مقهى أبو دياب العلي الحلقة ال 16 – من ذكريات وحكايات مخيم عين الحلوة
إعداد نضال حمد وموقع الصفصاف
كان للمقهى رواده الدائمين من “الختيارية” الأفاضل، الذين كانوا يمثلون مجموعة من البلدات والعائلات الفلسطينية. كذلك كانوا مجموعة من حفظة الأمثال الشعبية والحكم العربية والأشعار الزجلية والأخرى الشعبية الحماسية. كانوا ولازالوا بركة المخيم، مضوا قبل أن يحققوا حلمهم بالعودة الى البلاد كل البلاد. يعني أن يعود أبو سيدو الى غزة وأبو رضا السيد خميس الى اللد وأبو سليم باكير وأبو سعيد عبد الغفور الى عكا. فيما يعود أبو صالح الأسدي الى شعب ودير الأسد وأبو دياب العلي الى عرب زبيد وأبو جمال حمد وأبو فايز شريدي وأبو غالب الصالح وأبو كامل يونس الى الصفصاف. ويعود الاسطورة جلال كعوش الى ميرون… وأبو حسن المطهر وأبو عيسى المقدح الى الغابسية ودياب العزابي الى عين غزال وأبو محمد السيد الى سعسع وأبو صالح ورجا خريبي ودياب الصقر الى المنشية. كذلك ختايرة صفورية ولوبية والزيب وعرب غوير وعمقا وحطين والسميرية والمزرعة والرأس الأحمر وطيطبة والجش وعكبرا والنهر والبصة وقديثا وعلما والطيرة والدلاثا وعرب ابو شوشة والدامون وفراضية وإجزم وعين غزال وأم الزينات والشجرة والذوق وكل بلدات فلسطين الى فلسطينهم. أجدادنا وآباؤنا ماعادوا أحياء… إذن فلنقسم أن نعيد رفاتهم ونجمعها برفات آباءهم وأجدادهم في فلسطين الكاملة.
من ختايرة المخيم ورواد مقهى أبو دياب هناك حفظة الأمثال الشعبية كالحاج أبو عيسى المقدح من قرية الغابسية. أيضاً من حافظي الأمثال نجد رحمة الله عليه أبو فيصل شبايطة (المُنَجِد) والملقب بأبي فيصل (مَسانِد) نسبة الى المِسنَد. في هذا الصدد يقول دياب العلي أنه وبعض أقرانه من الفتية والشباب قد تعلموا وحفظوا الكثير من الأمثال الفلسطينية الشعبية من ختايرة المخيم والمقهى.
دعونا نستعرض معاً بعض تلك الأمثال:
“العرس في دَبورية (قرية فلسطينية) والدبكة في (المجيدِل)”.
يُقال هذا المثل في حال يدخل الشخص في موضوع بعيد عن الموضوع الأصلي.
أنا كاتب هذه السطور لا أعرف لماذا هذا المثل يذكرني بأغنية أم كلثوم رحمها الله “إنت فين والحب فين” ويأخذني الى أجوائها الجميلة.
أما عن الأمثال والحِكَم الشعبية التي تبرر الانهزام فقد كنا نسمع مثلما كما سبق وسمعها دياب العلي وجيله من ختايرة المخيم. فأولائك الكبارهم ذاكرة فلسطين، التي خزنت الكثير من الأمثال، التي تتناسب والحدث أو المناسبة. مثلاً: “مية كلمة جبان ولا كلمة الله يرحمه” أو “الهريبة ثلثين المراجل”. كذلك المثل الذي يقول “حُطْ رأسك بين الرووس وقُول يا قطاع الرووس”…
هذه الأمثال تستخدم في التعليق أو وصف الحالة السلبية الجمعية. يعني أذا كان الجميع سلبيين فكن مثلهم وانضم إليهم أحسن ما تصير مثل “العاقل في بلاد المجانين” أو “مفتح بين العُميان”. صديقنا دياب علق على ذلك بالقول أن “الختايرة كانوا يحذروننا من هكذا أمثال حيث أنها لاتعكس مرآة وحقيقة شعبنا في التراث الحقيقي”. لكن بالنهاية نحن شعب مثل كل الشعوب في كل الدنيا فينا الصالح والطالح. فينا ناس “بتحطهم عالجرح بيطيب” وفينا ناس “مثل الحمص بالزفرة” كما يقول مثلنا الشعبي الفلسطيني.
