معبر رفح اختبار المصالحة وامتحان السلطة – د. مصطفى يوسف اللداوي
بفارغ الصبر وشديد القلق ينتظر سكان قطاع غزة، المحاصرون والعالقون، والغائبون والمقيمون، والمراقبون والمتابعون، وربما الإسرائيليون والأوروبيون والمراقبون الدوليون، يوم غدٍ السبت الموعود، الذي يفتح فيه معبر رفح الحدودي بين مصر وقطاع غزة لأولِ مرةٍ بعد اتفاق المصالحة بين حركتي فتح وحماس، الذي أبرم برعاية مصر وبضغطٍ وإصرارٍ منها، ورعايةٍ ومراقبةٍ كبيرة من أجهزتها، خشية انهياره وفشله، أو تعطيله وتجميده، ليحكموا من خلاله على المصالحة بالنجاح أو الفشل، وبالانطلاق أو التعثر.
إذ أن فتح المعبر وتسهيل حركة المسافرين منه وإليه بات هو المعيار الذي يحكم من خلاله الشعب على المصالحة، فقد غابت الحجة وسقطت الذريعة، وحققت السلطة ما تريد، والتزمت الأطراف كلها بالشروط المصرية، وتعهدت بتقديم الضمانات المطلوبة، وعادت لجان الرقابة الأوروبية، ورجع الجميع إلى اتفاق المعابر عام 2005، بما لا يبقي لأحدٍ عذراً، ولا لطرفٍ سبباً في المماطلة والتأخير، أو في الانكفاء والانقلاب.
سيراقب الفلسطينيون عدد الحافلات التي سيسمح لها بالمرور، وعدد المسافرين الذين سيزجون في كل حافلةٍ، إذ كانت السلطات المصرية تسمح لعددٍ محدودٍ من الحافلات بالمرور، في الوقت الذي كانت تحشر في كل حافلةٍ مائة مسافرٍ، في أيام الصيف والشتاء القليلة التي كان يفتح فيها المعبر، ويبقى المسافرون في الحافلات طيلة فترة الانتظار، حيث لا تسمح لهم بالنزول منها، ولو استمر انتظار دورهم ساعات طويلة، علماً أن من بين المسافرين مرضى ومسنين، وأطفالاً ونساءً وذوي حاجاتٍ خاصةٍ، ممن لا يقوون على الانتظار الطويل، أو البقاء لفتراتٍ جالسين وممنوعين من قضاء حاجتهم.
هل سيكون من المسافرين ممنوعون من السفر، يعودون أدراجهم من المعبر المصري بعد ساعاتٍ من الانتظار دون معرفة القرار القاضي بمنعهم من العبور، أو بيان السبب في منعهم وعدم الموافقة عليهم، وهل ستنتهي ظاهرة الترحيل والنقل القسري بمواكبةٍ عسكريةٍ وأمنيةٍ إلى مطار القاهرة، وهناك هل سيحتجزون في القبو تحت الأرض انتظاراً لرحلاتهم، أم سيسمح لهم بحرية التجوال في مطار القاهرة إلى حين سفرهم، وبالمثل هل سيسمح للعالقين بحرية المرور ضمن الأراضي المصرية إلى معبر رفح، أم سيخضعون إلى ذات الإجراءات القديمة باحتجازهم في المطار إلى حين فتح المعبر، وتنقلهم ضمن حافلات الترحيل إلى المعبر.
على السلطة الفلسطينية وحكومتها في رام الله، وإدارة المعابر الخاضعة لها، أن تثبت للفلسطينيين أنها معهم وإلى جانبهم، وأنها جاءت لتخفف عنهم وتساعدهم، وأنها ستبذل قصارى جهودها للنهوض بهم والقيام بحاجاتهم، وعليها أن تشكل فريقاً لمتابعة شؤون المسافرين الإنسانية، وأن تقدم لهم كل الخدمات الممكنة، بدءاً من بوابة العبور الفلسطينية وصولاً إلى القاهرة وكافة الأراضي الفلسطينية، فتسوي صالة المعبر لهم، وتوفر فيها كل الخدمات المطلوبة، فأهل غزة رعاياها ويخضعون لسلطتها وولايتها القانونية، وقد عادت إلى القطاع كما أرادت، واستعادت السلطات السيادية التي كانت تطلع إليها، وسلَّمَ جميع المواطنين لها بالسيادة المطلقة، وخضعوا أمامها للقانون، واستعدت القوى والتنظيمات للتعاون والتنسيق والالتزام بكل بنود المصالحة.
