من أجل حفنة من الدولارات
نضال حمد
أثير مؤخرا في وسائل الاعلام العربية واللبنانية موضوع شديد الأهمية والحساسية، وهو قضية المرتزقة اللبنانيون الذين يعملون لحساب الشركات الأمنية في العراق المحتل .
ذكرت تلك التقارير أن هناك مئات من عناصر القوات اللبنانية (الانعزالية) المنحلة في لبنان وهم بغالبيتهم من المناطق التي كانت تخضع سابقا وقبل توحيد لبنان وإخماد نار الحرب الطائفية والأهلية فيه، لنفوذ المعسكر الانعزالي بقيادة الجبهة اللبنانية حليفة (سرائيل). وكانت تعرف بالمنطقة الشرقية من بيروت وما كان يتبعها من مناطق أخرى للقوى الانعزالية أو (المسيحية السياسية المارونية) بحسب التقسيمات والمصطلحات الطائفية ابان الحرب الاهلية.
معروف أن الحرب في لبنان انتهت بعدما تركت وراءها أصحاب خبرة طويلة وتجربة غنية في المعارك والحروب، خاصة معارك المدن وحروب الشوارع والأزقة. وبما أننا من الذين يدعون الله ويطلبون من عبيده أن تكون تلك الحرب نهاية وخاتمة الأحزان و الحروب اللبنانية والعربية الداخلية، وأن تكون قُبرت عميقا في أرض لبنان الجميل. فإننا بنفس الوقت نرى أن من واجب السلطات اللبنانية اتخاذ موقف والقيام بإجراءات صارمة بحق المرتزقة الذين يستعدون للانطلاق نحو العراق للعمل في شركات أمنية أمريكية.. فهؤلاء المرتزقة من اللبنانيين يعيدون للأذهان ذكريات حرب لبنان المأساوية، تلك التي كلفته وجيرانه الغالي والنفيس وكلفت اللاجئين الفلسطينيين هناك الكثير.
· مرتزقة عرب في العراق
إن لهاث هؤلاء المرتزقة وراء المال واستعدادهم للعمل في خدمة الاحتلال الأجنبي والمعادي في العراق يجعل القضية تأخذ أبعادا سياسية خطيرة، لأنها لم تعد مجرد قضية مال وربح غير مشروع وغير أخلاقي بل أصبحت قضية سياسية لها أبعادها المحلية والإقليمية والدولية. خاصة أن تجربة الفلسطينيين في الضفة الغربية وقطاع غزة مع عملاء جيش لحد المهزوم لا زالت طرية ومستمرة، فهؤلاء أيضا يمارسون الارتزاق في جيش الاحتلال الصهيوني في فلسطين المحتلة. وهؤلاء أيضا ليسوا وحدهم فهناك مرتزقة من دول أوروبية عدة منها حتى النرويج، يعملون في خدمة الاحتلال الصهيوني. والذي يعمل مع (إسرائيل) يستطيع العمل مع أمريكا لأنهما وجهان لعملة واحدة .
إذا كان المرتزق العربي يذهب مع الشركات الأمنية الأمريكية لأجل المال فهذه جريمة أخلاقية، وإذا كان يذهب عن قناعة ويعمل قاتلا وعدوا لأمته مقابل المال وفي سبيل خدمة الاحتلال فهذه جريمة أخرى أثقل وزنا. لأنها خيانة وطنية وقومية لا تغتفر. لذا ففي كلتا الحالتين يجب محاسبة هؤلاء الناس ووقفهم عند حدهم.هنا تقع على كاهل وعاتق الدولة اللبنانية مسئولية كبيرة وثقيلة، لأنها المسئول الأول عن حياة أبناء الوطن اللبناني. كما وتدخل عملية منع سفر هؤلاء في مهامها الوطنية والقومية. ومن هذه المهام أيضا وقف عمليات التطوع الارتزاقي التي يعلم مسبقا الملتحق فيها أنه مقبل على القيام بأعمال مشينة جنبا الى جنب مع مرتزقة آخرين من أوروبا وأمريكا وبلدان أخرى.
هؤلاء الشباب الذين هم جزء من المجتمع اللبناني مسئولون عن أنفسهم ويتحملون تبعات قراراتهم وقبولهم العمل مع الاحتلال ضد أمتهم. لكن الدولة اللبنانية مسئولة عنهم وعن تصرفاتهم، لذا يجب أن تقوم الدولة بالتنسيق مع الزعامات الطائفية والأحزاب السياسية (المسيحية المارونية) اللبنانية بلجمهم ووضع حد لتلك المهزلة السوداء، لأنه لا يوجد ما يبرر الارتزاق والالتحاق بصفوف العدو، فهذه خيانة للانتماء وللوطن والأمة .
