من يوقف هذه المأساة الانسانية؟
اليوم وأنا أعد طعام العشاء الذي هو بنفس الوقت وجبة غذاء وعشاء، والمكون فقط من بيض مقلي مع خبز عربي، يوم أمس الاثنين وأنا أعد طعام العشاء الذي هو بنفس الوقت وجبة غذاء وعشاء، والمكون فقط من بيض مقلي مع خبز عربي، وبدون جبنة وزيتون والذي ذكرني بـالأغنية اللبنانية الشهيرة “أنا أهلي ربوني عالخبزة والزيتوني”… ومع كوب شاي بالميرمية الفلسطينية ربما الجليلية وربما الضفاوية. الميريمية جلبها لي قبل فترة صديقي طارق من طولكرم وحصة أخرى جلبها لي صديقي عبد القادر من نابلس… ومنذ ذلك الوقت صرت لا أشرب الشاي إلا بالميريمية.
كان والدي رحمه الله منذ ولادته في قريتنا الصفصاف بالجليل الفلسطيني الأعلى، وقبل ولادة دولة (اسرائيل) وعصابات الصهاينة المحتلين في فلسطين بعشرين سنة بالتمام والكمال، كان والدي يحب الشاي بالميريمية وبقي كذلك حتى وفاته نهاية سنة 2018، توفي لاجئاً وقبل أن يعود الى بيته في الجليل في فلسطين المحتلة، بيته الذي يسكن فيه الآن يهود محتلين من هنغاريا، وبلدته التي يسكن فيها الآن يهود صهاينة مستوطنين، غزاة، من بولندا والولايات المتحدة الأمريكية وروسيا واوكرانيا.
أكلت وشبعت وحمدت الله على ذلك … لكن خلال تناولي الطعام حضرت أمامي وجوه الأطفال والعجزة والنساء والشباب الذين عوملوا أسوأ معاملة على الاطلاق من قبل الاتحاد الأوروبي والسلطات البولندية، والذين على ما يبدو تستخدمهم سلطات روسيا البيضاء كورقة ضغط على البولنديين والاتحاد الأوروبي.
في تلك اللحظات بالذات تذكرت كيف أنني قضيت حياتي كلها لاجئاً بين البلدان والقارات والمدن والعواصم، وتذكرت أنني منذ رأت عيناي النور ولدت لاجئاً في مخيم للاجئين الفلسطينيين بلبنان.. وأن أهلي إما ماتوا في المخيم وإما لازالوا لاجئين فيه منذ 72 سنة أي منذ احتلت العصابات اليهودية الاوروبية والغربية الصهيونية وطني فلسطين سنة 1948.
كما تذكرت فوراً اللاجئين الأجانب من مشرقنا العربي ومن آسيا وافريقيا العالقين في الغابات والقابعين في المعتقلات بين بولندا وروسيا البيضاء. يعني لاجئين غير مرغوب فيهم بأوروبا عكس العشرة ملاين لاجئ من أوكرانيا، الذين فتحت لهم كل الحدود والموانئ والمطارات والمحطات والبيوت والمدن والعواصم والقرى وكل شيء .. ساهمت الحكومات والمعارضات والبرلمانات والأحزاب والمنظمات ووسائل الاعلام في تحضير الناس والشعب لاستقبالهم ومساعدتهم تماما عكس ما قالوه عن لاجئينا العرب سواء من المسلمين أومن المسيحيين العرب والمشرقيين… هذه هي الحقيقة وهذا كل شيء بلا مزايدة ومبالغة…
هذا العالم الذي يدعي التمدن والتحضر في موضوع لاجئي أوكرانيا هو نفسه الذي لا يلتفت لمأساة اللاجئين من الشرق العربي ومن آسيا وافريقيا، حتى للمسيحيين منهم، فهؤلاء حتى لو ماتوا جوعا وبردا لن يكونوا قضية أو مشكلة للضمائر الغربية الحاكمة لأنهم حكام على ما يبدو بلا ضمائر وحكومات كاذبة ومنافقة…
مع اندلاع الحرب في اوكرانيا تم نسيان أولائك اللاجئين تماماً وتمت التعمية والتستر على قضيتهم وطمست تماماً فلا أحد في وسائل الاعلام بالبلاد المعنية يتذكرهم أو يتحدث عن عنهم وهم عالقون منذ شهور في الغابات.. او أنهم معتقلون ومعتقلات في المعتقلات في بولندا او روسيا البيضاء وربما في لتوانيا ولاتفيا … لا أحد تقريباً إلا بعض المؤسسات والمنظمات الانسانية وبعض المتطوعين والمتطوعات البولنديين والبولنديات.
فمن سوف يوقف وينهي هذه المأساة الانسانية؟
نضال حمد
21-6-2022