موسم الحج العربي الإسلامي والمسيحي الى القدس المحتلة
نضال حمد
هل صارت دعوة السلطة الفلسطينية في رام الله ومفتيها هناك مستجابة من قبل بعض مشايخ وأئمة الدول الإسلامية وبالذات العربية منها؟
هل فلسطين ترضى باستقبالهم وهم يدخلون بتأشيرة دخول صهيونية وبحماية أجهزة الأمن الصهيونية التي تدنس الأقصى” حجتهم” في الزيارة، ليل نهار فقط لا غير؟
وهل الأقصى أهم من أرض فلسطين كلها ومن شعبها القابع تحت الاحتلال و قسمه الآخر المشرد في كل الدنيا؟
هذا القسم الذي يتكون من ملايين عدة عانت وتعاني القهر والظلم والقمع والحرمان والتفرقة في معظم تلك الدول الشقيقة، صديقة أمريكا والصهاينة. تلك الدول التي ترسل مشايخها وأئمتها الى القدس المحتلة والمسجد الأقصى ، بعدما كانت نفسها ومع سياسييها وحكامها وقعت على معاهدات واتفاقيات استسلام وعار. هؤلاء وقعوها خانعين منهزمين لا منتصرين ولا فاتحين، كما عمر بن الخطاب وصلاح الدين.
بدأت تلك المأساة السوداء مع زيارة السادات الى القدس المحتلة ومن ثم توقيع اتفاقية كمب ديفيد التي قال السادات وبعده مبارك أنها أعادت سيناء، لكن الحقيقة كانت عكسية تماما لأن سيناء لم تعد كاملة وإن عادت فقد عادت ناقصة السيادة المصرية، فيما خسرت فلسطين والقدس والأقصى ومعهم كل العرب مصر بكل قوتها وعظمتها وعروبتها ومكانتها، حيث انتقلت الأخيرة مع السادات ومن بعده مبارك من معسكر العروبة الى معسكر الصهيونية والغرب.
بعد مصر حاول الفاشيون الانعزاليون حلفاء الكيان الصهيوني في لبنان بقيادة آل الجميل (بيار، بشير وأمين) ومعهم (كميل شمعون والآخرين) قادة قسم منشق عن لبنان الكبير – الصغير، لبنان الموزع بين الطوائف، حاولت أن تمرر اتفاقا شبيها بينها وبين الكيان الصهيوني برعاية أمريكية وذلك عقب احتلال لبنان من قبل الصهاينة وخروج قوات منظمة التحرير الفلسطينية من بيروت المحاصرة نهاية آب – أغسطس من سنة 1982 . ثم أُفشل هذا الاتفاق بفضل تضحيات الوطنيين والتقدميين اللبنانيين والفلسطينيين والسوريين.
خلال السنوات الطويلة التي أعقبت احتلال القدس والأقصى لم تنقطع الاتصالات واللقاءات السرية أو العلانية والتنسيق بين الأردن والمغرب ودول أخرى مع الاحتلال الصهيوني. مع أنهما ما فتئتا تدعيان رعاية القدس والأقصى. فالأردن وقعت فيما بعد اتفاقية استسلام اسمها وادي عربة أجرت و- أو باعت بموجبها بعض أراضيها الخصبة للصهاينة لمدة 99 سنة قابلة للتجديد. أما المغرب فتح مكتبا تمثيليا في تل أبيب ومثله للصهاينة في الرباط… كذلك فعلت تونس وعمان وقطر وموريتانيا، فيما غازلت وتعاملت دولا أخرى مع الصهاينة رياضيا واقتصاديا وغير ذلك مثل إمارة دبي والبحرين على سبيل المثال لا الحصر. كذلك بعد دخول أمريكا وتموضع قواتها في دول الخليج العربي (احتلاله) بشكل غير مباشر، ومحاصرة العراق وهزيمته في حرب الكويت، دخلت قيادة منظمة التحرير الفلسطينية إسطبل الإدارة الأمريكية الصهيونية وفاوضت سرا ثم علانية ومازالت تفاوض منذ توقيعها اتفاقية العار في أوسلو. وما لحقها من اتفاقيات مع الاحتلال الصهيوني تمس بالحقوق الثابتة للشعب الفلسطيني. فالاستيطان مستمر والاحتلال كذلك والحصار والتضييق والخناق والعزل والحواجز والأسرى ومصادرة الأراضي والتهويد السريع للقدس ومحاولات تدمير الأقصى بحجة البحث عن هيكل سليمان المزعوم. ثم مواصلة سرقة الأرض وبيوت الفلسطينيين خاصة في القدس وبناء الجدار العازل، وعدم التنازل عما يسمونه ثوابت شعب (إسرائيل )… إنها مواقف صهيونية ملتزمة بثوابتهم يصعب عدم احترامها.
