مقهى أبو دياب الحلقة الثانية – عيسى العلي – إعداد موقع الصفصاف
عرفنا بأن أبي دياب العلي كان شغوفاً بالسياسة والفكر والمعرفة، وبأنه اقتنى راديو بسبع موجات جعلت أصوات وأخبار برلين وموسكو ولندن تصل الى قلب مخيم عين الحلوة، الى مقهاه بالقرب من مخفر الدرك اللبناني، الذي أصبح فيما بعد نيل المخيمات حريتها مكتباً للكفاح المسلح الفلسطيني، الذي كان ينظم حياة الفلسطينيين بالمخيمات في لبنان.
ربما ساعدت شخصية العم أبو دياب ومعلوماته النادرة والجديدة التي كان يسمعها من الصندوق الهولندي العجيب أي “راديو فيليبس أبو سبع موجات” في أن يصبح المقهى مقصداً لمن يهتمون بالسياسة والفكر والثقافة والمعرفة بشكل عام.
لذلك في وقت لاحق أصبح رواد المقهى أوغالبيتهم من أصحاب الاتجاهات الفكرية والسياسية المختلفة التي كانت منتشرة وسائدة في ذلك الوقت، مثل جماعة الحاج أمين الحسيني (الهيئة العربية العليا لتحرير فلسطين) ومن هؤلاء مثلاً، الحاج سليم الحاج من صفورية والحاج أبو سليم الحِدِق من وجهاء فلسطينيي صيدا وإسماعيل شريدي من بلدة الصفصاف، كذلك محمد سلوم من طيرة حيفا. سلوم وشريدي نُفيا من قبل السلطات اللبنانية الى السعودية ثم عادا الى المخيم بعد عدة سنوات في المنفى. كذلك كان يتردد على المقهى شباب من جماعة عباد الرحمن ومن القوميين السوريين وأيضاً من القوميين العرب.
من رواد المقهى كان نشطاء من حركة القوميين العرب التي تأسست بعيد النكبه من قِبَل الدكتور جورج حبش والدكتور قسطنطين زريق والدكتور وديع حداد والدكتور احمد الخطيب (الكويت) وآخرين. سرعان ما انتشرت الحركة في مخيم عين الحلوة و باقي مخيمات لبنان حيث انضم اليها كبار المثقفين والأساتذة أمثال أبو ماهر أحمد اليماني من قرية سحماتا وعبد الكريم حمد من قرية نحف وفرج موعد من صفورية وصلاح صلاح من عرب أبو شوشة، والشهيد محمد عبدالله شرارة من الصفصاف والشهيد الفنان ناجي العلي من الشجرة والمناضلين ابراهيم حسين من عرب غوير والشاعر صلاح حمد وعادل حمد وحسين وابراهيم خليل ومحمد اليوسف من الصفصاف والأستاذ محمد أيوب من الجش. كما انضم اليها آخرين كثيرين جداً جداً، فكانت الحركة الأقوى والأكثر انتشاراً بين فلسطينيي المخيمات. جدير بالذكر أن السلطات اللبنانية قد نفت الاستاذ فرج موعد الى سوريا في نهاية خمسينات القرن الماضي. تلك كانت سياسة السلطات اللبنانية، التي لم تكن تنظر بعين الرضا لوجود الفلسطينيين في لبنان، فمنذ النكبة تعاملت معهم بشكل غير أخوي وعدواني وقمعي.
في ذلك الزمن بالتوقيت الفلسطيني المخيمي حظي مقهى أبو دياب العلي بمكانة مرموقة ومميزة. فقد كان له النصيب الأكبر من استقبال اللقاءات التي كانت تجري بين أعضاء حركة القوميين العرب، كالمناضل والفنان الفلسطيني الكبير الشهيد فيما بعد ناجي العلي وشقيقه حسين العلي، الذي نُفي الى سوريا في خمسينات القرن الماضي عملاً بالسياسة التي كانت متبعة من قبل السلطات اللبنانية.
