مع رواية “ساعات الكسل (يوميات اللجوء)” – مازن مصطفى
.أصدقائي:
أن تُروى قصص الهجرة في قوارب الموت ضرورة نضالية انسانية، لكن أن يرويها الصديق فجر يعقوب فتلك هي قصة القصص.
يتطابق معيار استمتاعي (توزيني) الخاصّ بالروايات ، مع رواية ” ساعات الكسل(يوميات اللجوء)” . وهذا ما عنون به فجر روايته، وأهداني نسخة منها.
المعيار، هو أن تنجح الرواية في سربلتي بالشرود والتأمّل والصمت ، وبعثرة خطوي وتوليد الإحساس بانكسار “أكسAxis” جسدي،عمودي الفقري ربما، كسيارة اصطدمت للتو. بتحديدٍ أكثر دقّة، أن تحرفني الرواية عمّا كنت فيه وأن أحتاج إلى ساعات لأسترد وضعي الطبيعي.
لم أستطع تحرير نفسي من تنميطات ، صاغها ذهني في الأساس ، ولهذا عدت لأقرأ بعض الفصول لمرة ثانية أو ثالثة ، محفوزاً بالموضوعية ، لأجد نفسي متمثلاً (إقرأ: غارقاً في) النصّ من جديد وعلى كل مستويات الوعي.
هذه التنميطات، في مجملها اشتباك بين فهمي لذات الكاتب وإدراكي لموضوعية الحدث ،وصُلب الحبكة الروائية.خصوصاً وأن الرواية أقرب للسيرة الذاتية وتسجِّل تجربةً حقيقيةً عاشها فجر متحاشياً التقريرية.التجربة هي الهجرة في قوارب الموت من الشواطيء التركية إلى الجزر اليونانية ومنها إلى السويد، يجد القاريء نفسه وسط كل ما يحيط بعملية الهجرة من عذابات لا تقل خطورة ومغامرة عن المقامرة بالحياة في قوارب مطاطية، هي في معظمها نعوش تتكفل بدفن الآلاف في بحر مرمرة، يجهزها مافيات تهريب المهجّرين ،وتهريب المخدرات والسلاح والاختطاف والقتل لبيع الأعضاء البشرية والنصب والاحتيال والتواطوء من ومع الأمن التركي المرتشي، او المنفذ لسياسات فرضها التدخل الأوروبي لمنع الهجرة .
ذات الكاتب ، مكوناتها وخبراتها هي ما تشدني هنا . فجر ، الفلسطيني(اللاجيء، والمهاجر الأبدي) ابن مخيم اليرموك(مختبر الثقافة الفلسطينية ) الدارس للسينما في صوفيا، المخرج السنمائي (عشرات الأفلام بين الوثائقي والاستقصائي والطويل والقصير) والكاتب(أكثر من 15 كتابا) ومئات من المقالات في الصحف العربية والناقد المشارك في لجان التحكيم ،لعدد من أهم مهرجانات السينما، الروائي(4 روايات) والشاعر(4مجموعات شعرية) .
كل هذه التبصُرات، كل هذا العِتاد، لمواجهة قوارب الموت وقراءة الهجرة إلى السويد عبر أوتوستراد مرفوع على أعمدة الرعب فوق أمواج الموت .
لا بد ، لرواية هذا، مما ليس منه بدّ، لا بدّ من المجاز
“لا شيء يغير من المجاز الذي يخيم على الرحلة إلّا المجاز نفسه”كما يقول.
لا بد من موازاة ، من مقياس واقعي جارح في حقيقته ،مثل مقياس ريختر ليحدد مساحة ووزن وقوة الحدث ليس فقط لهذه الرحلة في قوارب الموت الى أوروبا بل إلى مفازات العمر بطوله وبكلكله، وعذابات الارتحال الفلسطيني حيث يصغُر كل حدث بعد حدث الاقتلاع الأساسي من الوطن،من طيرة حيفا إلى رطوبة غوطة دمشق ومخيم اليرموك إلى ملوحة بحر مرمرة وباقي “المرمطة” حتى الوصول إلى السويد ، ولا تعود الحادثات سوى صورمن الهجرة القسرية من فلسطين واللجوء ، وهو ما يستعاد في الفصول الثلاثة الأخيرة مثل”فلاش باك” . خاتمة وكأنها المقدمة والعبور في قوارب الموت تنويعٌ على اللحن .
“أجهدت عيني وأنا أحاول رؤية شيء يخفف من تصدع اللاجيء المقيم بداخلي منذ ولدت”
لا بدّ من حبيبة ، هي مثاقيل الوعي، هي المجاز النفسي الموازي للوقائع المرة .
الحُب هو ما يحفظ إنسانية الإنسان ، هو الحبُ،هو الوصلُ ما يُبقي الوجود ويغني معناه.”س” هي الحب على “الماسينجر الأزرق” . “س” المتخصصة في الأدب الإنكليزي ومن حضورها يأتي اقتراض عنوان شعر اللورد بايرون أثناء مشاركته في حملة على اليونان “ساعات الكسل” فيميزها فجر بانها “يوميات اللجوء”، ويريد أن يصل إلى الجزيرة اليونانية تلك بالتحديد التي ولد فيها العالم فيتاغورس، وهرب منها بسبب ظُلم حاكمها.
“البُدّيات” إن جاز التعبير، والتي ذكرتها ،معالجة بالمجاز، تجعل من وقائع الرحلة ، بل من وقائع العمر،من مواجهة العنف ، حالة ثقافية ،بكل ما أبدعه الإنسان من جماليات ،من شعر ورواية وأدب ونحت وتصوير وموسيقى وأفلام استحضرها الكاتب لتتخفى وراءها الأحزان الإنسانية، لتبدوالحياة أقل دموية، ليسُهل تحمُلها ، لكي تُطاق.
فجر يعقوب، لمن صور وأخرج فيلماً وثائقياً هو الأول من فصيلته، عن المثقفين العراقيين المهجّرين في المنافي ، يكتب نفسه، بطلاً هامشياً في فيلمٍ مشابه وأشد مرارة ، ولكن لم يصوره أحد.رائعٌ يا فجر.
المصدر: منقول عن صفحة فيسبوك الصديق مازن مصطفى