(ميري كريسمس) – الشاعر محمد أحمد السويدي
(ميري كريسمس) قالها “لوريندسو” ابن الحوت بائع التحف البوسيتاني بودّ. (ميري كريسمس) قلت مودعّا إياه وأنا أهمّ بالخروج حاملا بعض التحف التي اقتنيتها، وقفلت عائدا وصاحبي إلى السيّارة -فمصباح النهار قد أنهكه السفر والطريق إلى نابولي طويلة كثرثرة ليست لها نهاية-.
في الخامس والعشرين من كل عام يحتفل العالم المسيحي بعيد ميلاد المسيح (الكريسمس)، وتقام لهذه المناسبة طقوسٌ باتت مظهراً يألفه العالم.
لم يعد خفيّا أن لا علاقة بين المسيح وعيده الصاخب، وأن هذا الاحتفال ليس إلا عيدا وثنيّا أعطته الكنيسة بعدًا لم يكن في بال العيد.
كان الشمال الأوربي يحتفل قبل قرون من ولادة المسيح (بيول) في الحادي والعشرين من ديسمبر وهو عيد يقام بمناسبة بدء الأيام التي تتقاصر فيها ساعات الليل عن النهار.
وقبل هذا التاريخ بأيام كان الرومان يحتفلون بعيد ربّ الغلال (زحل)، فيقيمون المآدب والأفراح. ولعل عيد الإله (مثرا) ربّ الشمس الموافق الخامس والعشرين من ديسمبر هو المناسبة التي دفعت رجال الكهنوت سلب هذا الإله عيده لصالح ابن الله المجهول المولد.
وما إن حلّ القرن الرابع للميلاد حتّى كرّست الكنيسة هذا العيد بشكل رسميّ. ثم تسلّل السانت كلوز الهولندي ذو الأصل التركي نيكولوس الطيّب المغرم بالأطفال من فتحة المدفأة بعد أن أعاره رسّام الكاركاتير الأمريكي (توماس ناست) حلّته الحمراء وذقنه الصّوفي الأبيض الطويل عام 1836م.
وأما شجرة الكريسمس ذات التفّاح الذي يرمز لشجرة آدم وحوّاء وفردوسهما المفقود فهي عادة شماليّة أقحمت هي كذلك عبر النافذة. ولمّا راقت هذه التوليفة للتاجر الأمريكي سام حوّلها بلمسة من عصاه إلى أكبر تظاهرة سنويّة يتلقّفها العالم.
(الكريسمس) كلمة مكوّنة من مقطعين: الأول، كريس: وهي كلمة إغريقيّة تعني المسيح. ومس أو موس: وهي مصرية قديمة تعني ميلاد. وأمّا “ميري” فالقاموس الإنجليزي لا تسعفه الذاكرة لإيجاد أصل لهذه المفردة قبل القرن الحادي عشر. ومعناها المتداول: شعور بالفرح أو السعادة. وهنا ينتابني ظنّ بأن ثمّة سطو آخر تمّ في زمن ما، خطفت فيه نخلة عربية باسقة بعذوقها وجذورها من صحراء الجزيرة (هنيئاً مريئاً)، الى القاموس الغربي، ولكننّي سأسند ملفّ تلك الجنحة لمفتّش أكثر مهارة في فنّ القيافة (تقفّي الآثار)، ولكن للمؤمنين بهذا العيد وما يجلبه من فرح أقول: (ميري كريسمس).