“مُشتَبَهون مُعتادون” في الإعلام الغربي – محمد موسى
ما بين الساعة 15:26 من يوم الثاني والعشرين من شهر يوليو من عام 2011، وقت الإنفجار الإرهابي الكبير الذي ضرب قلب العاصمة النرويجية أوسلو، في مكان ليس بعيداً عن مكتب رئيس الوزراء، والعاشرة مساءً، زمن الإعلان عن هوية الجاني النرويجي أندريس بريفيك، كان هناك ما يقارب الست ساعات من التغطيات الإخبارية التلفزيونية الغربية المُكثفة، والتي مالت أغلبها لتجريم مُنظمات إرهابية إسلامية، وتحميلها مسؤولية إنفجار العاصمة، وأيضا ما حدث في جزيرة أوتايا في الساعة 17:35(قام الفاعل نفسه، بفتح النار على عشرات من الشباب الذين كانوا يعسكرون هناك). يستعيد التحقيق التسجيلي “المُشتَبَهون المعتادون” والذي قدمه البرنامج التلفزيوني الهولندي “منطق الإعلام”، الساعات الحرجة تلك، ويبين كيف سقط الإعلام الغربي في إختبار المهنيّة، اذ خَمَنَ ووجّه الإتهامات إلى منظمات إسلامية وقتها وبدون أي أدلة.
ساعة بساعة، سيتبع التحقيق التلفزيوني الهولندي تغطيات تلفزيونية عُرضت على قنوات إخبارية عريقة مثل: “بي بي سي” البريطانية، “الجزيرة” الإنكليزية، التلفزيون الألماني الحكومي، التلفزيون الهولندي الحكومي، إضافة الى القناة الحكومية النرويجية، والتي تقع إستديوهاتها قريباً من موقع إنفجار العاصمة، إذ يَعرض الفيلم الهولندي في هذا السياق لقطات سبقت ظهور المذيع النرويجي بعد نصف ساعة من زمن الإنفجار لينقل خبر العمل الإرهابي لأول مرة لمشاهدي قناته، وكيف بدا، هو وكل من حوله، في ارتباك واضح. فيما قطعت قنوات تلفزيونية أوروبية أخرى برامجها لتُعلن عن حادثة الإنفجار ولتبدأ برامج إخبارية خاصة عن الحدث، سيتخللها مقابلات مع خبراء إرهاب جزم مُعظمهم أن إسلاميين يقفون خلف الإعتداءات، وعزوا دوافعها لأسباب مختلفة، منها: انتقام من مشاركة قوات نرويجية في أفغانستان وليبيا، وطرد النرويج لشخصية إسلامية جدليّة قبل الحادثة بفترة قصيرة، وقيام صحيفة نرويجية بإعادة نشر الرسوم الكاريكاتيرية المسيئة للنبي محمد.
سيدافع مسؤولو الأخبار في القنوات الغربية عن أداء قنواتهم في تلك الساعات، إذ سيُصرّ البريطاني فرانك جاردنر (المراسل المُتخصص بالشؤون الأمنية في “بي بي سي”، والذي تعرّض في عام 2004 إلى محاولة اغتيال في السعودية تركته معاقاً يتنقل اليوم على كرسي متحرك)، الذي أدار التغطية المباشرة في قناة الأخبار العالمية الخاصة ب “بي بي سي”، بأن كل ما قاله وقتها لم يتعدّ التخمينات وأنه لم يتهم جهة بعينها، وأنه، وبالعودة إلى العمليات الإرهابية في أوروبا في العقد الاخير، لا يمكن إلا المرور على احتمالية أن تقف مُنظمات إسلامية مُتطرّفة وراء الإنفجارات الأخيرة في النرويج، فيما سيُلقي مسؤول الأخبار في قناة الجزيرة الانكليزية، اللوم على الخبير الذي استضافته القناة في تلك الساعات، وأن تصريحاته التي بدَت واثقة من هوية الفاعلين المسلمين طبعت التغطيات الخاصة للحدث على شاشة القناة. توجيه الإتهام للخبراء سيتكرر على لسان الذين تحدّثوا للبرنامج من هولنديين وألمان، كذلك تم التطرق لأثر وسائل التواصل الاجتماعي في السنوات الأخيرة، فالإتهامات وجهت سريعاً إلى “مسلمين” على تلك الوسائط، بعضها من ناس عاديين، وبعضها الآخر من خبراء في الإرهاب والإعلام وشخصيات عامة، الأمر الذي أضاف للضغط الذي تعرّضت له وسائل الإعلام التقليدية، ليبدو الأمر ولأكثر من ثلاث ساعات، وكأن المسلمين ضربوا مجددا في أوروبا.
وإذا كان التحقيق التلفزيوني قد أغفل قضية ما، فهي مناقشة أداء الإعلام بالمُطلق في عصر قنوات الأربع عشرين ساعة من الأخبار المتواصلة، وكيف أن في هذه التركيبة نفسها “حفرة” عميقة تقع فيها كثير من القنوات التلفزيونية، حتى أكثرها إحترافاً وجديّة، فمجرد أن تعلن القناة أنها ستخصص الساعات القادمة من بثها لمتابعة حدث عاجِل، هذا وحده سيفتح باب الأخطاء، فهي ستضطر، ولقلّة الأخبار الآتية من مكان “الحدث العاجِل” ( وكما حدث في أوسلو) لأن تملأ وقتها بكثير من الغَثّ وقليل فقط من السَمِين، كما أنها، ولسدّ فراغات التغطيات الشحيحة، ستحتاج خبراء، بعضهم بمستويات إحترافية ضعيفة، ولا يتعدّى ما يعرفوه عن الحدث، ما سمعه المشاهد نفسه من وسائل الإعلام.
يندرج البرنامج التسجيلي “منطق الإعلام” ضمن البرامج التلفزيونية التي تحاسب أداء الإعلام الشعبي وتأثيراته وتتصيّد عثراته، لذلك ليس غريباً على الإطلاق أن يتم تناول أداء الإعلام في الساعات الحرجة التي أعقبت إنفجار أوسلو وقبل الإعلان الرسمي عن الفاعل الحقيقي ودوافع هذا الأخير العنصرية، لما تتضمنه الموضوعية من عناصر حساسة لها علاقة بعصرنا المضطرب، حيث يكون للأخطاء عواقبها الكبيرة وأحياناً القاتلة. إلى جانب المُهمة الفعلية للتحقيق التسجيلي، وهو في الآن نفسه تذكير جديد بأسس إعلامية تضيع أحياناً وسط عُنف الأحداث، وكيف أن مؤسسات إعلامية غربية تنجر لاشعوريا أحياناً للتأثر بالصور النمطية الشائعة، هذه المرة عن المسلمين، رغم أن التاريخ المُعاصر يحفل بأعمال إرهابية في الغرب ارتكبها مواطنين من أصول أوروبية.