مقال الرئيس عرفات يفسر الكثير –
بقلم: نضال حمد*
جاء في مقال كتبه الرئيس الفلسطيني ياسر عرفات لصحيفة نيويورك تايمز:
“أننا نبحث عن حل عادل لقضية اللاجئين ونحن متفهمون لإهتمامات اسرائيل الديمغرافية وندرك أن حق العودة سينفذ بصورة تأخذ هذه الإهتمامات بعين الإعتبار”.
نتوقع في المقابل تفهما (اسرائيليا) لمشكلة اللاجئين الفلسطينيين، يجدر بنا نحن الفلسطينيين أن نكون واقعيين بالنسبة لرغبات (اسرائيل) الديمغرافية. ويتوجب على (الإسرائيليين) التفهم بأنه من غير الوارد حل الصراع طالما يوجد تجاهل لحقوق اللاجئين الأبرياء”.
“انا ادين الهجمات التي نفذتها جماعات ارهابية ضد المدنيين الاسرائيليين.” .. وأضاف “هذه الجماعات لا تمثل الشعب الفلسطيني ولا طموحاته المشروعة في (نيل) الحرية. انها منظمات ارهابية وانا مصمم علي وضع نهاية لأنشطتهم”.
هل نحن أمام حملة أنقاذ دولية، عربية وفلسطينية للمجرم أرييل شارون؟
هذا بعدما وصل وبرنامجه للطريق المسدود حيث أثبتث سياسته الدموية والعنجهية فشلها وتحطمها على صخرة الصمود الفلسطيني. ولم تساعد شارون في ذلك المواقف العربية التي أتسمت بالصمت والتفرج على الفلسطيني وتركته وحده مع مصيره في مواجهة غير متكافئة مع عدو عنصري لا يرحم ولا يعرف الرحمة.
كما أن الخدمات المجانية والغنية التي قدمها بوش وادارته لدعم شارون وحكومته لم تجدِ نفعا ولم تنفع في حمل الأنتفاضة على الأستسلام والتسليم بما يطلبه شارون وشريكه الدائم بوش.
ولم ينفع الأجماع الصهيوني من اليسار الى اليمين في مواجهة وكسر أرادة شعب فلسطين المقاوم والماضي في طريق العزة والكرامة والحرية، حيث تحطمت تلك الوحدة الدموية بفعل التضحيات الفلسطينية العظيمة.
وكانت الفصائل الفلسطينية المعارضة لنهج أهل اوسلو أثبتث حرصها على وحدة الصف الفلسطيني من خلال تضامنها وألتفافها حول الرئيس عرفات في محنته الحالية في رام الله المحاصرة كما في بيروت عام 1982م. وألتزمت قاطبة بالمصلحة الوطنية العليا للشعب الفلسطيني رغم أن السلطة تجاوزت تلك المصلحة يوم أعتقلت أحمد سعدات وغيره من مناضلي شعبنا. كما أن أجهزة أمن السلطة قامت بأطلاق النار على المتظاهرين في نابلس وقتلت عضوا من حركة فتح التي بدورها ومن خلال شرفائها انحازت لنهج الرد على أعتداءات العدو بالمثل فكانت عمليتا الخضيرة والقدس التي نفذتها الفلسطينية وفاء أدريس.
دعونا نتساءل : هل مقالة أو عمار في النيويورك تايمز جاءت من فراغ أم أنها فعلا خضوع للضغوطات الأمريكية القديمة والجديدة؟
هذه المقالة والتصريحات الأخيرة تعتبر امتدادا لسياسة البالونات الأختبارية التي بدأت مع التصريحات السيئة والخطيرة للدكتور سري نسيبة الذي أصبح بقدرة قادر قائدا في المنظمة المغيبة والمشمعة بالشمع الأحمر الفلسطيني المستورد أمريكيا عبر دولة الكيان الصهيوني الدخيل.
