مهرجان قرطاج والتطبيع من خلال دعوة الصهيوني بوجناح – نضال حمد
هل سيشارك الممثل الصهيوني الفرنسي ميشال بوجناح، بمهرجان قرطاج؟
ليس هناك في تونس أجمل من شعبها الذي يحمل فلسطين في قلبه كما حمل السيّد المسيح صليبه وسار به على درب الآلام. فلفلسطين في تونس كل الحب والحماس والأنتماء… وشهداء تونس في ثورتنا الفلسطينية خير مثال على ذلك.
شخصياً تعرفت على كثيرين من المناضلين التونسيين الذين قاتلوا وناضلوا في صفوف الفصائل الفلسطينية وبالذات اليسارية، منهم من أستشهد ومنهم من عاد ألى تونس ليواصل النضال، ومنهم من أصبحوا مثل اللاجئين الفلسطينيين في مخيماتهم في لبنان وسوريا، حيث فضلوا البقاء هناك بعدما تزوجوا من فلسطينيات. مع العلم أن هناك فلسطينيات تزوجن من توانسة عُدن معهم ألى تونس بعد رحيل الثورة الفلسطينية عن لبنان سنة 1982. وهناك توانسة تهجروا وتشتتوا مثل عدد كبير من مناضلي ثورة شعب فلسطين…
فالثورة سُرقت وحُرفت عن مسارها وأنتهى المطاف بقادتها المتنفذين اليمينيين ومعهم أذناب الفصائل اليسارية، في حضيض الأستسلام والتنسيق الأمني مع الأحتلال، والعيش على المساعدات من قبل الدول المانحة، وليست المساعدات تماما كما مساعدات العاطلين عن العمل والفقراء في الدول الأوروبية الغنية، لأنها مساعدات مدفوعة الثمن سياسياً وأمنياً وأستراتيجياً من ثوابت وحقوق شعب فلسطين.
يوم أصابتي في معركة مع الدبابات الصهيونية على مدخل مخيم شاتيلا في بيروت 17-09-1982، وحصل ذلك في ثاني أيام المجزرة المروعة التي أرتكبها الصهاينة وعملاءهم الفاشيين الأنعزاليين اللبنانيين وذهب ضحيتها آلاف الفلسطينيين واللبنانيين، كان برفقتي أو كنت يومها برفقة مناضل تونسي من بلدة هدبة التونسية القريبة من الحدود الليبية، وهذا المناضل التونسي المجرب، الرفيق ( ابو رفيق ) هو الذي سحبني وانقذني عند أصابتي. ومازال (علي ابو رفيق) رفيقاً صلباً لا تلين عزيمته ولا تهن أو تنكسر أرادته، يعيش متقشفاً ككل فدائي مقاوم، وزاهداً كقديس لا يساوم … يعيش ثائراً لم يسقط رايته، وفدائياً لم ينهِ رسالته، وأنساناً رائعاً يحب الناس ويحبونه.
كتبت قليلاً عن أبي رفيق لكنني أعرف رفاقاً كثيرين من تونس التي قدمت الكثير لأجل فلسطين. وسأكتفي بهذا القدر من الكلام عن رفاق الدرب الطويل. لأنتقل للحديث قليلاً عن زياراتي العديدة لتونس الخضراء، التي زرتها لأول مرة في عهد الرئيس الراحل الحبيب بورقيبة وكان ذلك سنة 1984 ثم سنة 1985 أعتقد في عهد الرئيس المخلوع زين العابدين بن علي. ومنذ الرحلة الأولى أحببت شعب تونس وأحببت تونس. لم أزر تونس فيما بعد إلا سنة 2002 ومن ثم سنة 2003 وفي سنة 2007، حيث دُعوت ألى الخضراء من قبل أتحاد كتاب تونس. استقبلت في مدينة قفصة التي عرفت ثورة الخبز في عهد بورقيبة وحصل فيها تمرد عسكري ضد الحكم. ومن هناك تابعت رحلتي الى توزر، مسقط رأس الشاعر العظيم ابو القاسم الشابي. في توزر دعانا الوالي الثقافي الأخ جمال الشابي وهو قريب الشاعر الراحل ابو القاسم الشابي لتناول الغذاء في دار (شريط)… ثم زرنا ضريح ودار الشاعر أبو القاسم الشابي برفقة المبدع التونسي الكبير أبراهيم الدرغوثي والروائي التونسي سليمان عباسي.
كما زرت المتحف الرائع والجميل في توزر التي تشبه أصل العرب ببنيانها الجميل وصحرائها ومناخها ولباس نسوتها، وأشكال دورها ومبانيها.. المتحف المذكور يقدم للزوار تاريخ تونس صوتاً وصورة. ولا بد من الاعتراف أنه في كل زيارة جديدة كانت تونس تبدو لي أجمل مما رأيتها في زيارات سابقة وكنت أتعمق في عشقها وأهوم في جمالها.
