مقالة إلى القوى السياسية في مصر 1 من 2- منير شفيق
الجزء الأول
يثير ما ظهر من خلاف داخل صفوف الإخوان المسلمين في مصر مجموعة من التساؤلات، التي تهم الوضع المصري وليس الإخوان المسلمون وحدهم.
ولهذا فإن هذه المقالة بعيداً عن التدخل في هذا الخلاف ستتناول أسئلة تعني الوضع المصري ككل، كما تعني القوى السياسية المصرية بعامة، سواء أكانت من معارضي النظام، أم من مؤيديه، أم ممن هم بين بين. وهي تعني النظام نفسه، ولا سيما الجيش الذي يشكل الآن القوّة القائدة من خلال عبد الفتاح السيسي، للنظام والدولة. وناهيك عما تعنيه لفلسطين وفك الحصار عن قطاع غزة.
أدّى انتصار ثورة يناير 2011، إلى إحداث تغيير عميق في موازين القوى الداخلية، بما يشمل الجيش والأجهزة الأمنية ومختلف مؤسسات الدولة، كما مختلف مكوّنات المجتمع المصري، ومختلف القوى السياسية.
لقد شكل نظام حسني مبارك، مع مرور السنين، ما يشبه الغطاء الثقيل الذي ربض على صدر مصر، مهمِّشاً بهذا القدر أو ذاك، مختلف مؤسسات الدولة والمكوّنات الاجتماعية والقوى السياسية، ومن ثم إخضاع الجميع. وقد وصل الأمر به إلى حد التواطؤ مع المحافظين الجدد في عهدَيْ جورج بوش الابن، كما السعي لتوريث ابنه جمال وفرضه على الجميع، ولا سيما على الجيش والأجهزة الأمنية.
ولهذا عندما أُزيحَ هذا الغطاء من خلال إسقاط حسني مبارك تشكلت معادلة داخلية جديدة، وكانت واحدة من سماتها الأساسية أن جميع القوى المصرية أصبحت أقوى، وراحت تتعملق وتطمح إلى أن تلعب دوراً رئيساً، أو الدور الرئيس، في تشكل النظام الجديد الذي سينبثق من المرحلة/المراحل الانتقالية.
فالجيش أصبح أقوى متسلماً قيادة مصر من خلال استقالة حسني مبارك، الذي سلم المجلس العسكري صلاحياته. وكذلك سرعان ما أعاد بناء الأجهزة الأمنية. وقد كشفت الانتخابات الرئاسية عن تنامي قوة كل من الإخوان المسلمين أولاً، كما تنامي قوى الناصريين والمستقلين والقوى الإسلامية الأخرى، بمن فيهم السلفيون. وتعاظمت قوة الكنيسة القبطية في مرحلة لاحقة. وثانياً، برز دور القضاء المصري والإعلام، بصورة خاصة، بروزاً كبيراً. وثالثاً، يجب ألاّ يُنسى هنا ما حاز عليه أحمد شفيق من أصوات انتخابية.
بكلمة، أصبحت مصر كالمرجل الذي يغلي، ودبت الحيوية والجراءة في شرايين الشباب والشابات وقوى الشعب بعامة. وهذا بمحموعة لا يسمح لأحد أن ينكر على ثورة يناير بأنها ثورة، وبغض النظر عن التطورات اللاحقة.
وهذا كله يفسّر ما انعكس عبر الانتخابات النيابية والشورية والرئاسية، أو عبر المعارضة التي تعاظمت يوماً بعد يوم لعهد محمد مرسي (إن جاز تعبير “عهد” لقصره، وعدم تمكينه من ممارسة السلطة)، وصولاً إلى التظاهرات المليونية في 30 حزيران/يونيو 2013، ثم 3 تموز/يوليو 2013 بإقالة مرسي وسجنه وتسلم قيادة الجيش السلطة كلياً. وبهذا انتهت الفترة الانتقالية الأولى بالإطاحة برئاسة محمد مرسي، وتسلم عبد الفتاح السيسي عبر انتخابات رئاسية جديدة رئاسة جمهورية مصر العربية.