نأمل أن تكثف السلطة الفلسطينية تنسيقها مع الحكومة المصرية لتسهيل كل العقبات التي كانت، وتذليل كل الصعاب التي يشكو منها ويعاني بسببها المسافرون من القطاع، وأن تسمع لهم وتصغي لشكواهم، وألا تضج بهم أو تغضب عليهم، فإنها بهذا تكسب ود المواطنين وحبهم، وتحملهم على التعاون معها وعدم الضغط عليها، والقبول بأعذارها أحياناً وتفهم ظروفها وعجزها في بعض الأحيان، طالما أنها تبذل جهوداً حقيقية لخدمتهم، ولا تدخر وسعاً في التخفيف عنهم ومساعدتهم، إيماناً منها بالواجب الملقى على عاتقها، ووفاءً منها لشعبها الذي يخضع لها ويلتزم قوانينها، وتأكيداً منها أنها بالمصالحة غيرت، وبالاتفاق حسَّنت، وبعودتها إلى قطاع غزة عزمت على مزيدٍ من الإصلاح، وعلى الكثير من الإنجاز.
وعلى أهل غزة جميعاً التعاون مع سلطة المعابر لتسهيل عملها، وعدم القيام بما من شأنه أن يحرجها، أو يضيق عليها ويغضب الإدارة المصرية منها، ذلك أن في الجانب الآخر من المعبر دولة سيادية على حدودها وأرضها، فلا يجوز قهرها أو الضغط عليها، أو الإساءة إليها والحاق الضرر بها، بل ينبغي حفظ أمنها، وضمان سلامة حدودها، وعدم المساس بما يهدد استقرارها وسلامة مواطنيها ومصالحها العامة، ولعلنا بهذا نقنع الحكومة المصرية وشعبها أننا جزءٌ من أمنها، نخاف عليها ولا نفرط فيها، وأننا جنودٌ نحميها ورجالٌ ندافع عنها، وأشرافٌ لا نخونها، وشجعانٌ لا نجبن عن التعاون معها والدفاع عنها، وأصحاب شهامةٍ لا نتخلى عنها ولا ننقلب عليها، ولا نتآمر مع عدوٍ عليها أو نتحالف مع أجنبيٍ ضدها.
يتطلع الفلسطينيون بأملٍ كبيرٍ أن تنتهي كل الإجراءات التي كانت متبعة على معبر رفح، وتلك المطبقة على المسافرين من وإلى قطاع غزة، والشروط القاسية التي تفرض على حركة الحافلات وعدد ركابها، ويأملون أن تعود الأوضاع إلى ما كانت عليه قبل العام 2006، عندما كان الغزيون يركبون سيارات الأجرة المتوجهة إلى المعبر في الليل أو النهار، ولا ينتظرون فيه إلا الوقت الذي يكفي لتدقيق جوازاتهم والنظر في مستنداتهم، قبل أن تختم ليعبروا إلى أو من غزة، حيث ينتظرهم أهلوهم في القطاع، أو سيارات أجرة مصرية أخرى تقلهم من الجانب المصري إلى القاهرة أو مطارها، في رحلةٍ لا تخلو من المتعة والمسرة، ولا تعترضها حواجز ولا تتخللها عمليات تفتيشٍ وتدقيقٍ، ومصادرةٍ لبعض الأغراض أو إتلافٍ لها، فهذا لعمري حلمُ أهل غزة ومُناهم، وهو دعاؤهم ورجاؤهم، يدعون الله عز وجل أن يقبله منهم وأن يحققه لهم، رحمةً بهم ورضىً عنهم.
بيروت في 18/11/2017