نتنياهوية مُجزية وتطرُّف مضمون العوائد!
عبداللطيف مهنا
مردود المغالاة ورفع منسوب العدوانية في الكيان الصهيوني استثماران مجزٍيان ومضمونا العوائد على الصعيدين الداخلي والخارجي. إنها واحدة من القناعات التي ظلت مجالاً لصولات المزايدة، أو دفتر الشيكات القابلة دوماً للصرف في مصارف المنافسات والمماحكات الساعية للسلطة في هذا الكيان. قد يقول قائل، وما الجديد في هذا، وقد كانت العدوانية المغالية، أو ما يدعى التطرُّف، سمة اصيلة مرافقة لهكذا كيان استعماري استيطاني احلالي، وجوده اصلاً نقيض لما هو غير هذا التطرُّف وما هو غير هذه العدوانية؟! نقول هذا صحيح، وجديده الذي هو بعض قديمه، هو أنه أما وقد لم يجد رادعه، أو من يواجهه بما هو مستوجب وطنياً وقومياً وانسانياً، فمن الطبيعي، أو الذي ليس بغير المتوقع منه، انفلاته من عقاله صائلاً جائلاً كما هو المعهود والمشهود منه حتى الآن، لاسيما وأن المشكلة هنا هي ليست كامنةً فحسب في غياب ردعه وعدم مواجهته من غير المستفرد بهم الذين يقاومونه عزلاً ومحاصرين وظهرهم للحائط، بل إن كافة المعادلات القائمة، وعلى الصعد الثلاث المشار اليها، هي عوامل تشجِّع الصهاينة على التفنن في رفع منسوب تطرُّفهم وتحثهم على المغالاة فيه، وبالتالي تحضهم على المبالغة في عدوانيتهم…فما بالكم إذا كان المردود بالنسبة لهم مجزياً والعوائد مضمونة؟!
نحن هنا نتحدث عن الكيان من حيث مستوييه السياسي والأمني لا أكثر. هذا يقتضي منا التنويه بأن التطرُّف عند الأول، إذا جاز لنا ونحن إزاء هكذا كيان له مثل هكذا طبيعة التفريق بين هذين المستويين، هو تلمُّس سبل تسريع انجاز ما تبقى من الاستراتيجية الصهيونية حرفياً، وكما وضعت نهاية القرن التاسع عشردونما تبديل أو تغيير، والتي يمكن اختصارها في تهويد كامل فلسطين والتخلُّص من كامل أهلها العرب، أو ما سارت عليه كافة حكومات الكيان في الجوهر، واختلفت فقط في تمظهره وسلوب إدارة سياقاته، منذ النكبة وإلى يومنا هذا. أما عند الثاني، العسكري، وبلغة أدق الأمني، فالمضي قدماً بالقمع والبطش لكسر إرادة الصمود والمقاومة ومختلف سبل المواجهة لدى الشعب الفلسطيني، وإلى أي مدى ممكن توفرِّه قدرة الفتك المتوفرة لآلة الموت الصهيونية الهائلة الهائجة.
بالنسبة للمردود المجزي والمضمون فمجالة ساحتان، الأولى داخلية، في كيان ثكنة يؤمها تجمُّع استعماري استيطاني ينحو لطبيعته، وبالضرورة، يميناً، ويتجه حكما نحو مزيد من العدوانية والنطرف والفاشية، الأمر الذي جعل من واحد مثل نتنياهو رئيساً لحكومته لأطول مددا في تاريخها، وأن لاينازعه القرار في المدى المنظور على الأقل إلا من هم اشباهاً لبينيت وليبرمان وكحلون، وأن لايواجهه في حلبة السباق على قصبة الحكم إلا من هم على يمينه والأكثر فاشيةً منه، ولدرجة أن قاتل أشر من أمثال باراك وسفَّاح مثل يعلون يبدوان في مؤتمر هرتسيليا الأخير حملين وديعين متعقلين، ويمكن أن يضم إلى ثغاء قطيعهما المستجد والمتنافر كل من الجنرالين اشكنازي وغانتس …باختصار، إن الأكثر فاشية والأقدر على تسويق غلوِّه بين قاطني الثكنة الاستعمارية المدججة هو سيد لعبتها بلا منازع. هنا سر طول عمر النتنياهوية السلطوية وما يفسر استمرارها رغم كل ما يثار من لغو اعلامي لديهم ضدها.
والساحة الثانية هي الخارجية، ويمكن قسمتها على اثنين: غرب وعرب…غرب يرفع اسرائيله إلى ما فوق القوانين والمواثيق والأعراف الدولية والقيم الإنسانية ، ويخلع عليها مسوح العصمة من المسائلة، ويمدها بكل أسباب الوجود وشرايين البقاء والاستمرارية وتفوق القوة في بيئة تلفظها ولم ولن تقبلها لاتاريخاً ولا جغرافيةً، وعندما يضطر هذا الغرب لعقلنة صنيعته حرصاً عليها من عواقب جنونها لايجد في جعبته الرؤوم سوى اغداق “حوافزه” عليها، كما هو حال الاتحاد الأوروبي مؤخراً…حوافزه الاقتصادية والأمنية المعادلة لعضويته دون مقابل كلفتها!
…وعرب، وهنا نعود لحوافز الأوروبيين، للإشارة إلى أن بركاتها التي لاتستثني الأوسلويين فتخصهم ببعض من فتاتها الاقتصادي، الهدف جليُّ هو تمديد عمر أوسلوستانهم، ومعلن هو الحث على العودة للمفاوضات، ومؤداه اتاحة مزيد من الوقت لاستكمال التهويد في ظل ساتر من سياق تسووي تصفوي لايؤدي إلا لمزيد من التنازلات العربية الملحقة لبالغ الأذى بأعدل قضية عرفتها البشرية، وكله في حمى زوبعة مبادرات نشطت مؤخراَ وستنشط وقد تعدد مسمياتها، وأخطر مستجداتها أنها تقدَّم معطوفة على ما تدعى “مبادرة السلام العربية”، التي لم تبعث من رمسها إلا لهدف رئيس هو التطبيع مع العرب، والمفارقة أنها كلها، وآخرها الفرنسية التي يستقتل اصحابها لمنع طيها، هي مرفوضة جملة وتفصيلا لدى الصهاينة، ولا يلهث وراء سرابهن إلا الأوسلويون الفلسطينيون وعرب نفض اليد من قضية الأمة المركزية، لذا ها هى وثيقة بيلين-ابومازن التليدة، ومعها نسخة ياسر عبدربه الجينيفية سيئة الذكر، تبعثان مجدداً فيما سرِّب عن ما يدعى بوثيقة “حل هيرتسوغ-ابومازن النهائي”…هذه التي يتنازل فيها الأخير عن حق العودة، وحائط البراق، ويقبل بتدويل الأقصى، والقدس في ظل إدارة موحَّدة، وتبادل الأراضي، وبقاء المحتلين في الأغوار، وتأبيد التعاون الأمني مع المحتلين عبر بند المكافحة المشتركة الصهيونية الأردنية الفلسطينية لما يدعى الإرهاب، والذي لا يعني هنا سوى المقاومة، أي التعهُّد بحماية أمن المحتلين، وفوق هذا وذاك تطبيع عربي واستناداً إلى المبادرة العربية. باختصار، تصفية القضية. ومقابل ماذا؟! مسخ كانتوني …ومع هذا رفضها، بل شجبها، الصهاينة، بل ومنهم من خوَّن هرتسوغهم لارتكابه خطيئة المشاركة في صياغتها!!!