نحن أهل البلاد ولسنا سكاناً – رشاد أبوشاور
منذ أعلنت الحركة الصهيونية عن أهدافها في فلسطين، كانت تنكر حق الشعب العربي الفلسطيني في وطنه، وببساطة تعلن أن اليهود سيعودون إلى فلسطين بعد (غياب) 2000عام بالتمام والكمال عن أرض أسلافهم، وأنهم يعودون بعد قرون من الغياب ليستأنفوا حضورهم، وكأن شيئا لم يحدث، وهم ينطلقون مّما يرونه حقهم في (العودة) إلى فلسطين، وكأن أمر عودتهم يرتبط بفلسطين وحدها معزولة عن وطنها العربي الكبير، وهي قلب الوطن العربي الكبير في بلاد الشام، أي في قلب سورية الكبرى. وفلسطين هي صلة الوصل بين مشرق ومغرب الوطن العربي الكبير، وهذا يعني أن الحركة الصهيونية لا ترى أن الأمة العربية بجغرافيتها وتاريخها لها كل هذا الامتداد الجغرافي الواقعي والحضور التاريخي الراسخ، والذي لم تمحه الحروب الصليبية والمغولية في فترات، واتي لحقت بها هزائم حاسمة بعد قرابة 200عام، فرحل من رحل من الصليبيين عائدين إلى بلدانهم الأوربيّة التي وفدوا منها بعد أجيال تكرّس وجودها بهزائم متتالية، وبقي وذاب من طاب لهم العيش فيها فاندمجوا واعتنقوا الإسلام، وأسماء عوائلهم ما زالت تدّلل على أصولهم البعيدة ( الإفرنجية).
اعتبرت الصهيونية أن فلسطين لها من زمن بعيد، وأن (عربها) يجب أن يغادروها و(يذوبوا) بين العرب، و: يا دار ما دخلك شّر!
ولكن الشّر كان قد دخل مع الاحتلال البريطاني الذي ورث الإمبراطورية العثمانية بعد هزيمتها ومعه فرنسا، وبدأت الخطة البريطانية بتسريب (اليهود) إلى فلسطين، وهنا لا بُدّ من أن نستذكر ذلك الوعد الذي بدأ بشطب عرب فلسطين، وكأنهم غير موجودين في وطنهم، وبتثبيت حق اليهود في فلسطين، وهو ما كشف عنه خبث النوايا البريطانية.
لم يؤد انسحاب الأتراك من فلسطين أثناء الحرب العالمية الأولى إلى استقلال فلسطين، كما في حالة الشعوب الأخرى التي تحررت من السيطرة التركية، على أساس المواثيق التي ربطت العرب مع بريطانيا وحلفائها. وكان السبب في ذلك تعهد مناقض قدمته بريطانيا العظمى لليهود الصهيونيين بتاريخ 2/11/1917 في خطاب وجهه آرثر جيمس بلفور وزير خارجية بريطاني إلى لورد روتشلد الثري اليهودي، وهو الخطاب الذي أصبح معروفا بوعد بلفور، مغيرا وجه التاريخ في فلسطين وبقية الشرق الأوسط، ونصّه كالتالي: يسعدني جداً أن أُنهي اليكم نيابة عن حكومة جلالة الملك التصريح التالي ، تعاطفاً مع أماني اليهود الصهيونيين التي قدموها ووافق عليها مجلس الوزراء البريطاني: ( إن حكومة جلالته تنظر بعين العطف إلى إنشاء وطن قومي للشعب اليهودي في فلسطين ، وسوف تبذل ما في وسعها لتيسير تحقيق هذا الهدف. وليكن مفهوما بجلاء أنه لن يتم شئ من شأنه الإخلال بالحقوق المدنية للجماعات غير اليهودبة المقيمة في فلسطين) ص23 من كتاب البروفسور الفلسطيني هنري كتن قضية فلسطين، ترجمة الدكتور رشدي الأشهب.
