مهرجان الثقافة اليهودية في كراكوف البولندية – نضال حمد
مهرجان الثقافة اليهودية – أصبح منذ سنة 1988 حدثاً ثقافياً في حيّ كاجمييج اليهوديّ وجواره في مدينة كراكوف البولندية.
جاءت مبادرة تأسيس المهرجان من قبل كل من يانوش ماكوخ الرئيس الحالي للمهرجان اليهودي الثقافي في كراكوف، وكرستوف غيرات، الذي يشغل منذ سنوات طويلة منصب رئيس مهرجان الفيلم العالمي في كراكوف. بحسب هؤلاء المؤسسين فإن الهدف من المهرجان هو تعميم الثقافة اليهودية.
لكن السؤال: أي ثقافة يهودية؟
هل المقصود تعريف الأجيال البولندية المعاصرة بثقافة يهود بولندا، التي هي جزء لا يتجزأ من ثقافة المجتمع البولندي؟
كما هو معلوم لنا فإن غالبية يهود بولندا هاجروا مع الحركة الصهيونية، قبل وخلال وبعد الحرب العالمية الثانية، للاستيطان في فلسطين المحتلة.
فمعظم القادة الصهاينة، من قادة العصابات اليهودية الصهيونية المسلحة، هم من مؤسسي (إسرائيل) الكيان الصهيوني، هم من يهود بولندا الصهاينة المتشددين. كان بعضهم ينضوي في جيش الجنرال اندرس البولندي، الذي حارب مع البريطانيين ضد المانيا النازية في البلاد العربية والشرق.
واستغل اليهود الصهاينة وبالذات البولنديين ويهود شرق أوروبا، جيش اندروس كوسيلة أيضاً للوصول الى فلسطين، التي كانت ترزخ تحت نير الاستعمار أو الاحتلال البريطاني آنذاك.
يذكر ذلك الإرهابي اليهودي البولندي الأصول مناحيم بيغن في كتاب مذكراته. فبيغن مولود في بولندا، ودرس الحقوق في جامعة وارسو. كان صهيوني النشأة، وأصبح رئيسا لمجموعة بيتار وممثلها في بولندا سنة 1938، حيث كانت تضم تلك العصابة الصهيونية عشرات آلاف الأعضاء من يهود بولندا والدول المجاورة مثل التشيك ولاتفيا وليتوانيا والخ.
كانت بيتار تريد اقامة دولة يهودية صهيونية في فلسطين المحتلة. في الحين نفسه كان بيغن عضوا أيضا في مركز “هتساهار” – حلف الصهيونيين الإصلاحيين (من تأسيس زئيف جابوتينسكي, 1925) – في بولندا.
التحق بيغن بجيش الجنرال أندرس بعد اطلاق سراحه من معتقل روسي. وصل عام 1942 – كجندي بولندي – الى فلسطين المحتلة، واشتغل لمدة قصيرة موظفا في مكتب ضابط المدينة البولندي. تاريخه حافل بالجرائم والمجازر ضد الفلسطينيين من دير ياسين حتى صبرا وشاتيلا. ويعتبر من أهم قادة الكيان الصهيوني والحركة الصهيونية.
مثل بيغن يوجد العشرات من القادة اليهود الصهاينة البولنديين، دافيد بن غوريون، شمعون بيريز، اسحق شامير، بنيامين نتنياهو، ابراهام يائير شترن، ارييل شارون، الخ.
فهل مهرجان الثقافة اليهودية سيتحدث عن اجرام هؤلاء ودمويتهم وسرقتهم لأرض شعب آخر ومحاولة ابادته المستمرة حتى يومنا هذا؟ أم أنه سيتغنى بهم كبولنديين يهود استطاعوا احتلال فلسطين وتأسيس دولة (إسرائيل).؟.
لا يخفي القائمون على المهرجان تعاطفهم وتأييدهم للكيان الصهيوني. أكثر من ذلك فقد حرصوا خلال سنوات المهرجان، على تحويله الى مهرجان للثقافة (الإسرائيلية) الصهيونية إن صح التعبير.
فماذا يعني أن يقف رئيس المهرجان بكل وقاحة ليقول في افتتاحه العام الفائت 2018 “كلنا صهاينة”.
ماذا يعني أن تحمل دورات المهرجان، شعارات سياسية وايديولوجية مختارة، مثل دورة العام الماضي، تحت شعار صهيون أو شعار القدس. واليوم تحت شعار الأرض. أي أرض الميعاد الصهيوني. في فلسطين المحتلة.
هذا العام بدأ المهرجان أعماله يوم 21 حزيران – يونيو الجاري، ويستمر حتى الثلاثين منه.
يقول منظموه أنهم سوف يعرضون تلك الأراضي التي أنجبت وشكلت وأثرت في المهرجان لأكثر من ثلاثة عقود: أرض كاجمييج ( الحي اليهودي في كراكوف) وأرض ما يسمى (إسرائيل).