عندما أندلعت ثورة الشعب التونسي كنت متأكداً أن هذ الشعب الواعي والمثثف ذكوراً وإناثاً سوف ينتصر ويصنع مستقبلاً منيراً وجديداً يليق بقرطاجة ويعيد عزة هنيبعل.
بعد أنتصار الثورة تقدمت الأحزاب والشخصيات اليسارية والقومية التونسية بمشروع قرار تجريم التطبيع مع الكيان الصهيوني، الذي للأسف أفشلته في البرلمان حركة النهضة التي تتبع تنظيم الاخوان المسلمين العالمي ويقودها الشيخ راشد الغنوشي.
أما اليوم فمهرجان قرطاج العريق بدورته ال 53، يوجه دعوة لممثل صهيوني فرنسي وقح بعدائه للعرب، ومعروف بولائه وتأييده للجيش الصهيوني، ومدافع عن جرائم جيش الأحتلال الصهيوني ومؤيد لها. تمت دعوته للمشاركة في المهرجان بالرغم من أنه سبق وتم الغاء عرض له في مهرجان الضحك التونسي سنة 2009 لنفس الأسباب.
رفضت أدارة المهرجان المسنودة والمدعومة من وزارة الثقافة التونسية ألغاء دعوة الفنان الصهيوني بحجج واهية. ومعروف أن الممثل اليهودي الفرنسي الصهيوني من أصل تونسي، ويدعى ميشال بوجناح، وقد يشارك في مهرجان قرطاج في دورته الـ 53 بالرغم من المعارضة اللافتة لمشاركته. وفي حال شارك هذا الصهيوني في المهرجان فأنه سوف يقم بأحياء عرضاً كوميدياً في متحف قرطاج وذلك يوم التاسع عشر من الشهر الجاري تحت عنوان ( حياتي الحالمة). ما هي حياته الحالمة؟ … حياته الحالمة هي القضاء على الفلسطينيين والعرب وتثبيت كيان الصهاينة فوق أرضنا وجماجمنا.
بهذه المناسبة أقول لمن سوف يشاهدون العرض أنهم سوف يرون دماء الضحايا والشهداء الفلسطينيين والعرب على خشبة متحف قرطاج، ومع كل كلمة وخطوة وحركة يقوم بها هذا الممثل، الذي لا يخفي وقوفه ألى جانب جيش الأحتلال الصهيوني ويؤيد جرائمه.
في الختام لا يوجد كلام في حق بوجناح أفضل مما قاله ممثلوا القوى اليسارية والقومية التونسية في وقفة أحتجاجية على أستضافته.
فالسيد صلاح الدين المصري، رئيس الرابطة التونسية للتسامح. طالب وزارة الشؤون الثقافية وهيئة مهرجان قرطاج بإلغاء إقامة هذا العرض. وأعتبر أن بوجناح هو “جندي من جنود الصهيونية العالمية والكيان الصهيوني في المجالين السياسي والثقافي، وهو مكشوف لا يخفي عداءه لفلسطين والعرب، ولا يخفي دعمه لجيش العدو (إسرائيل).” … كما عبّر المصري عن أستغرابه لموقف وزارة الشؤون الثقافية التونسية الذي يحاول إيهام الرأي العام بأستقلالية هيئة المهرجان.
ودعا في الوقت نفسه، الشعب التونسي إلى مقاطعة كل دعوات ونشاطات وفعاليات التطبيع ( مع إسرائيل) والصمود في وجه العصابات التي تعمل لصالح (إسرائيل).
من جابنه، قال أحمد الكحلاوي، رئيس الهيئة الوطنية لدعم المقاومة العربية ومناهضة التطبيع، لوكالة أنباء الأناضول، على هامش الوقفة، أنه يتعين الألتزام بمقاومة التطبيع بكافة أشكاله والتمسك بسن قانون يجرمه. وتابع “لن نقبل بتمرير الورم الصهيوني من خلال الثقافة في بلادنا…فالعرض سيكون مسموما ضدنا وضد القضية الفلسطينية”.
وحول ما تردد عن نفاد التذاكر، قال الكحلاوي إن “التذاكر لم يتم بيعها أصلاً”.
وتابع أنها “لعبة من ألاعيب الصهيونية، والجميع يعلم هذه الطريقة بأنه يتم تكليف شركة لشراء هذه التذاكر وتوزيعها على جماعتهم ويقولون إثرها إن التذاكر قد نفدت”.
وحذر الكحلاوي من أنه في حال عدم الأستجابة لمطلب إلغاء العرض “سنحضر داخل المسرح وسنعمل على عدم تقديم هذا العرض لأنه أعتداء يمس من السيادة التونسية.
Krakow : 14-07-2017