من الجحيم العراقي إلى البرازيل – نضال حمد
بعدما ضاقت بهم بلاد العرب التي كانت أوطانهم، وبعدما تُركوا عرضة لأسوأ أنواع الحياة على الحدود التي تفصل الأرض العربية الواحدة. وبعدما ذاقوا الويل وعاشوا الويلات وغاصوا عميقاً في المعاناة. ولما لم يجدوا بلداً عربياً آمناً واحداً يستقبلهم. ولما أغلقت البلاد العربية من المحيط إلى الخليج أبوابها في وجوههم وتهربت من تحمل مسؤولياتها التاريخية، أمام معاناتهم ومأساتهم الفظيعة. وعندما اقتنع هؤلاء اللاجئون الفلسطينيون الفارّون من جحيم الموت والقتل والتعذيب والإهانات والتصفيات في بغداد وكل أراضي العراق، قرروا القبول بأي مكان يستقبلهم فجاءهم الفرج من البرازيل، إذ وافقت الحكومة البرازيلية التي تبعد آلاف الكيلومترات عن وطنهم المحتل فلسطين على استقبالهم ومنحهم حق اللجوء والحياة على الأراضي البرازيلية.
إن المعاناة الكبرى التي عاشها هؤلاء خلال أربع سنوات من الانتظار على حدود جهنم وعند أبواب الجحيم، جعلتهم يقبلون في نهاية المطاف أي ملاذ آمن يقيهم اعتداءات قوات الاحتلال وكذلك هجمات عصابات الخوارج الطائفية، التي أباحت الدم الفلسطيني في العراق. فقد عاش هؤلاء أربع سنوات دامية وبائسة وقاهرة، مع أطفالهم ونسائهم وشيبهم وشبابهم، وخاصة من بقي من هؤلاء على قيد الحياة، إذ إن الكثير منهم قُتل أو أُعدم بعد تعذيبه بطرق وحشية تنمّ عن حقد وبغض وكراهية للفلسطينيين. لكن هذا الشيء ليس بالغريب ما دام القاتل نفسه هو الذي استعان بالأميركيين والصهاينة لاحتلال العراق وتسليمه للغزاة. وهو كذلك المجرم نفسه الذي نهب وسلب آثار العراق وتاريخه وباعه للصهاينة والأميركيين وغيرهم من أعداء العراق والعروبة.
تشتت هؤلاء اللاجئون مرتين: مرة في النكبة سنة 1948، وأخرى بعد سقوط بغداد سنة 2003، وتوزعوا على معسكرين عند الحدود الأردنية العراقية، والسورية العراقية. وبلغ تعدادهم نحو ألفي شخص. وبدأت تتناقص تلك الأعداد مع تدخل المنظمات الدولية المعنية باللاجئين لمساعدتهم. وقد استطاعت تلك المؤسسات الدولية توفير اللجوء والأماكن الآمنة لمئات منهم، وتحديداً في كندا والسويد ونيوزيلندا. على الطرف الآخر، وباستثناء العرض السوداني الذي قبل باستضافتهم، لم يُقدّم أي عرض عربي آخر. ولا ندري لماذا لم يُعمل بالعرض السوداني. فيما رفضت كل من سوريا والأردن استضافة من بقي من هؤلاء العالقين.
لقد عاش هؤلاء اللاجئون في ظروف صعبة سوف تظل تأثيراتها حية وملازمة لهم طوال فترة حياتهم، لأن الطفل الذي رأى الإرهاب بعينه في حق أهله وعاش كل أيام الإهانات والعذاب قبل وصوله إلى معسكري الرويشد والوليد سوف لن ينسى وسوف لن يغفر. وسيبقى يتذكر ويذكر أن هناك 21 دولة عربية عجزت كلها عن استقباله ومنحه ملاذاً آمناً. فهل سيكون من حق هذا الطفل أن يبصق في وجوه من أعاقوا تطوره ونموه الطبيعي لمدة أربع سنوات أم لا؟؟ نعم سيكون من حقه البصق على كل الذين تآمروا عليه وتركوه عرضة للضياع والعذاب والقهر والويلات. وسوف يعتزّ بالدولة التي أنقذته من براثن إخوانه في العروبة والدين. وسيكون مواطناً صالحاً يفتخر بكونه برازيلياً وفلسطينياً. وسوف يعمل كل ما بوسعه ليثبت للعالم الذي تخلى عنه في أحلك الظروف أنه هو العربي وهم العاربة. وأنه هو الذي يدافع عن عروبته وهم الذين يبيعونها في سوق النخاسة الأميركي الصهيوني.
هل نقول شكراً للبرازيل على هذه الخطوة أم نعتبر ذلك مؤامرة تهدف إلى توطين اللاجئين الفلسطينيين وتوزيعهم على شتى بلاد الدنيا؟؟ وخاصة أن هناك أعداداً كبيرة من الفلسطينيين تصل بشكل منتظم إلى الدول الأوروبية، وبخاصة الإسكندينافية، حيث هناك تسهيلات لمنح اللجوء فقط للفلسطينيين القادمين من غزة والضفة. وعلى صعيد الدول الأخرى حدثني الأسبوع الفائت أحد الأصدقاء الفلسطينيين عندما التقيته في العاصمة اليونانية أثينا عن مئات الفلسطينيين الذين وصلوا ويصلون إلى اليونان بغية مواصلة مشوار اللجوء إلى الدول الأوروبية الغربية ولا سيما الإسكندينافية. ومعظم هؤلاء من مخيمات لبنان وسوريا، حيث يدفعون مبالغ طائلة للوصول بطرق متعددة وغير شرعية إلى تركيا واليونان، فمنهم من يموت غرقاً في البحر ومنهم من تقوم عصابات منظمة بقتله وحتى رميه من حجرة نومه في العبارة أو السفينة إلى مياه البحر. والذين تكتب لهم النجاة على الطريق ويصلون إلى اليونان، يبدأون مشواراً جديداً من القهر والعذاب، إذ لا مأوى ولا سكن ولا علاج ولا مساعدات. يفترش بعضهم الحدائق والساحات العامة، وينخرط هؤلاء في عالم الجريمة، من السرقات، وتهريب المخدرات إلى غير ذلك. وبعد تدمير مخيم نهر البارد ونكبة سكانه سوف تتزايد أعداد هؤلاء اللاجئين. لذا دور الجاليات والفعاليات الفلسطينية بين هؤلاء اللاجئين القادمين من مخيمات لبنان والآخرين المغادرين لمخيمات الوليد والرويشد سوف يكون أساسياً لكي تبقى فلسطين هي الهدف النهائي والأساسي لكل فلسطيني سواء وصل الولايات المتحدة الأميركية وأوستراليا والنروج أو بقي محاصراً في مخيمات اللاجئين في لبنان والعراق وأينما كان. ويشهد على ذلك الدور الكبير الذي تقوم به الجاليات والفعاليات الفلسطينية في العالم بالدفاع عن حق العودة والتمسك بالثوابت الوطنية الفلسطينية ومواجهة الانحراف والانهزام في الساحة الفلسطينية.
الأخبار اللبنانية- رأي- نضال حمد – السبت 6 تشرين الأول 2007
* مدير موقع الصفصاف الإخباري العربي النروجي (www.safsaf.org)