من دس السم لأبي عمار ؟!! – عـادل أبو هاشـم
لا يخفى على أي متابع للصراع العربي ــ الإسرائيلي أن قرار الحكومة الإسرائيلية بإزاحة الرئيس ياسرعرفات مبدئيـًا والتهديد بتصفيته جسديـًا لاعتقادها أن عرفات الميت أقل خطرًا لم يكن وليد مستجد عابر أو مجرد إجتراح ذهني تفتق عنه العقل الصهيوني انطلاقـًا من مقدمات نظرية ، وإنما جاء كحلقة في سلسلة حلقات لها ما قبلها ولها ما بعدها أيضـًا ، أي بمعنى آخر أنه كان تتويجـًا لتفاعلات وتطورات واكبت هذا القرار وسبقته.. فضلا عن كونه قد شكل بداية لمسار جديد كانت له تداعياته المختلفة والتي أدت في النهاية إلى دس السم الإسرائيلي لعرفات .
لقد تعددت الرؤى الإسرائيلية لدور الرئيس الفلسطيني ياسر عرفات في انتفاضة الأقصى بين من اعتبر أن الانتفاضة هي نتيجة تخطيط مسبق من قبله في محاولة للضغط على الجانب الإسرائيلي بهدف استدراج تنازلات سياسية بغض النظر عن التطورات اللاحقة التي أفلتت المسألة من يده ، وبين آخرين اعتبروا أن عرفات ركب موجة الانتفاضة التي انطلقت بقرار شعبي ، إلا أنها احتضنت من حيث المبدأ من قبل القيادة السياسية الرسمية في محاولة لتوجيهها سياسيـًا بما يخدم مشروع السلطة ، الأمر الذي يفسر برأي هؤلاء سياق المعارضة العلنية للسلطة لبعض تكتيكات العمل العسكري الذي تمارسه قوى المقاومة .
فبعد فشل خيار حكومة محمود عباس ” أبو مازن ” عام 2003م وجدت الحكومة الأسرائيلية بقيادة مجرم الحرب آرييل شارون نفسها من جديد في مواجهة الرئيس الفلسطيني ياسر عرفات مباشرة دون أن تتحول القوة السياسية والعسكرية التي يتزعمها شارون إلى أداة لقمع المقاومة والانتفاضة ، إضافة إلى ترسخ في الوعي الإسرائيلي مفهوم أن لا خيار أمام إسرائيل لإخماد المقاومة بقوتها الذاتية خاصة أنه ظهر مبكرًا أن هدف تصفية القيادة السياسية لحركة حماس لن يحقق المرجو منه في ظل إصرار الجميع على مواصلة القتال ، لهذا قرر شارون قتل الرئيس الفلسطيني .
فقد كشفت صحيفة “هآرتس” الإسرائيلية تقريرًا صادر من كتاب بعنوان ” الحرب السابعة ” التي يتناول الصراع خلال الخمس سنوات الأخيرة بين الإسرائيليين والفلسطينيين للصحفيين الإسرائيليين آفي يششكروف (صوت إسرائيل) ، وعاموس هرئيل (هآرتس ) الأسباب الكاملة وراء وفاة الرئيس الفلسطيني ياسر عرفات في 11/11/2004م ، ولكنها من قبيل الإثارة وربما من قبيل الإساءة أيضـًا لم تستبعد إصابته بمرض الإيدز .
صحيفة ” نيويورك تايمز ” الأمريكية حصلت على التقرير الطبي الفرنسي الذي استندت إليه الصحيفة الإسرائيلية ، ونفت كليـًا فرضية الإصابة بالإيدز مستعينة بتأكيدات خبراء متخصصين في هذه المسألة .
النتائج التي توصلت إليها صحيفة “نيويورك تايمز ” هي الأقرب للصحة ، لأن صحة الرئيس ياسر عرفات تدهورت فوز تناوله طعام العشاء يوم الثلاثاء 12/10/2004م ، وبلغت أقصى درجات التدهور بعد نقله إلى مستشفى بيرسي العسكري الفرنسي في 29 / 10 / 2004 م حيث غاب عن الوعي ، أي أن فترة مرضه لم تستغرق إلا ثلاثة أسابيع قضى منها حوالي أربعة أيام وهو في غيبوبة كاملة ، وهذه وبإجماع الأطباء دليل يؤكد وفاته مسمومـًا ، فمرضى الإيدز يعيشون سنوات بعد ظهور أعراض المرض عليهم .
الإسرائيليون يريدون تشويه صورة القائد الرمز ياسر عرفات والإساءة إليه ، وإلى تاريخه النضالي العريق ، وبالتالي الإساءة إلى كل فلسطيني من خلال تسريب مثل هذه المعلومات المضللة التي لا تستند إلى براهين طبية أو علمية .
الرئيس ياسر عرفات مات مسمومـًا ، والحكومة الإسرائيلية سربت أنباء كثيرة عن عزمها قتله ، وقالت أنه لن يكمل عام 2004م ، وكانت قد وضعته تحت الإقامة الجبرية في مكتبه في المقاطعة بمدينة رام الله لأكثر من ثلاث سنوات .
شارون شعر بعجزه أمام الانتفاضة وتصاعد عمليات المقاومة ووصولها إلى قلب القدس المحتلة وتل أبيب ، وأدرك أنه “سيجبر” على الانسحاب من قطاع غزة، ولهذا قرر التخلص من الرئيس عرفات قبل الإقدام على هذه الخطوة أحادية الجانب ، شارون لم يرد لخصمه اللدود يحتفل بهذا الانتصار ، وأن يرى أول قطعة أرض فلسطينية تحرر بالمقاومة والعمل العسكري الذي أطلق رصاصته الأولى في عام 1965م .
