مهرجان الفيلم الاوروبي “الثامن والعشرين” في عمان(1) – مهند النابلسي
الدراما والكوميديا والرومانس والوثائقية الصادمة والطبيعة الآخاذة في:
تحول هذا الاحتفال السينمائي السنوي ليصبح مهرجانا سينمائيا عمانيا راقيا بمساهمة سفارات الدول الاوروبية مع الهيئة الملكية للأفلام، وقد تعددت وتنوعت الثيمات وتراوحت ما بين المواضيع الوثائقية والروائية والانسانية والاجتماعية ذات المغزى والدلالة…ونبدأ بفيلم الافتتاح الفرنسي “غني دراستك اولا” الذي كان غريبا وتافها بامتياز، ولم يكن موفقا اختياره كفيلم الافتتاح (82 دقيقة)، ويتحدث عن قصة صاخبة لمجموعة من المراهقين “غريبي الأطوار”، ومعاناتهم اثناء اجتيازهم لسنتهم الدراسية الأخيرة، ويعبرون عن ذلك بمنولوجات غنائية طريفة ومعبرة في مدينتهم الصغيرة “بولوني سور مير” التي تعاني من ازمة اقتصادية وبطالة، حيث ينتمي هؤلاء للطبقتين الوسطى والعاملة، ويظهر بعضهم بتسريحات وأوشام وألوان فاقعة …أما الفيلم البلجيكي “العودة للوطن” فهو دراما رومانسية طريفة، ويتحدث عن صفقة سرية مع شيخ عربي ثري تتعلق بالحصول على حمامة سباق مميزة، وتتعقد الامور عندما يقع البطل “الأمريكي” في غرام حفيدة صاحب الحمامة الشغوف ، ثم تنفرج أخيرا بصفقة مباشرة ما بين الأمير العربي والجد، الشريط يوضح الأجواء الهادئة الجاذبة في الريف البلجيكي (الفلاندرز تحديدا)، كما يغمز خفية من قناة شيوخ الخليج الأثرياء اللذين يهدرون الأموال الطائلة على هواياتهم الغريبة لتصب في جيوب الغرب ومصالحه، فيما يضرب الفقر القاهر جيوب البؤس في معظم البلاد العربية…ويتحدث الفيلم الثالث وهو بعنوان “ليلة ملكية في الخارج” عن احتفالات يوم النصر في بريطانيا (الثامن من أيار /1945)، حيث يسمح للمراهقتين الأميرة مارغريت واليزابيت الثانية (وهي ملكة بريطانيا الحالية) بقضاء سهرة رومانسية جميلة وغريبة بالنسبة لبنات القصر الملكي، وتحدث تداخلات ومغامرات ومفارقات كوميدية شيقة تنتهي بتأخر وصولهن للقصر صباحا، ووقوع احداهن بغرام جندي شاب شهم، يقدم لها في نهاية المطاف “وردة برية” بعد أن يتناول الفطور في القصر بصحبة والديها ثم تقوم بتوصيله لثكنته العسكرية، متعهدا بحفظ سر لقاءه “الرومانسي العابر” معها، الشريط الشيق الطريف يشير ضمنا لعلاقة الشعب البريطاني مع الطبقة الملكية الحاكمة من حيث كون هذه العلاقة نموذجا مثاليا “للسماحة والتواضع والتقبل والانسجام والاحترام”. أما فيلم “مستقبل التاريخ” الهولندي فهو شريط “غريب وكئيب”، وهو يتحدث بشكل وثائقي عن شخص “فقد ذاكرته” اثر عملية سطو مسلح، حيث يغادر منزله لبلد ىخر، مواجها ظروفا غريبة واماكن سيريالية قذرة واشخاصا فضوليين، ولم ينجح المخرج بايصال المغزى، بل قدم فيلما مزعجا سوداويا وعبثيا.
يتحدث فيلم “ملح الأرض” الشهير للألماني “فيم فيندرس” وجوليانو سالفادو، الذي هو شريط “سيرة ذاتية وثائقي”، عن ذكريات مصور شهير جال العالم بكاميرته الذكية، والتقط مشاهد فريدة للصراعات والمذابح والمجاعات والنزوح، كما تطرق للمشاهد الطبيعية الآخاذة والحيوانات البرية كالدببة والذئاب وكلاب البحر في لقطات تنافس ابداعات “الناشيونال جيوغرافي” التصويرية، كما انغمس بتصوير نمط الحياة البدائي لقبيلة برازيلية منسية في ادغال الامازون، وتطرق لحياتهم اليومية وطرائق صيدهم للحيوانات وعريهم الطبيعي، وأعجبني كثيرا مشهد الاستهلال “السيريالي” بالفيلم الذي يصور حوالي الخمسين الف انسان وهم يكافحون ببسالة وعناد للبحث عن الذهب في أعماق وادي سحيق، محشورين في بقعة محصورة ضمن حفرة هائلة من التضاريس القاسية، وكأنهم في “يوم الحشر”، ينزلون ويصعدون بانضباط شديدين وهم يحملون أكياس التراب والحجارة الصغيرة ومن خلال ممرات وأدراج حجرية ضيقة لا تسمح ابدا بالخطأ القاتل الذي قد يعرضهم للسقوط والموت، ومنهم الفقراء المسحوقين والجامعيين الطموحين…بدا الفيلم الهنجاري “مانكس” ساذجا وطفوليا وهو يمزج الأحداث السردية بالرسوم المتحركة، وهو يستند لقصة تدريب كلب انقاذ شهير متخصص بالبحث عن ضحايا الزلازل العالقين تحت الأنقاض، وقد برزت شهرة هذا الكلب عندما انقذ في العام 1999 طفلة ذات ثلاث سنوات قضت 82 ساعة تحت أنقاض زلزال “ازمير”…أما فيلم “اخوة الريح” النمساوي، فهو فيلم مذهل بحق لبراعة التصوير الطبيعي الدقيق وللقدرة الاخراجية على دمج مشاهد تفاعل فرخ النسر الصغير “أبل” مع “لوكاس” الصبي الصغير اليتيم، الذي يرعاه بعد وفاة والدة لوكاس في ظروف مأساوية قاهرة، مع عدم انسجام لوكاس المكتئب مع والده القاسي، ثم نرى لوكاس وكأنه يعوض الحنان المفقود بتبنيه الفرخ المسكين الذي طرده “شقيقه الجامح” من العش تجاه هاوية أرض الغابة، ونتابع بشغف القصة الغريبة حتى موعد اطلاق “أبل” حرا للبرية ، الذي يتزامن مع عودة لوكاس لحياته الجديدة الواعدة، يحتوي هذا الشريط الجميل على مشاهد فريدة لعش النسور وظروف الحياة البرية القاسية وصراع الحيوانات مع تواجد البشر المتعاطفين، ويصلح للعروض البيئية التوعوية. سأكتفي بهذا العرض المختصر الشامل لأفلام هذا المهرجان المميز، وسأقدم الأفلام الثلاثة الاخرى “البولونية والاسبانية والايطالية” التي اعتبرها تحفا سينمائية في الجزء الثاني من هذا العرض السينمائي الشيق.
مهند النابلسي