حركة القوميين العرب التي ولدت رداً على النكبة ومن أجل تحرير الوطن العربي من الاستعمار الغربي المعادي، إمتدت من الخليج الى المحيط ومن المحيط الى الخليج، فأضافت زخما كبيراً إلى الحالة الفكرية والسياسية والثقافية في المخيم، كما في كل مخيمات شعبنا أينما كانت داخل وخارج الوطن المحتل. لاقت الحركة وقادتها إستحساناً من قِبَل أبناء المخيم، خاصة بعد قيامها بتشكيل جناح عسكري عرف بإسم شباب الثأر الى جانب مجموعة أبطال العوده وعملا بنفس الزمن مع مجموعة جبهة التحرير الفلسطينية (الشهيد علي بوشناق). كانت مجموعة شباب الثأر هي الجناح المسلح للحركة. على إثر هزيمة ونكسة حزيران 1967 تداعت المجموعات الثلاثة وشكلت معاً ائتلاف الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين. قبل التشكيل نفذت حركة القوميين العرب عمليات فدائية منها عملية الشهداء رشيد عساف وسعيد العبد ومحمد اليماني والأسير سكران سكران في 21-10-1966. ولا ننسى الشهيد الأول خالد أبو عيشة الذي استشهد في اشتباك مع الصهاينة في 2-11-1962.
من رواد المقهى هناك المناضل العريق بطل رواية الأاديب اللبناني الياس خوري “باب الشمس” وبطل قصص كتبها غسان كنفاني مستوحاة من تجربة وحياة المرحوم أبو صالح الأسدي – سعيد الصالح من بلدة شعب في الجليل المحتل ومن مخيم عين الحلوة. كذلك أبو خالد أمين السعيد وأبو العبد مفلح الموعد من صفورية، كانا من المقاتلين القدماء. كذلك المناضل العريق أبوفايز – محمد سعيد شريدي من ,اوائل شباب حركة القوميين العرب، والمناضل أحمد القاضي – كردية – والأستاذ الشاعر محمود صبحة – أبو شوقي- من الصفصاف. ولا ننسى محمد توفيق زيدان وكامل حجير مدير المخيم وأحمد الشعبي وإخوته محمود وبركات وعلي ومحمد. هناك كذلك المناضل مصطفى الابراهيم الذي استشهد اثناء انقاذه طفلا تعرض وعائلته لغاره صهيونية وشقيقاه أحمد وصلاح وأيضاً هناك أحمد النصر و الكابتن محمود العجينة والغاندي ونجليه أحمد ومحمد.
من رواد المقهى كذلك الأستاذ فيصل العابد مدير مدرسة قبية والحاج كمال كريِّم والشهيد يوسف منصور(صفورية)، الذي استشهد نتيجة سقوط طائرة تدريب سورية بسبب خلل تقني سنة 1966 على حافلة كانت تقل مسافرين بين بغداد ودمشق. جرت الحادثة قرب الحدود العراقية واستشهد فيها الضباط الفلسطينيون من الفيلق الفدائي الفلسطيني في العراق، وهم من أبناء مخيم عين الحلوة، الشهيد عدنان حمد ابن العم أبو عليوة حمد من الصفصاف وجاره وصديقه ورفيقه الشهيد محمد صالح العثمان، من ترعان. استشهد معهما شهيد آخر من فلسطينيي صيدا، هو إبن شخص كان يدعى “أبو الشكر”… وكان هذا الرجل مشهوراً بقرع الطبل في أثناء الموالد وخصوصاً المولد النبوي الشريف.
في حديثنا مع دياب العلي عن مقهى والده المرحوم أبو دياب قال لنا أن عرباً من حركة القوميين العرب كانوا يزورون المقهى في المخيم. من هؤلاء المناضل اليمني “قحطان الشعبي” الذي كان في ذلك الوقت في لبنان. كان صديقا لأاعضاء من حركة القوميين العرب في مخيم عين الحلوة، خصوصا محمد توفيق زيدان. كما أن الشعبي كان أول رئيس لجمهورية اليمن الجنوبي وعرف باسم قحطان الشعبي. زار مخيم عين الحلوة وألتقى الأستاذ فيصل العابد الذي أهداه قميصاً أبيضاً. يقول دياب العلي: ” طبعاً بعد تحرير عدن عرفنا أن ذلك الشخص كان المناضل فالرئيس قحطان الشعبي”.
إعداد نضال حمد وموقع الصفصاف
يتبع الحلقة الثالثة