من صحافة العدو الصهيوني : بقلم: جاكي حوجي مترجم | مشعل منع عملية نوعية خطيرة في “الجرف الصامد”
حدث ذلك في الأسبوع الأول من الحرب بين (اسرائيل) وحماس في بداية يوليو 2014، رئيس الذراع العسكرية للتنظيم محمد الضيف طلب الخروج للقيام بالعمل بخطة تنفيذية مطوية أعدها هو وقادته الميدانيين، حوالي 30 مقاتل من وحدة النخبة اختيروا للمشاركة في العملية، تم توزيعهم لعدة خلايا، واحدة كانت ستكون مسؤولة عن السيطرة، والثانية عن أخذ الرهائن، والقوة الثالثة حددت مهمتها الهجوم على قوات الجيش الاسرائيلي الذين سيقتربون من منطقة تنفيذ العملية.
كانت الخطة بسيطة ولكنها دراماتيكية، ولو انها سارت كما أريد لها ان تسير كانت لتغير مسار الحرب، وربما كانت ستسبب بوضع حد لحكم حماس في غزة، الورقة القوية فيها هي عنصر المفاجأة، كان من المفترضان يتسلل مسلحو حماس عبر أنفاق تحت أرضية الى المنطقة الإسرائيلية في كرم أبو سالم، وعند خروجهم كانوا سيجتاحون كيبوتسات وبلدات قريبة ويقومون بعمليات قتل بحق المواطنين، والعودة سريعاً قدر الإمكان الى قطاع غزة عبر الأنفاق، ومعهم العدد الأكبر الذي يستطيعون أسره من الرهائن، ومن ثم مفاوضة اسرائيل حول إطلاقهم مقابل أسرى من حماس.
كانت هذه لتكون عملية يتردد صداها لسنوات طويلة، حدث يعيد الى الاذهان القدرة التنفيذية للذراع العسكري، ويحقق لها إنجازاً لم تحقق مثله لسنوات منذ أسرها لشاليط في يونيو 2006.
القوة كانت جاهزة للبروز الى الميدان مزودة بالأوامر المطلوبة ومعلومات حول أهدافها، ولكن قبل التحرك جاءت أوامر الإلغاء، رئيس المكتب السياسي خالد مشعل، القاطن بعيداً في قطر، خشي من نتائج العملية، ففرض عليها الفيتو، وجهود قادة الذراع العسكري في إقناعه باءت جميعها بالفشل، لقد تذكر مشعل جيداً ردة الفعل الاسرائيلية الخطيرة عقب خطف جلعاد شاليط، رد الفعل الذي حصد حياة مئات الفلسطينيين وجلب الدمار الى غزة، كان واثقاً من ان إسرائيل هذه المرة ستعاقب القطاع بشدة أكثر بكثير، هدف حماس الأعلى وهو انهاء الحصار المفروض على القطاع كان يبتعد أكثر وأكثر، غزة كانت تتحول الى منطقة حرب منكوبة وتغرق لسنوات في الكوارث الإنسانية.
بعد ذلك بعدة أسابيع؛ اكتشف جنود الجيش الاسرائيلي الأنفاق التي أراد مسلحو حماس الخروج منها لتنفيذ عمليتهم ودمروها، وأثناء الحرب دمر الجيش الاسرائيلي 32 نفقاً، جناح حماس العسكري نفذ حينها بعضاً من عمليات التسلل الى إسرائيل عبر الأنفاق أو البحر، غير انها كانت جميعها تتلاشى أمام ذات الغارة المفاجئة وتكبح بأمر من الرئيس، وإجمالاً فقد تسلل الى المناطق الإسرائيلية أثناء الحرب 45 من مقاتلي حماس، قتل حوالي نصفهم بينما اضطر الباقون ليتولوا على أعقابهم.
التوتر الذي طرأ في الـ 2014 بين القيادة السياسية في الخارج وبين الجناح العسكري ما زالت ترسم الى يومنا هذا معالم موازين القوى في صفوف حركة حماس، لم ينتهِ الأمر مع انتهاء الحرب؛ بل ما زالت مستمرة الى اليوم، الذراع العسكري، وعلى رأسه الرجل ذو السبعة أرواح محمد الضيف، يتهمون القيادة السياسية بأنها قيدت أيديهم ومنعتهم من تحقيق انجاز تاريخي، انجاز كان من شأنه ان ينهي معاناة أصحابهم من الأسرى المعتقلين في إسرائيل ومحو الشعور بالذل الذي يرافق الجناح العسكري منذ سنوات طويلة إثر سلسلة من الهزائم العسكرية أمام إسرائيل.