على الصعيد نفسه كشفت مصادر إسرائيلية النقاب عن رسالة سرية جدًا كتبها رئيس الحكومة الإسرائيلية الأسبق إسحاق رابين إلى وزير خارجيته شمعون بيريز قبل ثلاثة أشهر من توقيع اتفاق أوسلو في أيلول من العام 1993م يحذره فيها من استمرار الاتصالات مع جماعة تونس؟!!
وتشير المصادر إلى أن الرسالة السرية كتبها رابين في 7/6/1993م وأرسلها إلى وزير الخارجية آنذاك شمعون بيريز حول موضوع الاتصالات مع جماعة تونس، وجاء في الرسالة استمرارًا لحديثنا حول الموضوع ــ اتصالات أوسلو ــ يوم الأحد 6/6/1993م :
“بودي التأكيد على النقاط الأساسية التي ذكرتها سابقـًا وهي أن ( اتصالات أوسلو) في الوقت الراهن تشكل خطرًا على استمرار المفاوضات من أجل السلام .. فهذه الاتصالات تعطي فرصة لجماعة تونس لتجاوز الاتصالات في واشنطن والالتفاف على العناصر الإيجابية فيها التي يمثلها وفد المناطق ، كما أن جماعة تونس يشكلون العنصر المتطرف ويحاولون منع المعتدلين من سكان المناطق من التقدم بالمفاوضات معنا ، وذلك من خلال منعهم من إجراء اتصالات مع جانبنا.. وهم يهدفون في نهاية الأمر إلى إبقاء خط التفاوض معهم وهذا سيشكل خطرًا على مفاوضاتنا مع سورية ولبنان والأردن ” .
وحسب المصادر ذاتها فإن بيريز وخلال أيام من ذلك أقنع رئيس الوزراء رابين باستمرار الاتصالات مع جماعة تونس .
ويأتي الكشف عن جزء مضمون هذه الرسالة في إطار الحملة الشرسة التي شنتها الحكومة الإسرائيلية ضد الرئيس عرفات في محاولة للإشارة إلى أنه ليس فقط جزءًا من المشكلة ، وإنما السبب الرئيسي وزراء مصرع أكثر من ألف إسرائيلي منذ التوقيع على اتفاق أوسلو .
وفي السياق نفسه كشفت المصادر الإسرائيلية على أن الرئيس ياسر عرفات كان يمتلك الكثير من الأموال التي استخدمها في دفع نفقات أجهزة الأمن التي يسيطر عليها وشراء الأسلحة والذخائر.. وأضافت المصادر أن رئيس جهاز الشاباك آفي ديختر قال خلال اجتماع عقده المجلس الوزاري المصغر والذي اتخذ قرارًا مبدئيـًا بطرد الرئيس عرفات أن الأموال ما زالت تتدفق على رئيس السلطة ، وأن ميزانيته السنوية تصل إلى مائة مليون دولار يستغلها في دفع نفقات أجهزة الأمن الخاضعة له ، وإلى تمويل نشاطات فتح وكتائب الأقصى ، وشراء الأسلحة والذخائر ، وأن محاولة وزير المالية سلام فياض خلال الفترات الماضية إجراء إصلاحات في الجانب المالي وضمان عدم وصول الأموال إلى جهات إرهابية لم تتكلل بالنجاح ، حيث ما يزال الآلاف من الموظفين العسكريين يستلمون رواتبهم مباشرة من الرئاسة .
السؤال المطروح الآن هو ليس ما إذا كان الرئيس الفلسطيني ياسر عرفات مات مسمومـًا أم لا خاصة بعد نشر نتائج تحاليل الطب الشرعي في سويسرا، والتي أشارت إلى أن الزعيم الفلسطيني مات مسمومًا بالبولونيوم المشع في عام 2004.م ؟ وإنما من الذي دس إليه السم وكيف؟ وهل هناك أشخاص في مبنى المقاطعة برام الله من المحيطين بعرفات قد تعاون مع الإسرائيليين في هذه الجريمة؟
الأمر المؤكد أن هناك من باع الرئيس ياسر عرفات من أفراد طاقمه إلى العدو الإسرائيلي ، وربما هم من أعلى مرتبة من ” فئران السفينة الفلسطينية ” الذين حذرنا منهم مرارًا في السابق من اللصوص والقتلة وأباطرة الفساد الذين يمارسون بغاء الفعل والقول ، والوصوليين والمنتفعين الذين جعلوا من الوطن بقرة حلوب .!
فمن سرب التقرير الطبي الفرنسي إلى الصحفيين الإسرائيليين اللذين أعدا التقرير الصحافي المنشور يمكن أن يسرب أشياء أخرى في ظل صمت الشعب الفلسطيني على هذا “الطابور الخامس” من الأفاقين والمنافقين والجبناء ومعدومي الضمير وفاقدي الانتماء والكرامة الذين فضلوا المتاجرة بدماء قائدهم وشعبهم وقضية أمتهم ووطنهم.! وليت الأمر توقف عند هؤلاء على تصفية قائدهم ورمزهم ، بل غطوا على الجريمة وسجلوا القضية ضد مجهول ، ليسارعوا باقتسام التركة !.