هناك أمثال شعبية سمعناها من الختايرة واستخدمناها فيما بعد ونستخدمها اليوم وسوف يستخدمها أبناؤنا وأحفادنا الى يوم الدين ومنها (إمشِ جنب الحيط وقول يا رب السترة). يستخدم هذا المثال في فلسطين وبلاد الشام حيث يوازيه ويوافقه في مصر المثل القائل (إمش جنب الحيطه تسلم). كما هناك مثال آخر يستخدم كثيراً من قبل عامة الناس وهو “الحيطان لها آذان”. يعني اصمت و”احفظ لسانك فإن حفظته صانك”.
الختايرة كانوا يقولون أمثالاً مختلفة فكل مثل له قصة طبعاً وقد توارثوها عن آباءهم وأجدادهم، مثلما نحن توارثناها عنهم وسوف يتوارثها عنا أبناؤنا وأحفادنا.
في الحديث عن العزة والمجد والفخر ومجابهة العدو والظلم والطغيان وفي الاعتماد على النفس هناك أمثال معينة ومنها::-
“ما بفلح الأرض غير عجولها” أو “يا طالب يا إبن المقروده بيع كتبك وإشتري باروده”. وهناك أيضاً “فلسطينية من كنعان والكل بعرفنا إذا جِعنا من طين بلادنا أكلنا”. كذلك “اثنين “بوجِبْن الموت الأرض، والعرض” أي أن الأرض تستحق التضحية والموت في سبيل الدفاع عنها فهي مرتبطة بالشرف والكرامة والسيادة. كما هناك المثل التالي “إذا حدا بده يركبك، هز أكتافك” أي أن على الانسان أن لا يسمح لأحد بأن يتحكم به وأن يكون حراً وسيد نفسه. هذا يذكرنا بمقولة مأثورة للخليفة الفاروق عمر بن الخطاب “متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحراراً”.
لدينا أيضا أمثلة وحكم أخرى منوعة: “إذا لم تكن ذئباً أكلتك الذئاب”. هذا المثل يستخدم ويقال في أن القوة هي التي تحمي الحقوق وتصون الكرامة. يعني كما قال الزعيم جمال عبد الناصر “ما أخذ بالقوة لا يسترد بغير القوة”. كما لدينا مثل يقول “الجور ما بحمله الثور” أي أن الظلم والقمع والقهر لا يمكن تحملهم ويجب مواجهتهم ورفضهم. هذا ما حصل مع ختايرتنا ورجالنا وشبابنا وأهلنا في المخيمات يوم ثاروا على ظلم وقمع المكتب الثاني اللبناني في نيسان 1969.
هنالك من “الختياريه” الذين يتمتعون بروح النكته وخفة الظل وفي هذا يقول دياب العلي “لم يكن جيلنا يمِل من الاستماع لأحاديثهم، خصوصاً عندما كانوا يحدثوننا عن الحياة اليومية في فلسطين ما قبل النكبة. فهناك منهم من كان يستخدم اسلوباً شيقاً في الكلام، كأن يسأل الذي يستمع إليه: “إسّ بدك المزبوط وللا ابن عمه”، المستمع يجيب: “بدّي المزبوط”، يعني إحكيلي الصح. يتابع صديقنا أبو عمر حديثه عن ذلك “في إحدى المرات قال الرجل الختيار المتحدث للمستمع: “بدك المزبوط وللا ابن عمه”. رد عليه الشخص الآخر “بدّي ابن عمه” فصمت المتحدث عن الكلام و بان عليه الغضب. ثم قال مش رايح أقولك المزبوط ولا إبن عمه. لكن في اليوم الثاني تصالحا وكأن شيئا لم يكن. سهرا معاً في مقهى أبو دياب العلي، حيث كان بالأمس حصل الخلاف وحيث اليوم لم يعد هناك أي خلاف فقد عادت المياه الى مجاريها.
يتبع
اعداد نضال حمد وموقع الصفصاف
05-12-2021