مقاطعة الصهاينة واجب قومي وانساني وأخلاقي
نضال حمد
منذ بدأت حملة مقاطعة (إسرائيل) ونحن نحاول جاهدين تكريس مبدأ المقاطعة بكل معانيه عبر تحديد الواجبات ومتطلبات العمل الموسع والحقيقي من أجل الخروج بنتائج عملية وفعلية فيها ما هو خير وما يبشر بالخير.
قلنا أننا لا نستطيع حمل السلاح والمحاربة جنبا إلى جنب مع المقاومة في فلسطين المحتلة لأننا في المنافي والشتات، ولا نستطيع المشاركة في قذف الاحتلال بالحجارة، لكننا في المقابل نستطيع تفعيل مقاطعة الكيان الصهيوني من خلال الكف عن شراء بضاعته ومنتجاته وحتى أفلامه وموسيقاه، وكل ما يمت له بصلة من قريب أو من بعيد. فكل برتقالة ندفع ثمنها هنا تتحول إلى قنبلة أو رصاصة تقتل فلسطينيا هناك، وتساعد كيان الإرهاب على التمادي في إرهابه من خلال قتل الأطفال والنساء وتشريد الأبرياء، وتدمير البيوت على ساكنيها من المدنيين العزل. فشجرة البرتقال الفلسطينية التي تذبل وتموت حزنا على زارعها اللاجئ تأبى أن تَقطف أو تَلم ثمارها أيدي سارقيها وحارميها من زارعها وراعيها، صاحبها الذي طرد بالقوة، وسلبت منه الأرض والديار بفعل الإرهاب والبطش والتزوير، والتزييف الذي لم يشهد له العالم مثيل. ف(إسرائيل) هي النتاج العقيم للاستعمار اللئيم الذي كان يستعمر بلادنا مباشرة وأصبح الآن يستعمرها بشكل غير مباشر، يستعمرها عبر وسائل وطرق أخرى تقوم (إسرائيل) بحراستها وحمايتها ورعايتها لتنعم هي نفسها بالدعم والرعاية من الاستعمار العالمي بقيادة أمريكا وبريطانيا. وتعلم (إسرائيل) الصهيونية أنه لا مكان لها بين الأمم لأنها بلا أساس وبلا أصول وجذور،فهي نتاج لعملية سلب الأرض وتزوير التاريخ مع عوامل سياسية وجغرافية و ديمغرافية أخذت من الحرب العالمية الثانية، وما نتج عنها من ويلات ذريعة لتجمع من خلالها كل اليهود ومن يدور في فلكهم من اللمم، وتزرعهم في فلسطين العربية على حساب حياة السكان الفلسطينيين الأصليين.
مطلوب من كل من هو مناصر ومؤمن ومؤيد للحق الفلسطيني أن يرفع عاليا شعار المقاطعة ويمارسه يوميا حتى يصبح شيئا عاديا مثل شاي أو قهوة الصباح للانسان. مع تطبيق المقاطعة ستزول من يومياتنا الأسماء والأشياء التي تتبع الاحتلال أو ينتجها هذا الاحتلال. ثم كيف لنا أن نستطيب البرتقال وهو مقطوف بأيدي الغاصبين أو أجبرت أيدي العمال الفلسطينيين الفقراء والمحتاجين على اقتطافه من أرض آبائهم وأجدادهم المسلوبة والمنهوبة. وهل هناك ما هو أبشع من البشاعة الصهيونية التي تمارس على أبناء فلسطين الخاضعين لسلطة سيف الإرهاب اليهودي الصهيوني الاستعلائي والأصولي.
هذا السيف المسلط على رقاب الناس في المدن والقرى والمخيمات الفلسطينية المحاصرة بالظلام وفاشية الأوباش الظالمين، الأوباش من بقايا أحفاد هرتزل وجيبوتنسكي وبيغين وغولدا مئير، ومن الخارجين من رماد الذين احترقوا في نعسكرات النازية الأوروبية، ليستعينوا بتاريخ غيرهم المأساوي، وجعله بالتزييف تاريخهم هم، كل ذلك من أجل كسر الإرادة الفلسطينية وإحلال لغة اللاعقل والتزوير والكراهية مكان لغة العقل والتسامح والأخلاق الإنسانية. انه الحقد المتسلح بعنف الاحتلال وبلغة الرعب وبكل ما في الصهيونية من فظاعة ترتكب بإسم الحفاظ على أمن الصهاينة. هؤلاء الذين يحرمون الفلسطينيين من الهدوء والأمن والطمأنينة.
ان المذابح والويلات والكبائر التي ترتكب يوميا في فلسطين بإسم الدفاع عن اليهود وما يسمى أرض (إسرائيل) ليست سوى الدليل على إجرام كيان (إسرائيل)، وسادية الفكر والمنطق والعقيدة التي تدير الناس هناك. عقيدة دموية تجعل منهم منذ الصغر مشاريع طغاة وقتلة وإرهابيين محترفين، تماما كما هو الحال مع جيل المجرمين الحاليين، الذين يحكمون الكيان الصهيوني، ويتحكمون بحياة الملايين من اليهود المُحتلين ومن ضحاياهم الفلسطينيين تحت الاحتلال.
