منظمات المجتمع المدني في فلسطين المحتلة
ما بعد إتفاقيات اوسلو بأهدافها الصهيوامريكية..
بقلم : أكرم عبيد
في البداية لا بد أن نطرح بعض الاسئلة للتعرف على منظمات المجتمع المدني وتعريفها ؟ وما هي منطلقاتها وأهدافها الحقيقية في فلسطين المحتلة ؟ وكيف يمكن أن تكون تعبيراً حقيقياً لتطور شعبنا وحماية حقوقه الوطنية وقضيته العادلة من خلال تعميم ثقافة المقاومة والصمود في مواجهة المحتل . أو أن تكون أداة لتخريب عقول الشباب وتشويه ثقافته وهويته وإنتمائة الوطني الحقيقي وحرف بوصلته عن اهدافة الوطنية لتشريع الاحتلال والاستيطان والصمت عن إرتكاب جرائم الحرب بحق شعبنا الفلسطيني تحت الاحتلال ؟
في الحقيقة لقد عرف قاموس “أوكسفورد” السياسي المجتمع المدني بأنه “مجتمع المؤسسات التي لا تتبع الدولة ولا ترتبط بها كما لا تتبع عائلة أو حزباً أو تنظيماً من التنظيمات. وهو المجتمع الذي يضم مؤسسات تطوعية وهيئات تعاونية لتقدّم خدماتها مجاناً لرعاية الأيتام ، والحد من الفقر والأميّة بأشكال واساليب مختلفة هدفها خدمة الوطن والمواطن بشكل تطوعي حر .
لكن بعض المنظرين العرب المتصهينين من أمثال سعد الدين إبراهيم وبرهان غليون يرى ان الرهان على المجتمع المدني كوسيلة لإحداث التغيير في نظام سياسي ما قائم دون ان يكون لهذا النظام أي صلة بما يسمى ” منظمات المجتمع المدني ” كما تريد الانظمة الغربية الاستعمارية وأجهزتها المخابراتية للتغطية على ما يسمى ” الفوضى الخلاقة الصهيوامريكية ” التي يريد الغرب من خلالها أن يحوّر أهداف حركات الشعوب ويتحكم بمساراتها وبالتالي لا يمكن التمييز بين شعب ثار بكلمته ودمه على نظام حكم رجعي عميل ظالم مرتهن للعدو الصهيوامريكي كما في تونس ومصر واليمن، وبين تحرّك إنقلابي مسلّح مشبوه يعيث فساداً وتخريباً في سورية التي يقودها نظام وطني تقدمي قومي عربي معادٍ للسياسات والمخططات العدوانية الصهيوالأميركية وكل ذلك تحت شعار ما يسمى ” الحرية ” وتطلّعات المجتمع المدني التي تقوم على اسس تعميم ثقافة الفتنة الطائفية والمذهبية .
وفي الحقيقة أن مجتمعنا الفلسطيني يخلتف عن المجتمعات العربية في بلدانها المستقلة بسبب وجوده تحت الاحتلال الصهيوني مما جعله غني بالتجارب الحية والناجحة في مجال منظمات المجتمع الوطني الفلسطيني التي شكلت ركيزة اساسية من ركائز النضال الوطني الفلسطيني الناشطة في مقاومة الاحتلال الصهيوني وتعزيز صمود شعبنا في مختلف المجالات الحياتية والاعتماد على الذات الوطنية منذ بداية عقدي الثمانينات والتسعينات عندما بادرت جامعة بيرزيت في تشكيل اللجان الشعبية من الشباب الفلسطيني المتطوع ولجان الإغاثة الطبية والإغاثة الزراعية وغيرها من اللجان والمنظمات الاهلية التي بذلت جهودًا ممتازة ساهمت في تمهيد الطريق لأول انتفاضة شعبية ما بعد إنطلاقة الثورة الفلسطينية المعاصرة عام 1965 .
وقد نجحت هذه المنظمات المجتمعية بإمتاز في مواجهة الحصار الصهيو في مرحلة الانتفاضة الشعبية الكبرى التي استمرت حوالي خمسة سنوات متواصلة في مواجهة الاحتلال حتى تم ذبحها بعد توقيع إتفاقيات اوسلو وسيئة الذكر.
لذلك فقد إختلفت الظروف بعد توقيع إتفاقيات اوسلو بين بعض القيادات المتنفذة في م . ت . ف وسلطات الاحتلال الصهيوني عام 1993 وما ترتب على هذا الاتفاق من تداعيات سلبية إنعكست بشكل مباشر على شعبنا الفلسطيني المقاوم داخل وخارج فلسطين المحتلة وفي مقدمتها تم إعادة رسم الخارطة السياسية والاجتماعية بما يتناسب والوضع الجديد بعد تأسيس ما يسمى سلطة الحكم الذاتي في الاراضي الفلسطينية المحتلة عام 1967.