· مسئولية الطائفة
تتحمل أيضا زعامة الطائفة المسيحية المرونية مسئولية كبيرة لأن دورها حيوي وأساسي في ردع ووقف تلك العملية التي تسيء للطائفة المسيحية إن ارادت ذلك. خاصة أن مواقف المسيحيين العرب كانت دائما مواقف قومية أصيلة منحازة لقضايا الأمة وبيتها العربي الواحد والمشترك، فباستثناء ما شهده لبنان من مؤامرة كانت نتيجتها حرب أهلية وطائفية وسياسية استمرت لسنوات طويلة وانتهت باتفاق وطني ربما يعيد بناء لبنان في وقت قياسي. لم يقم ما يعكر صفو الوحدة الشعبية العربية.عندما نتحدث عن دور المسيحيين العرب لابد من ذكر شهداء الحرية والاستقلال في لبنان وسوريا وفلسطين وغيرها من الدول العربية، ولابد من التذكير بمواقف مسيحيي الشعب اللبناني الشقيق في حروب الأمة، وبنفس المناسبة نتذكر أيضا المواقف القومية الأصيلة للأقباط في مصر، حيث لازال البابا شنودة يرفض حتى يومنا هذا الاعتراف (بإسرائيل)، ويأبى ويمنع زيارة القدس والمقدسات المسيحية في فلسطين قبل تحريرها من الاحتلال. هذه هي الروح الحقيقية لأمة العرب الموحدة، وهنا تكمن وحدة الأمة بكل طوائفها وبهذه الوحدة الحقيقية يمكن هزيمة أعداء أمة العرب بسهولة .
· هل المال وحده؟
ربما لا يكون المال وحده عامل مشجع كي يذهب هؤلاء كمرتزقة إلى أرض السواد، أرض النفط والنخيل والثروة والحضارات والعذابات. بلاد الرافدين التي كانت تفتقد الحرية والسلام وتخضع للحصار والمعاقبة قبل الاحتلال، ثم فقدت الأمن والطمأنينة والأمان والاستقلال وأصبحت جائعة ومستباحة منذ التاسع من نيسان 2003. فعلى أرض العراق المحتل يسرح ويمرح آلاف المرتزقة الى جوار مئات آلاف الجنود من المحتلين. والذين يذهبون الى هناك لديهم أسبابهم وعواملهم الخاصة التي تجعلهم يعملون مع الشركات الأمنية الأمريكية في عراق اليوم، فالمرتب الذي يعرض عليهم مغري ومرتفع خاصة أن لبنان يمر بأزمة والبطالة فيه مرتفعة، وعملية إعادة البناء تستلزم الأموال والديون والقروض . ولازلنا نذكر جيدا أن لبنان الصغير شهد حربا طويلة وطاحنة كلفته الكثير. وبحسب ما جاء في صحيفة النهار اللبنانية فإن مرتب المرتزق الواحد يتراوح بين ألف وأربعة آلاف دولار، مما يعني أن المبلغ مغري جدا… لكن هل تقاس الأخلاق بالمال؟
وهل المال أهم من الكرامة والأوطان ؟؟…
· المرتزق اللبناني اقل كلفة من المرتزق الغربي
هذا وتتسابق الشركات الأمنية على عقد صفقات مع المجربين من زعران الحرب الأهلية من اللبنانيين، من أصحاب الخبرة والتجربة واللغة، إذ أن هذه العوامل الثلاث بالإضافة لقبولهم أجورا منخفضة، لكن بالنسبة لهم مغرية، وبالنسبة للشركات الأمنية أقل من أجور المرتزقة الأوروبيين والغربيين. هذه العوامل تساعد الشركات الأمنية على عقد صفقات عمل مع هؤلاء خاصة في ظل وضع ميداني على أرض العراق المحتل لا يبشر بالخير. فالعمليات تتزايد يوميا ولم يعد العراق بلدا آمنا حتى للشركات الأمنية نفسها. أما بالنسبة للمحتلين والشركات التي تهيمن على البلد وثرواته فهم يبحثون عن مرتزقة يتقنون اللغة العربية ويعرفون أصول الحرب والقتال بعد تجربة أو تجارب بهذا المضمار وقد وجدوا ضالتهم في لبنان. ويضاف عامل آخر يعطي الأمريكان وشركاتهم الطمأنينة وهو أنهم (الأمريكان) يعتبرون أن المرتزقة من المسيحيين اللبنانيين أكثر ولاء لأمريكا والغرب منهم للعروبة والشرق. لكن من الواضح أن هؤلاء لم يسمعوا بأسماء مسيحية كبيرة لها دورها القومي الكبير في مواجهتهم.
· منهم من وصل ومنهم من ينتظر
يقال أن سبعون شخصا من اللبنانيين سافروا خلال الشهرين الفائتين وسوف ينضموا لرفاقهم من المرتزقة العاملين في العراق. كما هناك أيضا العشرات ممن ينتظرون أدوارهم في بيروت. وليس واضحا كم هو عدد المرتزقة اللبنانيين الذين وصلوا الى العراق منذ بداية عمل الشركات الأمنية. ولا كم هو عدد الذين سيصلون قريبا، ولا إن كانت السلطات اللبنانية ستمنع سفرهم وتوقف تدفقهم. لكن هناك أخبار ترددت مفادها أن الأمن العام اللبناني أصدر تعميما طالب فيه الشركات الأمنية التي تجند عناصر أمنية في لبنان التقدم بلوائح كاملة بأسماء اللبنانيين وكذلك اللاجئين الفلسطينيين الذين جندوا في لبنان للعمل خارجه. ومعظم الذين ينتمون لهذه الفئة يعملون بالذات في العراق. وهنا تجدر الإشارة إلى أن عددا من اللبنانيين قتلوا واختطفوا في العراق في الأسابيع القليلة الماضية. فهل هذه العمليات جاءت بالصدفة أم أنها تستهدف المرتزقة فتطال بالمناسبة اللبنانيين الذين لا علاقة لهم بتلك الشركات لكنهم يعملون في العراق أو يقومون بزيارته.
__ انتهى __
20-6-2004
نضال حمد _ اوسلو