مهمة موغريني…واكتشافات المالكي! – عبداللطيف مهنا
يلقي الواقع العربي الأبئس، موضوعياً، بسدله الكثيفة على مجمل جوانب المشهد الفلسطيني البائس. يحجب باسوداده الرؤية الى حد بعيد، وتصرف همومه الاهتمام لدرجة غير مسبوقة عن كافة اوجه الهم الفلسطيني المزمن. بل هو نحَّى، ونخفف هنا فلا نقول أبعد تماماً، القضية الفلسطينية برمتها، شؤوناً وشجوناً، جانباً، فبات من نافل القول أنها لم تعد كسابق عهدها، أي حتى ولو نظرياً، من بين أولويات الراهن العربي. هذا، ومن أسف، واقع نلمسه ونزعم أنه مما هو قد لايختلف معنا عليه اثنان. وإذا كان هذا هو الحال عربياً، فما هو المتوقع إذن كونيا سوى ما هو الأكثر منه اشاحةً والأفدح تجاهلاً، بل الأشد إغواءً لمزيد من معتاد التواطوء ومعهود المشاركة التليدة في انتهاز مثل هكذا فرص تسنح، كهذه التي يتيحها هذا الواقع العربي المزري، ومثل هذه المرحلة الكارثية الأشد ارباكاً وانحداراً في تاريخ الصراع على بلادنا، لتصفية قضية قضايا الأمة في فلسطين؟!
هذا الراهن وهذه الحال هما من اسهما، وأيضاً موضوعياً، في تشجيع الصهاينة على اختيارهم لآخر منتج من حكوماتهم الأشد فاشيةً وعدوانيةً وتطرفاً، والتى أول ما قامت به وزيرة خارجيتها الجديدة، تسيبي حوتبولي، بعد تسلمها لحقيبتها الوزارية، هو جمع الديبلوماسيين المعتمدين لدى الكيان الصهيوني لإبلاغهم بأن “الله اعطى هذه الأرض لشعب اسرائيل”! وهما، أي الراهن والحال، من جعلا الولايات المتحدة وبريطانيا وكندا، أو العصبة الأنجلو سكسونية، لاتتردد في حماية الترسانة النووية الصهيونية في مؤتمر مراجعة معاهدة حظر انتشار السلاح النووي، حين صوتن معترضات على مقترح مصري بعقد مؤتمر دولي لتجريد المنطقة من هذا السلاح فاسقطنه، الأمر الذي حظي بمسارعة نتنياهو لشكر حماة ترسانته النووية وعلى رأسهم اوباما…كما انهما من جاءا أيضاً بالوسيط الأوروبي، ممثلا بمفوضة الشؤون الخارجية في الاتحاد الأوروبي، فيدريكا موغريني، ملتمسةً سبلاً لإعادة الصهاينة والأوسلوييين الفلسطينيين لطاولة مفاوضات تصفية القضية الفلسطينية.
مرت موغريني بوساطتها على رام الله وانتهت بها في تل ابيب، حالها حال ما سبق من متوسطين ووساطاتهم. اثناءها اعلن نتنياهو عن استحداث وزارة لشؤون القدس واسندها للفاشي المتميز في حزبه زئيف الكين، وفي نهايتها، ووفقا لصحيفة “هآرتس”، ابدى لموغريني رغبته في مفاوضات تؤدي الى تفاهمات بخصوص “الكتل الاستيطانية”، التي سوف يضمها للكيان من “خلال اتفاق نهائي”، لأنه “من خلال هذه الطريقة ستتضح المواقع في الضفة الغربية التي يمكن لإسرائيل مواصلة البناء فيها”…هذه “الكتل الاستيطانية” وفق التعريف الصهيوني هى المستعمرات الكبرى، أو المدن التهويدية الضخمة في الضفة، التي تستوعب حتى الآن ما يزيد على نصف المستعمرين، من مثل “معاليه ادوميم” في القدس، و”اريئيل” شمالي الضفة، و”غوش عتسيون” في جنوبها، والتي حدودها قابلة دائما للتوسع وابتلاع ما يجاورها من اراض ومساحات لم تهوَّد بعد.
لامن جديد نتنياهوياً هنا، فهو لم يقدم على مثل ما ابداه إلا لأنه يعلم أنه يصعب على الأوسلويين قبوله، ولأنه من الممكن توظيفه خارجياً، والإفاده منه في استقطاب غلاة المستعمرين داخلياً، كما يظهره بمظهر غير الرافض أو المعرقل للتفاوض، وإجمالاً، لا من بأس عنده من الكلام عن التفاوض والحلول الإفتراضية من شأنه أن يتيح له مزيداً من الوقت لإنجاز تهويد ما لم يهوَّد بعد في الضفة، أي لا بأس عنده من العودة لخرافة “حل الدولتين”، التي قامت وتقوم على وهمها متلاحق الانزياحات التفريطية الأوسلوية المدمرة، مع خلق الوقائع المانعة والمبددة لهكذا وهم لم تأتي موغريني إلا لتنشيطه…لكنما هناك جديد لعله الأخطر والأكثر خبثاً في مهمتها وهو تسويقها لمصطلح تصفوي استحدثته، عندما استخدمت لأول مرة عبارة “الدولتين للشعبين” بدلاً عن لوك ما يدعى “حل الدولتين”، والهدف من مستحدثها هو تمرير مسألة “دولة قومية للشعب اليهودي” المزعوم، التي يطالب بها الصهاينة ويشترطونها للعودة لتفاوض يتهافت على عودته الأوسلويون، و باتت من الشعارات التي يستحضرها اوباما كلما عن بباله استرضاء نتنياهو وصهاينة الولايات المتحدة.
قبل قدوم موغريني، كان ابو مازن يصرِّح متوعداً، “إذا واصلت اسرائيل نهجها سنواصل بالمقابل توجُّهنا لتدويل الصراع بكل ماتعنيه الكلمة”، وبعد رحيل موغريني، استخلص كبير مفاوضيه صائب عريقات أن كل ما يريده نتنياهو هو “تفعيل ملف المستوطنات، واعطائها الطابع الشرعي”، أما وزير خارجيته المالكي فاستطرد ليشرك معه من لم يعرفوا بعد بما قد تسنى له اكتشافه ولو متأخراً، وهو أن نتنياهو “غير معني بإقامة دولة فلسطينية مستقلة على الحدود المحتلة عام 1967 وعاصمتها القدس الشرقية”…وزاد المالكي فأخبرهم بأن “الجانب الفلسطيني لم يعد لديه الثقة مطلقاً بأن هناك شريكاً اسرائيلياً، ويؤمن أن الحكومة الإسرائيلية بتركيبتها الحالية غير معنية وليست شريكاً في عملية سياسية تفاوضية”!!!
المفارقة أن لا استخلاص عريقات، ولا اكتشافات المالكي المتأخرة، تطرقتا إلى احبولة موغريني المتمثلة في مصطلحها المستحدث، وفي هذا مايلفت. كما، ورغم كل ماتقدم، لم يبدر من ابو مازن ما يدلل على فقدانه لأمله التليد في شراكة تصفوية تجمعه مع نتنياهو، أو أن يأساً قد داخله من أن يكف شريكه المأمول عن مواصلة نهجه إياه…أما التدويل، أو التهديد المتوفر تلويحاً لا إقداماً، فيظل، كما كنا قد قلناه مراراً في مقالات سابقة، الممنوع من الصرف اميركياً…لذا حق لمن شاء التساؤل: ترى متى ستعود موغريني مع احبولتها للمنطقة؟؟!!