لماذا يشارك بعض الفلسطينيين في حملة إنقاذ شارون في هذا الوقت بالذات؟
بصراحة نقول أنه يوجد مؤامرة أمريكية صهيونية بمشاركة عربية مطعمة ببعض الفلسطينيين هدفها تحقيق إنقلاب في الصورة عبر تغييب الرئيس الفلسطيني ياسر عرفات أو تكبيله تماماً بحيث يرضخ لمطالب شارون وبيريز ولجماعات الضغط الفلسطينية، المتمثلة بالذين أشرفوا على محادثات اوسلو . ومن ثم الموافقة والتوقيع على ذلك السلام الذي سيكون بمثابة إضافة نكبة جديدة لسجل النكبات الفلسطينية، لكن هذه المرة بمشاركة فلسطينية تتمثل بهؤلاء الأشخاص الذين يدافعون الآن عن مشروعهم المشترك مع بيريز ورهطه، لأن سقوط شارون يعني سقوط سلام اوسلو ومن حكم بإسم هذا السلام طيلة الفترة الماضية وحتى يومنا هذا. هكذا تفهم حملة الإنقاذ الحالية.
هم يريدون لسلام اوسلو أن يستمر لكن كيف له أن يستمر وهو كما قلنا حينها ولد ميتا يوم أعلنوه ووقعوا عليه لأنه سلام فاشل وغير منطقي وغير عادل بكل المقاييس.
هم يريدون لمصالحهم وامتيازاتهم أن تستمر على حساب شعب بأكمله يعيش تحت رحمة الاحتلال ومزاجية قادة وعناصر مخابرات وأجهزة أمن السلطة الفلسطينية.
إن هؤلاء هم الذين يتحملون مسؤولية ما آلت اليه أوضاع الفلسطينيين ومناطقهم المحاصرة والمجزرّة والمجزأة بفعل إقرارهم بما أراده المفاوض (الإسرائيلي) في جولات اوسلو السريّة وتوقيعهم على شرعيّة بقاء الإحتلال ومستوطنيه في مناطق السلطة. هم أنفسهم يجب أن يحاسبوا محاسبة جماهيرية عادلة وشاملة، تحاسب نهج اوسلو وتستنتج منه العبر كي تستطيع متابعة المسيرة بشكل صحيح، ومن أجل بناء وضع فلسطيني داخلي فيه نوع من الوحدة الوطنية الفلسطينية، ممثلة بوجود رسمي وعملي للمعارضة الفلسطينية في مؤسسات المنظمة وفي ميادين القرار والفعل داخل تلك المؤسسات المهيمن عليها من قبل محسوبيات السلطة وجماعاتها. هذه المحسوبيات والجماعات أثبتث عجزها وفشلها في مواجهة الواقع وفي إدارة الصراع في معركة شعارها الأساسي نكون أو لا نكون.
نقول بصراحة أن استمرار اعتقال أحمد سعدات أمين عام الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين وكذلك عشرات المناضلين الفلسطينيين لا مبرر له ولا يمكن تبريره وطنيا ولا حتى أمنيا. فأمن شعبنا في خطر وأرض وطننا محتلة و مستباحة، و شعبنا لا ينعم بالأمن ولا بالسلام ولا بالرفاهية التي وعد بها أهل اوسلو، وصوروها على أنها واحة الأحلام الآتية من جنات عدن بفعل المساعدات التي ستنهال على السلطة ومناطقها تكريما للسلطة وتشجيعا على انضوائها التام والكامل تحت المظلة الإقتصادية (الإسرائيلية). وكي تكون تابعة (لأسرائيل) أقتصاديا كما أرادها وكما يريدها الذين سلموا بأوسلو وأستسلموا لأغراءات سلامها، تلك التي ثبث فشلها مع أول هزة عنيفة حدثت في فلسطين، ثم جاءت الإنتفاضة لتعلن موتها ونهايتها.
