ملتقطو الرايـة وبطش المذعورين – عبداللطيف مهنا
مع تصاعد اشكال المواجهة المصيرية المحتدمة الآن بين الشعب الفلسطيني الأعزل والاحتلال الصهيوني الباطش واتساعها لتشمل الخارطة العربية الفلسطينية من رفح إلى الناقورة ومن النهر إلى البحر، مصحوبةً بارتفاع منسوب عمليات الطعن الفدائية البطولية الفردية الطابع، كمستجد اتسمت به اشكال المواجهة ضد المحتلين واتساع مواقعها، يتصاعد بالتوالي مؤشر بورصة التسميات الإعلامية لهذه المحطة النضالية الفلسطينية، ليرسو في اغلبه على توصيفها بهبَّة شعبية في سبيلها إلى انتفاضة ثالثة منتظرة، وانهالت التنظيرات حسنة النية وخبيثها من حولها، فطلع علينا من يرسم لها اهدافها، إما مقزِّماً لها أو مبالغاً فيها، بيد أن أخطرها كان التحذير من مآلها إلى الفوضى بسبب من عفويتها وبالتالي انعدام وجود القيادة المجرِّبة التي تخطط لها وتديرها، والتباكي على ما يعدونه الاستشهاد المجاني لشبانها المترتب على انعدامه.
لسنا هنا بصدد الرد، لأنه سوف يأتي من ميادينها في مقبل الأيام وهى وحدها من سوف يتكفل به…فقط نذكِّر بما كنا قلناه في مقالنا السابق من أنها حالها حال سابقاتها من المحطات النضالية المتتالية على مدار الصراع لم تأخذ إذناً من أحد ولم تنتظر نصيحةً ناصح ولا تلتفت لتحذير محاذر…وللباحثين عما ينعتونها به قلنا لهم، سمُّوها ما شئتم فهذا لن يغيِّر أو أو يبدِّل من كون أنها ما هى إلا واحدة من مستجد ابداعات شعبها الكفاحية التي تجود بها عبقريته النضالية المبتكرة دائما للمفاجىء والمختلف من اشكال المواجهة المتناسبة مع ما تسمح به المراحل التي يمر بها نضاله ذاتياً وموضوعياً، لكن لاتحمِّلوها ما هو فوق طاقة شعبها، الذي قام ويقوم وسيظل بما عليه من مهمة هى ادامة الاشتباك مع عدو الأمة كلها، أي لاتطلبوا منه أن ينوب عنها فيما هو مهمتها هى والتي وحدها القادرة والمسؤلة عن القيام بها، أي حسم الصراع، والذي لايكون إلا بتحرير كامل فلسطين.
وإذ ذكَّرنا بما كنا قلناه فقد بات لزاماً أن نزيد الآن عليه، بأننا لانريدها حتى انتفاضة ثالثة، بمعنى نسخة من سابقاتيها، ولا أن تنتهي إلى ما انتهتا إليه، وإنما محطة نضالية لها مابعدها، بمعنى تنطلق مما راكمته سابقاتها، اللواتي لم ينقطعن منذ أن كانت أولاهن المعروفة بهبَّة البراق، لتؤسس للاحقاتها في صراع وجود تناحري قاس ومديد، يذكِّرنا نتنياهو يومياً، ومنه تصريحاته المذعورة الأخيرة، بأنه لن يحسم إلا بانتصار احد طرفيه كلياً في نهاية المطاف، بمعنى إما نحن أو هم…ويقول لنا التاريخ ما تؤكده الجغرافيا ويؤشر عليه رعبهم الجنوني المستفحل الآن من مجرَّد ما يصفونه ب”انتفاضة السكاكين”، بأننا المنتصرون وهم المندحرون.
…نريدها دائمة، هدفها التحرير ووسيلتها كافة اشكال المقاومة، التي يوفرها شعب لم ولن يبخل بتقديم ما تتطلبه من تضحيات…شعب كل خطايا وكوارث وعار الراهنين العربي والفلسطيني وفوقهما الدولي ومعهما العربدة الصهيونية المنفلتة لم تقعده عن استعداده الدائم لتوفيرها، بل لعل في هاته الخطايا والكوارث وهذا العار، أو ما تستند اليه العربدة المستفردة، على فداحته ومعوقاته، المحفِّز لانثيال المزيد والجديد والمبتكر من عطاءات هذا الشعب المناضل واسطورية صموده المذهلة.
وحيث أن من شأن اهوال المعاناة والعذابات الفلسطينية المديدة والمستمرة انتاج اجيال المبهر فيها أن لاحقها اشد صلابة من سابقه، فالمشهد الراهن يشي بأن جيل ما بعد المصيبة الأوسلوية قد التقط الراية ليتجاوز بها الفصائل وتنزوي السلطة في المقاطعة لائذةً بتنسيقها الأمني مع المحتل، وتؤشر فدائية عمليات الطعن الإستشهادية وفردانيتها وتصاعدها أن الشعب، الذي وحدته المواجهات واعاد شلال دمه رسم خارطة كامل فلسطينه التاريخية ماحياً خطوط الاحتلالات خضرها وحمرها، قد أخذ على عاتقه إعادة الاعتبار لمفهوم حرب الشعب ولو بما ملكت أيمانكم. كما علينا أن لاننسى أن جل الهبات والانتفاضات والثورات التي عرفها التاريخ تبدأ عفوية ووحده الميدان ينتج قياداتها ويدشِّن برامجه. لكن، علينا ألا نُغفل أيضاً أنها إنما محصَّلة ثقافة وموروث نضالي يتوارثهما الصغير عن الكبير وتشحذها عذابات يومية واستحقاقات نكون أو لانكون، إذ لامن ظاهرة منفصلة هنا. ولا بد من التنويه ايضاً بأن كل الفلسطينيين مسيسون وليسوا في حاجة لوعاظ السياسة الذين يتكاثرون الآن عبر الشاشات. والمهم الأهم الآن هو إن ملتقطي الراية في هذه اللحظة الفلسطينية الفارقة، والذين لاتتجاوز اعمارهم العقدين، يعيدون من جديد نسج الهوية الوطنية المقاومة والجامعة لشعبهم وطناً وشتاتاً، والتوكيد على مسلَّمة مادام هناك احتلال تكون المقاومة.
إنه أما وإن الأمن يشكل بعداً من ثلاث قام عليها الكيان الصهيوني في فلسطين، والأخريان هما الدور الوظيفي في سياق المشروع الغربي المعادي في دنيا العرب واساطيرهم وخرافاتهم الملفقة، بحيث أن أي اهتزاز لأحدها يطرح تماسكه ومسألة بقائه برمته قيد التساؤل، لذا هم الآن يرون في الحالة النضالية الفلسطينية الراهنة “حرباً وجودية” عليهم، ويرون في كل عربي في فلسطين سكيناً سيطعنهم وكل سيارة يقودها ستدهسهم، والثكنة الصهيونية الآن بكاملها ممتشقة لسلاحها وصهاينتها ما بين المتمترس خلف الحواجز وقلاع الخرسانة أو المختبىء في بيته ويخشى الخروج منه. اسقط في يدهم، وما المغالاة في البطش والدعوة لمزيده إلا انعكاس لذعر يتملَّكهم جعل نتنياهو يستنجد بكيري القادم للمنطقة في مقبل الأيام “لمنع الانفجار”، يضاف اليه انبعاث الحياة المفاجىء في رميم “الرباعية الدولية”…الغضب الفلسطيني الآن بات خارج القمقم، وعلى الفصائل الوطنية اغتنام اللحظة والارتقاء الى مستوى الحالة الشعبية.