بأقرانهم من الشباب البولندي ويسيرون في مسيرات جماعية على درب يمتد طوله الى ٣ كلم ويصل الى المعسكر النازي السابق أوشفيتز 2 بيركناو حيث يقام الحفل الرئيسي لإحياء الذكرى التاريخية.
يمتد الطريق من أوشفيتز 1 ، أمام بوابة
“Arbeit macht Frei”
إلى أوشفيتز 2 – بيركيناو حيث منصة الاحتفالات الرسمية والرئيسية.
يسير المشاركون على طول منحدر سكة الحديد للقطارات حيث كان الألمان يقومون باختيار اليهود المُرحلين الى المعسكر والموت. جدير بالذكر أن هناك جهات رسمية صهيونية و”اسرائيلية” وأوروبية وغربية وعالمية شاركت في الاحتفالات، مثل مشاركة الرئيس الايطالي يوم أمس الثلاثاء ١٨-٤-٢٠٢٣ وقيامه بإلقاء كلمة في الاحتفال. ومشاركة شخصيات يهودية عالمية وصهيونية معروفة من كل العالم.
لفت انتباهي وأنا أشاهد البث المباشر في تلفزيون “تي فاو إن” البولندي، الذي لا يخفي انحيازه الى جانب (اسرائيل) ظالمة أو مظلومة، وهو تلفاز خاص وغير حكومي، طوال ساعات عديدة من البث المباشر، وجود ومشاركة ضابط طيار وضباط من جيش الاحتلال “الاسرائيلي” في الحفل. شاركوا وأنشدوا وعزفوا وتكلموا وساروا في المسيرة وهم بلباسهم العسكري الرسمي. هناك هيمنة “اسرائيلية” واضحة على كل شيء في المسيرة.
كما لفت انتباهي أن كل الكلمات التي ألقيت في المناسبة كانت تربط المسيرة المذكورة وما جرى في معسكر اوشفيتس من جرائم، بالاحتفال بالذكرى ال ٧٥ لقيام دولة اليهود “اسرائيل” يعني بذكرى احتلال فلسطين. مع العلم أن دولة اليهود الصهاينة في فلسطين المحتلة قامت بالارهاب وبالقوة وكما قال بيغن بالحديد والنار والسيف والارهاب، كما أكد خليفته شامير في مؤتمر مدريد للسلام… على فكرة هذان اليهوديان الصهيونيان كلاهما من أصول بولندية. وساهما في انشاء وقيام “اسرائيل” الصهيونية عبر الاغتيالات والمجازر والتصفية العرقية قتل وطرد وتشريد الشعب العربي الفلسطيني وسرقة أرضه واحتلال وطنه فلسطين.
يحتكر اليهود في العالم وبالذات الصهاينة منهم دور الضحية لأنفسهم مع أنهم مجرمون مثلهم في ذلك مثل النازيين الألمان. لقد أدرموا بحق شعب فلسطين سنة النكبة 1948، وفعلوا بشعبنا الفلسطيني ما فعلته النازية بيهود أوروبا، من قتل وتعذيب وتصفيات ومذابح. في مسيرة أوشفيتس شارك وزير التعليم الصهيوني وتحدث في الاحتفال حيث ألقى كلمة دولة الاحتلال الصهيوني.
شاهدت شخصياً في التلفاز شخصاً بلباسٍ خليجي كان هو على ما يبدو الخليجي أو العربي الوحيد الذي شارك إخوانه الصهاينة في إحياء المناسبة.
الذي جعلني أكتب عن هذه المناسبة هو تحويلها الى حملة دعائية وترويج لدولة الاحتلال اسرائيل” وقد شاهدت واستمعت لذلك بنفسي طوال ساعات عديدة يوم الثلاثاء الموافق الثامن عشر من نيسان ابرلي 2023. وتجدر الاشارة الى ان البث مباشرة استمر ليومين كاملين على التلفزة البولندية تي فاو إن المعروفة بتأييدها للكيان الصهيوني..
نضال حمد
18-4-2023