إن الوحدة الفلسطينية المفقودة وغير المدرجة في حسابات أهل السلطة مطلب جماهيري ووطني عام وملح. وعلى السيد ياسر عرفات ومن خلفه من معه من قيادات السلطة الإقرار بعجزهم عن قيادة السفينة وحدهم، فالإبحار في منطقة مليئة بالألغام والقراصنة قد يجر السفينة ومن عليها إلى الهلاك الحتمي. السفينة الفلسطينية في الماضي استطاعت شق عباب البحار والمحيطات بطاقم موحد ومتفاهم نوعا ما فيما بينه. وكانت السفينة المسماة منظمة التحرير الفلسطينية هي أفضل مثال على وحدة المسار الفلسطيني وعلى القاسم المشترك والإجماع الوطني الفلسطيني، الذي غدا بعد اتفاقية اوسلو السيئة الصيت والسمعة والنتيجة مبعثرا ومشتتا وفي حالة ضياع وشتات تستدعي منا نحن الفلسطينيين وقفة جريئة، وقفة مراجعة ومحاسبة وإعادة تقييم للذات وبناء للمؤسسات واسترجاع للمنظمة المغيبة بفعل مزاجية وأهواء قيادة المنظمة والسلطة. تلك التي بقيت مهيمنة على مؤسسات المنظمة التي تم الحفاظ على بعض تشكيلاتها القيادية من أجل تمرير مشاريع مشبوهة لا تمر عبر استفتاء شعبنا الفلسطيني وسؤاله عن رأيه فيها وبمن يطرحها.
إن الأولا بالذين يتهافتون للقاء شارون ويستجدون لقاء بوش وأركان إدارته البائسة أن يلتفتوا لشعبهم ومصالحه لا لمناصبهم ولشركائهم (الإسرائيليين) الذي يعانون نفس أزمتهم بفعل فشل سلام أوسلو الملقب بسلام الشجعان.
على مهندسي أوسلو من الجانب الفلسطيني الكف عن الإستهتار بعقول أبناء شعبنا والامتناع عن المساومة على حقوقه وقضاياه من أجل أهواءهم وطموحاتهم الشخصية الضيقة.
هكذا نفسر لقائهم بشارون وهكذا نفسر أيضا جولاتهم المكوكية ولقاءاتهم بالصهاينة وبكل من يلتقونه هذه الأيام، بينما الرئيس محاصر ويخضع للأقامة الإجبارية في مقره في رام الله المحاصرة وشبه المحتلة.
هؤلاء السعداء بموافقة شارون على لقائهم وأستضافتهم لساعات قليلة في منزله في القدس لم يدروا أن شارون بهذا يريد سحب البساط من تحت أقدام أصدقائهم في سلام اوسلو بيريز وقائد حزبه أليعازر. شارون يعي ما يريد ويعرف ما يريده الذين التقوه من الجانب الفلسطيني.
لقد أرسل شارون خلال اليومين الماضيين رسائل واضحة للفلسطينيين حول استمراره في نهجه الصدامي المتمثل باستمرار حملة الاغتيالات وتدمير المؤسسات والبنى التحتية للسلطة الفلسطينية، مثلما حصل في مصانع جباليا يوم 4 شباط.
شارون يريد ايصال رسالة مفادها أنني أضرب بقوة وأتكلم مع الذي أختاره أنا وليس السيد الرئيس المحاصر في رام الله. أما السيد رئيس السلطة فيقول أنه هو الذي اعطى الأمر لأبي مازن وأحمد قريع ومستشاره الإقتصادي محمد رشيد بلقاء شارون في القدس، ولولا هذا القرار لما تم اللقاء.
ترى لمصلحة من مثل هذه اللقاءات التي تمنح شارون دعما وتعطيه أسنادا على الصعيدين المحلي والدولي. لماذا لا تصدر الأوامر بإطلاق سراح سعدات من قصر الضيافة الفلسطيني المسجون فيه تحت أرض المقاطعة برام الله، بقرار من الرئيس الذي قرر حتى آخر لحظة الالتزام بما وقع عليه مع (الإسرائيليين) من اتفاقيات أمنية، هم وحدهم المستفيدون منها وشعبنا الفلسطيني وحده المتضرر.
ثم لمصلحة من يكتب الرئيس عرفات في مقاله أن المقاومة إرهاب والمقاومون إرهابيون ولا يمثلون الشعب الفلسطيني وأنه سوف يلاحقهم ويحاسبهم. ثم الحديث عن مخاوف (اسرائيل) الديمغرافية من عودة اللاجئين ..
إن هذه التصريحات المكملة لبالونات سري نسيبة سوف لن تكون سوى الشمع الأحمر الذي ستقفل به أبواب الوحدة الوطنية الفلسطينية. وهذا الشمع نفسه سوف يستمر في أقفال أبواب مقاطعة رام الله المقفلة من كل الجهات حتى سلب الشعب الفلسطيني كامل حقوقه الشرعية والمعترف بها دوليا.
4-02-2002