لهذا السبب فقد وجدت المنظمات الاجنية المسرح الفلسطيني في الاراضي الفلسطينية المحتلة مهيأ وجاهزا لإختراق المجتمع الفلسطيني تحت الاحتلال من خلال تأسيس بعض ما يسمى منظمات المجتمع المدني NGO’S المعروفة بالمنظمات الغير حكومية التي نجحت في ترويج الأفكار والسياسات الليبرالية وأوهام السلام المزعوم مع سلطات الاحتلال الصهيوني من جهة والتخفيف من بشاعة الاستيطان وجرائم العدوان ضد شعبنا في الاراضي الفلسطينية المحتلة للحديث عن إنتاج جيل جديد من الشباب الفلسطيني بمواصفات غربية متصهينة بامتياز وقناعات ليبرالية تنظر للصراع العربي الصهيوني الوجودي نظرة لا تتجاوز حدود ” النزاع ” بين طرفين أي بمعنى انه لا يمكن حل هذا النزاع إلا عن طريق المفاوضات والحوار والتطبيع وإقامة علاقات طبيعية مع هذا الكيان المصطنع بالقوة الناعمة الاستعمارية الغربية القديمة الجديدة وخاصة بعدما سيطرت على بعض الاحزاب والقوى والمنظمات الاهلية بعد تقديم خدمات شكلية غير إنتاجية وتأطيرها ضمن أشكال وممارسات إدارية وتدريبية واغاثية .
نعم لقد نجح نظام العولمة الصهيوامريكي في إغراء وإغواء الالاف من المثقفين الفلسطينيين الذين استجابوا للمغريات المالية (الدولار) للترويج للبضاعة الصهيوامريكية الفاسدة من اجل صنع ثقافة الاستهلاك والهبوط والتطبيع مستخدمين في تلك المفاهيم المُصنَّعه بشكل مسبق مثل : إصلاح اجهزة السلطة ، التنمية المستدامة , وحقوق الإنسان والمرأة ، التسوية و”السلام المزعوم أو التصالح” مع “إسرائيل” مواجهة عبثية العنف أي ” المقاومة ” الخ .
مما اعاد تشكيل المشهد الفلسطيني على قاعدة مغادرة م . ت . ف موقع حركة التحرر الوطني ومقاطعتها بعد تأسيس سلطة معازل اوسلو التي أعاقت قدرة المجتمع الفلسطيني على إنتاج نخب وطنية فلسطينية مقاومة لتجعل من الشعب الفلسطيني مفككاً وعاجزاً امام الاغراءات المالية والتدخلات الخارجية المعادية لقضيته الوطنية وحقوقه التاريخية في فلسطين كل فلسطين .
وقد ثبت بالملوس الارتباط الجدلي بين التمويل الاجنبي والتطبيع مع العدو الصهيوني من خلال هذه النخب المشبوهة من المثقفون والأكاديميون ذوو الثقافة الغربيّة.. ومثقفو بقايا (م. ت. ف).. الذين انتقلوا من المشروع الوطني التحرري المقاوم إلى مشروع أوسلو التصفوي وفي مقدمتهم معظم أعضاء الوفد الفلسطيني المفاوض مع العدو الصهيوني منذ مؤتمر مدريد حتى اليوم الذين عملوا في منظمات ” NGO’S ” وفي مقدمتها منظمة (فافو) النرويجية التي كان يترأسها تيري رد لارسون التي تدعو للتطبيع والقبول الشعبي العربي بالكيان الصهيوني في سياق ما يسمى النظام الشرق اوسطي المتصهين الكبير والتي يعود لها الفضل في ترتيبات توقيع اتفاق اوسلو سيء الذكر وملاحقه الخيانية.
ثانياً: بعد توقيع اتفاقات أوسلو عام 1993 ومعاهدة وادي عربة عام 1994 تبلور ما سمي بتحالف كوبنهاجن ، الذي ضم عدداً من المعنيين بالفكر والاقتصاد وأشباه المثقفين من مختلف الاتجاهات وممن كانوا محسوبين ذات يوم على الصف الوطني والقومي واليساري والإسلامي ممن سخروا كل إمكانياتهم وجهودهم للدفاع عن التطبيع مع العدو الصهيوني في مختلف المجالات باسم الواقعية.