تصوروا الربط بين الحيّ اليهوديّ (كاجييمج) في الأرض البولندية وبين فلسطين المحتلة، عبر تقديمها كأرض لما يسمى (إسرائيل) ويهودها المستوطنين، المجلوبين من حيّ (كاجمييج) وكل أرض بولندا، كما من كل بقاع الدنيا.
دققوا معي هنا في كلام يانوش ماكوخ – مؤسس ومدير لجنة الثقافة اليهودية – خلال تلك السنوات التي تجاوزت الثلاثين عاماً، مررنا طريقاً رمزياً من “شتل” إلى صهيون: من الأرض البولندية إلى أرض (إسرائيل).
سوف تشهد أعمال المهرجان حوالي 130 نشاطاً ثقافياً وأديباً وفنياً وتراثياً واعلامياً، مع عرض أفلام خاصة عن الموضوع اليهودي. لا تخلو من أفلام (إسرائيلية) دعائية بالطبع لصالح كيان الصهاينة.
فمن المعروف أن هناك مهرجان للأفلام الخاصة بالقضية اليهودية كل عام في العاصمة البولندية وارسو. يتم خلاله اختيار الأفلام الفائزة لعرضها في مهرجان الثقافة اليهودية بكراكوف.
لا بد من التذكير بأن للمهرجان المذكور علاقة وطيدة وقوية جداً مع مهرجان الفيلم العالمي في كراكوف، حيث أن مديره السيد غيرات من مؤسسي مهرجان الثقافة اليهودية في كراكوف. ولمهرجان الفيلم في كراكوف علاقات عالية التنسيق والمستوى مع مهرجان الفيلم (الإسرائيلي) في حيفا. كما أن الأفلام (الإسرائيلية) واليهودية تتواجد بوفرة، كذلك ضيوف المهرجان الدائمين من (الإسرائيليين)، سواء في لجان المهرجان المختلفة أو في لجنته التحكيمية الرئيسية. ففي كل دورة من المهرجان لا بد لأي مشارك أن يلحظ ذلك. وأنا أصبحت أعرف كل شيء، لأنني منذ سنة 2015 وحتى يومنا هذا أحرص على المشاركة في المهرجان، على الأقل ليكون لنا صوت فلسطيني وعربي هناك.
طبعا في المهرجان كما جرت العادة يتم تقديم الأكلات الشعبية الفلسطينية والعربية على أساس أنها أكلات شعبية ووطنية يهودية (إسرائيلية) كما هو الحال مع الحمص والفلافل والشكشوكة. حتى القهوة العربية بالهال تقدم كقهوة صهيونية (إسرائيلية).
إن القصد من المهرجان مختلف تماماً عن اسمه “مهرجان الثقافة اليهودية” فهو بالمقاوم الأول مصنوع وعلى ما يبدو خصيصاً، للترويج لما يدعون أنها ثقافة يهودية (إسرائيلية)، تحت مسميات كثيرة وعبر استغلال ما يسمى الثقافة اليهودية البولندية؟
التسلسل الزمني عبر سنوات المهرجان وشعاراته وأعماله يدل على أنه عمل دعائي كبير للكيان الصهيوني. على أنه يستغل الثقافة اليهودية البولندية، لتقديم كل شيء يخص الاحتلال الصهيوني، تقديمه للناس في بولندا، على نحو يبدو فيه وكأنه صاحب الأرض والثقافة والحضارة والتاريخ والتراث في فلسطين المحتلة.
للأسف فإن رواد المهرجان كل عام يقدرون بعشرات الآلاف من البولنديين، بالإضافة للزائرين والسواح الأجانب، الذين يتصادف وجودهم في حيّ كاجمييج خلال أيام المهرجان التسعة.
لا أحد يستطيع أن ينكر أن لليهود تاريخ وتراث وثقافة في بولندا عمرها نحو ألف عام. هي بالأصل نسيج لثقافتهم الخاصة ولثقافة البلد الذي عاشوا فيه، حيث شهد تواجدهم وحضورهم على مدار نحو 1000 عام. من الصعب فصل الثقافتين، لأنهما نسيج لثقافة واحدة، بالرغم من أن العنصريين البولنديين والمعادين لليهود لا يعترفون بذلك. لكن الثقافة اليهودية البولندية جزء من الثقافة البولندية ككل. مع وجود جزء منها يخص العنصر اليهودي، كأحد مكونات الشعب البولندي، رغم أنه بعد نشوء الحركة الصهيونية، وظهور الحركتين الفاشية والنازية في أوروبا، أصبح اليهود معرضون للملاحقة وللتمييز والاضطهاد في القارة العجوز. فحال اليهود البولنديين كما حال كل يهود أوروبا والعالم، في كل بلد حيث سكنوا كانت لهم ثقافتهم المرتبطة بديانتهم اليهودية وبمكان اقامتهم كجزء من ثقافة البلد. والعداء لليهود في اوروبا خدم المشروع الصهيوني الذي كان يريد تهجير اليهود الى فلسطين المحتلة بكل السبل.
مهرجان الثقافة اليهودية في كراكوف البولندية
نضال حمد 24-7-2019 وتم التعديل في 01-7-2019