واستمر المرجل بالغليان من خلال ما راح يواجه عهد السيسي، بالرغم من شعبيته، من معارضة، وتظاهرات طلابية – وشبابية وأهلية، بلا انقطاع تقريباً، ولو بزخم متواضع لا يقاس بما عرفته شوارع مصر في كانون الثاني/يناير 2011، أو في حزيران/يونيو 2013.
أما تفاقم الصراع المسلح في سيناء فلا يدخل ضمن إطار النهوض الذي عرفته مختلف القوى إثر ثورة يناير 2011، وإنما ضمن بروز ظواهر التطرف والعنف في ظل الاختلال الشديد الذي أصاب موازين القوى الداخلية والعربية والعالمية، وما نشأ من ذلك من فوضى وصراعات وتناقضات.
لقد تشكل الآن في مصر وضع جديد بعد الإطاحة الظالمة بالرئيس محمد مرسي، بالرغم مما حملته من مسّوغات، وما تبعها من مجزرة رابعة العدوية واعتقال المئات والآلاف من الإخوان المسلمين. وقد وصل الآن إلى عشرات الآلاف، وإصدار أحكام إعدام للمئات بالجملة و”الكمشة”، كما إجراء انتخابات ترشح فيها قائد الجيش إلى رئاسة الجمهورية على غير توقع الكثيرين من أنصاره. ثم ما تشكل خلال سنة من توسيع لصفوف المعارضة حتى شملت مجموعات من شباب ثورة يناير، مثلاً حركة 6 إبريل، وشباب الألتراس، فضلاً عن عدد من القيادات الناصرية واليسارية والشبابية المساهمة في 30 حزيران/يونيو و3 تموز/يوليو 2013.
تجسّدت واحدة من سمات نظام عبد الفتاح السيسي في الذهاب بعيداً في قمع الإخوان، والسعي لتصفيتهم تنظيمياً وسياسياً، فيما ذهب الإخوان بعيداً في المطالبة بعودة الشرعية وإسقاط الانقلاب. وذلك من خلال تحريض سياسي نادى بإسقاطه، ونشاطات تظاهرية متواصلة. الأمر الذي فاقم العلاقة بين نظام السيسي والاخوان إلى حد لاحت في الأفق احتمالات إعدام مرسي وبديع وبعض القادة، كما عبّرت عن ذلك أحكام الإعدام واستفتاء مفتي الديار الإسلامية حول تنفيذها، كما يقتضي القانون في حالات الحكم بالإعدام، إذ يتوقف تنفيذه على موافقة المفتي إلى جانب رئيس الجمهورية. وبهذا دخلت مصر طريقاً مسدوداً وخطراً. وما ينبغي لأحد أن يقلل من خطورة الوضع ومآلاته إذا ما استمر على هذا المنوال.
ضمن هذا المناخ خرج إلى العلن الخلاف بين تيارين كبيرين داخل الاخوان المسلمين، أحدهما أعلن أن خطه يتسّم بالسلمية ولا حياد عن ذلك. وثانيهما أعلن أن خطه ثوري سيلجأ إلى الأساليب الثورية في مواجهة النظام الانقلابي، باعتباره لا يفهم غير هذه اللغة.
بالنسبة إلى التيار الأول فخطه مفهوم وقد مورِس طوال الوقت منذ ما بعد قمع رابعة العدوية حتى اليوم. أما التيار الثاني فلم يُوضِّح، أو لم يتضح من خلال ممارسته، ماذا يقصد بالثورية. وهي بالمناسبة اصطلاح يساري وليس من مصطلحات اللغة الإخوانية لا قديماً ولا حديثاً.
طبعاً إن استخدام السياسة الثورية والأساليب الثورية لا يعني بالضرورة اللجوء إلى السلاح أو العنف. ولكنه يحتمله في تقاليد بعض اليساريين، وإن غلب استخدامه يسارياً بمعنى الموقف الجذري غير المساوم واللاتوفيقي. فالاختلاف بين التزام السلمية والثورية لم تتضح معالمه، ويظل تحديده شأناً داخلياً بين التيارين داخل الإخوان. وهو قابل للجمع بين النهجين إذا التزم الخط الثوري بعدم اللجوء إلى السلاح والعنف والحرب الأهلية.