مغارة الطفولة – نضال حمد
قبل أن أبدأ بقص حكاية مغارة مخيم عين الحلوة وطفولتي وطفولة أصحابي في مغارة المخيم على مسامعكم …
قبل أن أبدأ بقص حكاية مغارة مخيم عين الحلوة وطفولتي وطفولة أصحابي في المخيم على مسامعكم، أخبركم بأنه صباح اليوم وبالصدفة ظهرت أمامي في باحث “غوغل” المتصهين أغنية “الطفل في المغارة وأمه مريم” للسيدة فيروز التي ولدت في القدس قبل ولادة كيان الاحتلال الصهيوني… تلك الأغنية الفيروزية تعتبر من أجمل الأغاني الوطنية… لقد سمعتها كثيراً في حياتي سواء بلبنان أم في المنافي الكثيرة التي لازلت أعيش فيها منذ ما بعد غزو لبنان وحصار عاصمته بيروت وارتكاب المجزرة في مخيمي صبرا وشاتيلا سنة 1982. أذكر للقراء مقتطف قصير من كلمات الأغنية جاء فيه:
الطفل في المغارة وأمّه مريم وجهان يبكيان”
الطفل في المغارة وأمّه مريم وجهان يبكيان
يبكيان
لأجل من تشرّدوا
لأجل أطفال بلا منازل
لأجل من دافع واستشهد في المداخل
واستشهد السلام في وطن السلام
وسقط العدل على المداخل
سقط العدل سقط العدل
سقط العدل على المداخل
حين هوت، مدينة القدس
تراجع الحبّ
وفي قلوب الدنيا استوطنت الحرب”..
بعد سقوط فلسطين ومن ثم القدس كاملة بيد أعداء الحياة تحولت حياة شعبنا الى جحيم لا يطاق، عاش أهلنا في المخيمات وهناك ولدنا نحن أطفال العودة والتحرير ثم كبرنا وغدونا الآن رجالاً ولنا أطفال وأحفاد نتمنى أن يحققوا الحرية والعودة الى كل فلسطين من أول أولها الى آخر آخرها.
على سيرة الأغنية والمغارة وجدت صباح اليوم في فيسبوك صورة لمغارة من منطقة سيروب قرب مخيمنا عين الحلوة فتذكرت مغاور الطفولة التي عرفتها في صباي وطفولتي وبداية شبابي. كانت أشهرها على الاطلاق مغارة “التايغر” التي مر عليها كل شباب منطقتنا وحارتنا في المخيم. ولازال صديقنا وابن بلدتنا سعدو صبحة – أبو فادي – يحتفي بالمغارة تلك مع بعض شباب الصفصاف. في سنوات سابقة وقبل اغتياله كان ال ش ي خ هشام شريدي ابن خالتي رحمه الله في جلسات قليلة جمعتنا خلال زياراتي الى الأهل في لبنان، قد حدثني عن مغامراته هو والمرحوم غازي حمد –أبو العبد- والصديق إبن البلد فوزي يونس في المغارة وجوارها حيث الخروب والعناب والخ.
كما كانت هناك مغارة بريّة أخذت وقتنا وجهدنا وشغلنا على تلال المخيم، فقد كانت هناك أيضا في بحر صيدا الذي كنا نسميه شط أو بحر بدر مغارة بحرية عرفناها وعرفتنا.. كانت تقع بالقرب من صخرة “البطل” وصخرة “الأولى” وتحت صخرة كنا نسميها “المملكة” وهذه كانت بمثابة مغارة مثل النفق، كان الفتية والصبية والشبان يسبحون حولها ويعبرون منها وبعصنا فعل ذلك… كانت العملية صعبة شوية ولم تكن سهلة لأنه في بعض المرات كان “السبيحة” يخرجون وقد تعرضت أجسادهم للجراح من الصخر تحت المياه وفي المغارة. اعتقد أن كل جيلي والأكبر والأصغر مني قليلاً سجلوا حضورهم ومرورهم هناك.
أما مغارة الطفولة تحت تلة أو جبل سيروب مقابل تلة المية ومية ومخيمها وغير بعيد عن تلة أو جبل الحليب، تلك المغارة عثرنا عليها كأطفال بالصدفة وأثناء لهونا في المنطقة. كانت تقع تحت حقل العم أبو أحمد، هذا إذا لم تخنِ الذاكرة. كانت مغارة صغيرة شدتنا إليها ولفتت إنتباهنا وجعلت فضولنا أقوى من عقولنا، فأخذنا كأطفال نحفر ونبحش في المغارة حتى عملنا نفق كبير ووصلنا الى مسافة طويلة داخلها. كنا نستعين بقطع زجاج السيارات نشعلها فتضيء المغارة ونواصل زحفنا وحفرنا بشكل يومي الى أن صارت مغارة كبيرة.
من رفاق المغامرة تلك عدد كبير من أبناء حارات الصفصاف وطيطبا وعرب زبيد والملاحة والناعمة وبعض الرأس الأحمر وسعسع وعلما وقديثا وعكبرة والخ.. كل أولائك الأصدقاء كانوا من سكان الحارة الشرقية تلك والحارة الغربية لشارع الصفصاف أو الشارع الفوقاني.
أذكر من الأسماء بعض الأموات والشهداء أولاً: أنيس حمد، فريد حمد، غازي حمد، عبد حمد، عبد الرحمن حمد، زهير صبحة، وائل ومنذر الخطيب، أحمد خليل، طه شريدي، عامر خليل، وربما هناك آخرين غابت أسماءهم الآن عن بالي. فيما من الأحياء هناك: جمال وعماد ومحمد وأحمد وطارق حمد، نبيل خليل، محمود خليل -درباس- عبد القادر السيد، جمال حليحل العلعل، خالد الراشد حليحل، فواز شريدي وآخرين من عائلات الصفصاف وجيرانها في المخيم.. فيما بعد استولت حركة فتح على المغارة وأقامت فيها موقعاً ووضعت هناك رشاشاً من عيار 23 وكان في الموقع على ما أذكر الراحل عادل صالح زيدان والأخ ياسر شريدي وآخرين. وفي غزو 1982 تم قصف الموقع وتدميره من قبل الغزاة. لذا لا أعرف إن كانت المغارة موجودة أم دمرت وإن أقيمت مكانها عمارةء سكنية أو أصبحت جزءاً من مقبرة سيروب.
نضال حمد – موقع الصفصاف – وقفة عز
١٢-١١-٢٠٢٢