هذا التوتر بين قطبي القوة في حماس (الذراع العسكري في غزة والقيادة السياسية في الخارج) أثر على سلوك الطرفين أثناء الحرب أيضاً، مشعل أصر وضغط على رجاله ليستمروا في القتال رغم انهم طلبوا وقف إطلاق النار ووضع حد للمعركة قبل انتهائها رسمياً في الـ 26 من أغسطس 2014 بعدة أسابيع، مشعل وجماعته أرادوا قطف ثمار سياسية، رأوا ان الجبهة الإسرائيلية الداخلية مشلولة نتيجة إطلاق الصواريخ وعدد القتلى في صفوف الجيش الاسرائيلي الذي يرتفع كل يوم من أيام القتال وافترضوا ان الحكومة الاسرائيلية ستعلق في أزمة داخلية ودولية طالما استمرت المعركة، بفضل هذه الأزمة تستطيع حماس ان تعتصر منها تسهيلات كبيرة في القطاع، بالإضافة الى ذلك عمل مشعل جاهداً على تدشين قناة توسط ملتوية مع واشنطن، صاحبه وزير الخارجية القطري خالد العطية أجرى باسم المكتب السياسي لحماس الاتصالات التي تهدف لوقف إطلاق النار مع وزير الخارجية الأمريكي جون كيري، والذي كان من جانبه على اتصال حثيث مع إسرائيل، أمل مشعل ان تبقى قناة الاتصال الملتوية مع البيت الأبيض حتى بعد انتهاء الحرب.
حماس حركة تعيش الأزمة من الداخل والخارج، في الداخل تتمنى تأييد الشارع ومساعدة السلطة الفلسطينية التي تدير لها ظهرها وتتمنى زوالها، وفي الخارج تبحث حماس عن حل، منذ اندلاع الحرب السورية بعنفوانها طُلب من حماس ان تبدي تأييدها تجاه أحد الأطراف المتخاصمة، فاختارت ان تدير ظهرها لدمشق التي قدمت لها الغطاء لسنوات طويلة وولت شطر خصومها، وعلى رأسهم إمارة قطر، ومن حينها انقضت أربع سنوات، ورغم انها فترة قصيرة نسبياً، اكتشف خالد مشعل وجماعته ان اللحن في المنطقة توزعه السعودية تحديداً، ويحاول مشعل جاهداً هذه الأيام بأن يمهد طريقاً للوصول إليها، غير ان السادة في الرياض ليسوا مستعجلين في معانقة الرجل الذي تربى على مبادئ خصومهم “حركة الاخوان المسلمين”، وأحد الأسباب لحدوث ذلك هو الجناح العسكري في غزة، الذي يغازل خصم السعودية تحديداً في طهران، مسؤولو الجناح العسكري ليسوا وحدهم، في القسم السياسي للحركة يوجد مدافعون عن الاتصالات المقربة مع إيران، وعلى رأسهم المسؤول الرفيع محمود الزهار.
هذه الأيام؛ جيش حماس مشغول بترميم نفسه مثلما تتصرف أي قوة مقاتلة بعد أي معركة صعبة، ورشة حفر الأنفاق عادت لتعمل على سجيتها، وقد تجند أكثر من ألف رجل لهذه المهمة، يعملون على مدار الساعة وفي الليل أيضاً، ستة أيام في الأسبوع، النقص في الاسمنت لا يطال هذه الورشة، فقد وجدت حماس البدائل، وفي الفترة الأخيرة منعت إسرائيل إدخال الألواح الخشبية التي يزيد سمكها عن 5 سم لكي لا تذهب الى ورشة الأنفاق، وتستخدم حماس في الفترة الأخيرة ألواحاً بلاستيكية بهدف تدعيم الأنفاق من الداخل.
التطورات الاقليمية ليست في صالح حماس، فمصر تعتبرها عدوة، والسلطة الفلسطينية تتركهم ينزفون دون تقديم أي مساعدة سياسية أو مالية، والمجتمع الدولي يرى فيها تنظيماً إرهابياً يمنع الاتصال به، دول الخليج العربي مستعدة لتضخ الأموال في حال ضمان ذهاب هذه الأموال الى السكان وبشكل قليل جداً لحماس ولقواتها المقاتلة؛ ولعدم وجود خيارات أخرى بقيت إيران هي الداعمة الأساسية للذراع العسكري رغم أنف خالد مشعل، ليس باختيارها وإنما اضطراراً، العلاقات الحميمة مع طهران، وهي الدولة المعلمة بالخط الأحمر من قبل الزعماء العرب، ما زالت تقدم القليل من الهواء الضروري لإبقاء أنفاس حماس، ولكن في نهاية الأمر تزيد من عزلتها.
أطلس للدراسات / ترجمة خاصة