بعد كل هذا ومن أجل هذا كله فإن شعب فلسطين (بالرغم من نداءات عباس ومفتيه ووزير أوقافه) يرفض زياراتكم ولا يريد منكم أن تدخلوا الأقصى والقدس باسم الإسلام و -أو المسيحية، لأن الذي يدخلها عبر التنسيق مع المحتلين الصهاينة لا يستحق سوى الرجم بالحجارة والأحذية. فبتلك الأحذية رَجَم و يَرجم حراسكم الصهاينة على الدوام كلما حاولوا تدنيس الأقصى . ولا بد لموسم حجكم المرفوض والملعون من قبل شعب الصمود والتصدي والصلابة أن يواجه بموسم الرجم، رجمكم وحراسكم وحكوماتكم ومرجعياتكم بحجارة وأحذية أطفال المسجد الأقصى وكنائس القدس، الذين يذودون عنهم ويصدون الاعتداءات منذ احتلالها بصدورهم العارية، وبالحجارة والأحذية، وبكل ما تيسر لهم من سلاحي الإرادة الإيمان. يفعلون ذلك على مر زمان الاحتلال والهوان والاستسلام، بينما أنتم ومن يطالبكم بالحج الى القدس المحتلة تساومون وتهنون وتقترفون الخطايا وترتكبون الأخطاء ولا تخجلوا من وصمكم بالعار والذل والهوان.
شعب فلسطين الذي دفع ويدفع الدماء لأجل صيانة وحماية القدس ومقدساتها والذي ينتظر التحرير والعودة رافعا رايات النصر لا شعارات التطبيع والانكسار والانهزام والاندحار سياسيا وخلقيا ودينيا ودنيويا لن يقبل بكم. ولن يخجل من وضع حد لزياراتكم المرفوضة والملعونة. لذا لا تجعلوا هذا الشعب يقف لكم كما يقف للاحتلال، فأذهبوا بعيدا عنه، هو لا يحتاج لمثل زياراتكم ولا لمثل حجكم. إنما هو بحاجة لبنادق الثوار والمقاومين المؤمنين بالمواجهة وبأن ما اخذ بالقوة لا يسترد بغير القوة. هكذا قالها الزعيم الراحل جمال عبد الناصر وهكذا يريدها ويرددها شعب فلسطين.
ليسمع ذلك مفتي مصر الشيخ علي جمعة الذي لم يدعوه شعب فلسطين ولا المسلمون في القدس المحتلة لزيارة مدينتهم المحتلة وأقصاهم الجريح. كما أنه لا يريد زيارة الأمير الأردني غازي بن محمد، لأن الحكومة الأردنية المطبعة تماما مع الاحتلال الصهيوني والتي تلتزم بمعاهدة سلام معه ليست حريصة على فلسطين وقدسها وأقصاها أكثر من شعبها المقاوم الصامد منذ احتلت المدينة في حزيران – يونيو 1967. الأمير غازي هو الممثل الشخصي لملك الأردن عبد الله بن الحسين ومستشاره للشؤون الدينية.
قرأنا أيضا أخبارا في وسائل الإعلام عن ان الداعية الإسلامي، السعودي اليمني أو اليمني السعودي المسلم الحبيب الجفري، ووزير الداخلية الأردني محمد الرعود، وكذلك الأمير هاشم ابن الحسين زاروا القدس في الرابع والخامس من نيسان -ابريل الجاري.
ففي الرابع من شهر نيسان – ابريل الجاري زار المدعو علي الجفري القدس المحتلة بتأشيرة (إسرائيلية) وبحراسة مشددة من أجهزة الشين بيت الصهيونية. مما جعل هيئة مقدسية تطالب بتقديم الداعية الحبيب بن علي الجفري، الذي زار مدينة القدس والمسجد الأقصى رغم وجود فتوى تحرّم مثل هذه الزيارة في ظل احتلالها، إلى “محاكمة شرعية يحكم فيها قضاة من كبار العلماء“.
أقام هؤلاء الزائرون العرب والمسلمين كلهم صلواتهم ورفعوا أياديهم بالأدعية فوق جثث الضحايا والشهداء الذين قدموا أنفسهم لأجل حماية الأقصى والمقدسات. ومشى هؤلاء في باحة المسجد الأقصى وفي أزقة القدس المحتلة على أشلاء المذبوحين وفوق طرقات تحت ترابها يرقد المدافعون عن شرف الأمة في قتالها ضد الصهاينة الغاصبين وقبلهم البريطانيين ومن قبلهم الصليبيين.
تناقلت مؤخرا وكالات الأنباء أخبارا عن زيارات للقدس المحتلة وبعض الكنائس هناك قام بها مسيحيون من دول عربية ومنهم أقباط من مصر. هؤلاء يبدو كانوا ينتظرون موت البابا شنودة عظيم الأقباط وأكبر المعارضين للحج الى القدس وزيارتها تحت الاحتلال، حتى يقوموا بزياراتهم وبحجهم المرفوض ديناُ ودُنيا.
على كل حال إن لسان حال شعب فلسطين يقول:
أيها العرب مسلمين ومسيحيين لا أهلا ولا سهلا بكم في بلادنا فلسطين قبل تحريرها من الصهاينة … فلا مساجدنا ولا كنائسنا ترحب بأحد منكم قبل التحرير والعودة وكنس الصهاينة الغاصبين من فلسطين كل فلسطين.