هذه الزمرة الحاكمة في تل أبيب هي القنبلة التاريخية التي ستقضي على كيان (إسرائيل)، فهي مثل السُم الذي سيسمم صاحبه فيقتله ويريح الجوار منه. لأن العقلية تلك هي عقلية استعلائية تآمرية توسعية عدوانية لا يربط بينها سوى التزوير والمصلحة، والكيان الدخيل الذي جمعها لتشكل منه قاعدة متقدمة للمتآمرين على أمة العرب بأرضها وناسها وثرواتها ومعتقداتها.
ان مقاطعة هذا الكيان الهمجي الذي لا يعرف غير لغة التزييف والدجل والتحريف بفعل منطقه التخريفي والاستخفافي أصبحت من المطالب الملحة والدقيقة. فهي مطالب مهمة وفعالة جدا أثبتت من خلال التجربة صحتها وقوتها ومدى تأثيرها على الكيان المٌقاطع أو المعزول. فتجربة مقاطعة نظام الفصل العنصري الأبارتهايد في جنوب أفريقيا كانت تجربة فريدة وناجحة. وهي تجعلنا نؤمن أكثر بحتمية نجاح هذا الأسلوب النضالي في التعامل مع الكيان الصهيوني العنصري، طبعا الى جانب الكفاح المسلج وكل وسائل المقاومة الشعبية والفدائية.
يجب عدم الاستخفاف بالنتائج التي تبرز وتظهر بسبب المقاطعة، فالمقاطعة سلاح فعال جدا وحاد تؤتى ثماره عاجلا أم آجلا وغالبا ما تكون النتيجة مشجعة.
وما انعقاد المؤتمر التاسع والستين لمكاتب مقاطعة (إسرائيل) والذي بدأ أعماله في دمشق ويستمر حتى التاسع والعشرين من أكتوبر الحالي – ذكرى مذبحة كفر قاسم الرهيبة والتي ذهب ضحيتها 49 شهيدا فلسطينيا من المدنيين الأبرياء سنة 1956- إلا دليل على صحوة الأمة. فالأمة تصحو بالرغم من التخدير الأمريكي والصهيوني الذي يسود المنطقة العربية منذ حرب الخليج الثانية.
هنا وفي هذه المناسبة يجب أن نؤكد على ضرورة وقف العلاقات الدبلوماسية الاقتصادية والسياحية والتجارية والزراعية التي تربط بعض الدول العربية مع الكيان الصهيوني، وتحديدا مصر والأردن وموريتانيا… هذه الدول التي لم تكتفِ بعلاقاتها المرفوضة شعبيا مع (إسرائيل) بل أنها قاطعت المؤتمر المذكور…
ومنها من ذهب أبعد من ذلك عندما قام بإعتقال بعض قادة لجان المقاطعة لديه. ومن الجدير بالذكر أن هذا المؤتمر جاء تنفيذا لمقررات قمتي عمان وبيروت العربيتان، ولأحياء المقاطعة العربية وتفعيلها في الصراع مع الصهاينة.
ومعروف أن مكتب مقاطعة (إسرائيل) أنشأ عام 1951 من قبل جامعة الدول العربية، ومهمته وضع لائحة سوداء بأسماء الشركات (الإسرائيلية) والأخرى التي تتعامل مع (إسرائيل). هنا أجد أنه من الضروري التذكير بالمقاطعة الشعبية العربية لكل من يتعامل مع (إسرائيل) ويرفض مقاطعتها أو يدعو للتطبيع معها. فهذا الموقف الشعبي هو الذي يدعونا للتفاؤل والاستمرار في حملة المقاطعة وتعزيزها وتعميمها من أجل إنجازات أكبر تجبر المتخلفين على الالتحاق بقافلة المقاطعة. فحادثة منع الجمهور التونسي إدارة مهرجان قرطاج من عرض الفيلم التونسي الفرنسي المشترك فاطمة لمخرجه خالد غربال الذي شارك به في مهرجان (إسرائيلي) وأطلق العنان لتصريحاته التي تنادي بالتطبيع مع الصهاينة، ما هي إلا حلقة جديدة من حلقات المقاطعة الفعالة والصحيحة.
واقعة مهرجان قرطاج يجب أن تعمم لتشمل كل من لا يلتزم بالمقاطعة و لكي يعرف المتخلفون عن ركب القافلة بأنهم لن ينعموا بالراحة وسوف تنبذهم بلادنا و شعوبنا وكذلك أصدقاء القضية الفلسطينية العادلة في كل العالم.
2002 / 10 / 28
مقاطعة الصهاينة واجب قومي وأنساني وأخلاقي