ثالثاً: بعدما تعاظت العمليات الاستشهادية ضد الاحتلال في سياق مفاعيل انتفاضة الأقصى عملت الإدارة الأميركية بالتنسيق مع نظام مبارك آنذاك على عقد ما يسمى بمؤتمر السلام في الشرق الأوسط في شرم الشيخ في تشرين أول 2000 ، والذي انبثق عنه بعثة لتقصي الحقائق برئاسة السناتور الأميركي جورج ميتشيل بهدف وقف الانتفاضة التي أوقفت الهجرة اليهودية إلى فلسطين ودفعت قادة الكيان الصهيوني إلى طرح سؤال جدي حول وجود الكيان في ظل التهديد الجدي المباشر من قبل الفدائيين الفلسطينين الاستشهادين .
فصدرت التوجيهات بشكل مباشرلتحرك أنصار التطبيع في المنطقة الذين بدأوا بتوقيع ونشر بيان في صحيفة القدس المقدسية بتاريخ 20-6 – 2002 وفي مختلف وسائل الإعلام المتصهينة وبتمويل من الإتحاد الأوروبي ضد العمليات الاستشهادية متجاهلين جرائم العدو الصهيوني بحق شعبهم الفلسطيني المقاوم .
هذه بعض النماذج التي إعتمدت عليها سلطة معازل اوسلوفي تحويل معظم أبناء شعبنا من مقاومين وفدائيين ضد الاحتلال الى موظفين ومتسولين على اعتاب الدول والمنظمات المانحة لخدمة الأهداف والأطماع الصهيونية بعدما إستجابت لشروطها المذلة مما دفعها الى تسهيل مهام ما يسمى منظمات المجتمع المدني في الاراضي الفلسطينية المحتلة ومنحتها التصاريح اللازمة لإنشاء المزيد من المنظمات الغير حكومية باسم التشبيك تارة وباسم الخطط التنموية الشمولية تارة أخرى والمشاركة في مؤتمراتها وورش عملها لتنفيذ مهامها القذرة بشكل قانوني لتعزيز مفهوم التطبيع والتعايش مع الكيان الصهيوني .
وكي تقبل هذه المؤسسات تمويل أي مشروع في فلسطين المحتلة تشترط على المؤسسة المعنية بتلقي التمويل أن توقع على نموذج خاص لنبذ الإرهاب واعتبار النضال الفلسطيني إرهابا يجب التخلي عنه .
كما كانت المؤسسات الاجنبيه تقوم بفحص امني للاسماء التي يتم ترشيحها من اجل التمويل أشخاصاً او جماعيات فيتم الموافقة على كل من توافق عليه المخابرات الصهيونية او الامريكيه وترفض من ترفضه وبهذا يكون التمويل لهذه المؤسسات مشروطا بشروط أمنيه وسياسيه لمصلحة العدو الصهيوني أولاً وليس لأولويات الشعب الفلسطيني واحتياجاته أي اهمية على أجندتها الحقيقية .
لهذا فمن الواجب الوطني على كل شرفاء شعبنا الفلسطيني المقاوم من فصائل وقوى ولجان وطنية وشخصيات العمل على كشف تلك المؤسسات المشبوهة التي تغلغلت في مجتمعنا الوطني الفلسطيني وفضح سياساتها واهدافها المتصهينة التي تحاول من خلالها تشويه نضالنا الوطني لتزرع في عقول شبابنا قيم غريبه متصهينة منحازة للإحتلال الصهيوني بشكل معلن وصريح وتعتبر المقاومة ارهاباً يجب التخلص منها ومن كل من يفكر بمقاومة الاحتلال حتى بشكل سلمي ولو بزرع شجرة زيتون كما حصل مع الوزير في السلطة الفلسطينية المزعومة زياد ابو عين .
لهذه الاسباب مجتمة لا بد من العمل الجاد لردم هوة الانقسام على الصعيد الفلسطيني في ظل الاوضاع العربية الصعبة وخاصة ما يتعرض له محور المقاومة والصمود من حرب كونية تستهف كل مكوناته من صنعاء الى طهران وبغداد وبيروت والقدس وغزة الى دمشق حاضنة المقاومة والصمود من اجل الوقوف بكل قوة ضد كل هذه المؤسسات وإيجاد البديل الوطني القادر على تعزيز القيم والمفاهيم الوطنية وترسيخها في عقول الشباب الفلسطيني لحماية ثقافتنا الوطنية في مقاومة الاحتلال حتى استعادة كامل حقوقنا الوطنية المغتصبة .