بعد 2000عام حضرت الحركة الصهيونية في زمن الاستعمار، واحتضنتها الإمبراطورية البريطانية، ووظفتها لخدمة مصالحها بعد أن أزاحت فرنسا من طريقها، وإن كان مخطط بريطانيا لم يستقّر طويلاً في فلسطين، فقد خرّب بما يكفي لتمكين المشروع الصهيوني الذي في نهاية الأمر اشتبك معه، فالصهيونية تهمها أهدافها ولا صداقات دائمة مع أي طرف إلاّ إذا كان يخدم مصلحتها ومشروعها، ومع ذلك فإن بريطانيا ما زالت تقاتل مع المشروع الصهيوني ومع أمريكا عسكريا كما هو مفضوح في الحرب على فلسطين ممثلة بقطاع غزة، وعلى اليمن الذي انحاز في البحر الأحمر ضد السفن التي تتجه إلى الموانئ في فلسطين المحتلة، وأكد أنه لا يتعرض للسفن المتجهة بعيدا عن تلك الموانئ، وحافظت على سلامة السفن، وعدم تهديدها ما دامت تتجه بعيدا عن موانئ الكيان الصهيوني الذي يحاصر قطاع غزّة ويحرمه الدواء والغذاء والوقود ويواصل قتل مواطنيه يوميا.
في نص وعد بلفور، ولنقرأه كلمة كلمة، حذف للشعب العربي الفلسطيني المنتمي تاريخيا وجغرافيا لفلسطين، وبحسب النّص، ومن بعد عمل الانتداب البريطاني على مأسسة الكيان الصهيوني، وترسيخه لكل ما يضمن نشوء دولة للصهاينة، وهو ما تحقق عندما رحل الانتداب البريطاني في أيّار 1948، أمّا خبث النص ومراوغته فلم يغيّر في جوهر وهدف وعد بلفور، وهو ما يبرر ظهور الحركة الصهيونية ونجاحها بتحوّل مشروعها إلى كيان ودولة تمكنت من اغتصاب أرض فلسطينية، واقتلاع مئات ألوف الفلسطينيين من قراهم ومدنهم، والاستحواذ عليها بكّل ما فيها من ثروات..يعني مفروشة، ومزروعة بحقول مثمرة بجهد وعرق فلاّحي فلسطين على امتداد قرون!.
ما زالت بريطانيا حتى يومنا تناصر الاحتلال الصهيوني لفلسطين، ولا تعترف بدولة للفلسطينيين رغم تواضع ما طالبت به القيادات الفلسطينية، والتي هي مطالب متواضعة تقع في حدود الرابع من حزيران ولا تزيد عن 22% ..ورغم كل ما فعله الاحتلال من تمدد على تلك المساحة من (أرض) الدولة المرتجاة، والتي تحولت إلى أشلاء محاصرة مختنقة بالمستعمرات والطرق الالتفافية التي لا يكتفي المستوطنون بها، وتواصل السلطة الشكوى..وماذا تملك غير الشكوى، والشكوى لغير الله مذلّة!.
هذه الإبادة التي يقترفها جيش الاحتلال، بما يتوفر له من طائرات أمريكية هي الأكثر تطورا وقدرة على القصف التدميري، والقذائف التي تزن واحدتها طنا تسقط على الأبنية في قطاع غزة لتدميرها على رؤوس من فيها فتهرسهم مع الباطون والكتل الإسمنتية دون اهتمام أو قلق من ردود فعل شعوب العالم التي تواصل الخروج في الشوارع غاضبةً، فأمريكا ورئيسها بايدن لا يأبهون، وتنحاز لها بريطانيا التي اعتبرت الفلسطينيين أصحاب البلاد (سكانا) كما جاء وصفهم في نص وعد بلفور الذي صدر عام 1917 والذي وعد الصهاينة وقادتهم بوطن قومي لهم في فلسطين!.
المؤلم حقا، والذي يصيب أي فلسطيني، وعربي حر واع، وإنسان في هذا العالم يعرف حقيقة جريمة بريطانيا في فلسطين..بالقهر، ويعرف أيضاً أن المشروع الصهيوني الاحتلالي في فلسطين قد انتقل إلى أحضان الإمبراطورية الأمريكيّة وبات شريكا لها في حروبها على المنطقة العربية، منذ تكرسّت الإمبراطورية سيدة للغرب ووريثة لكامل حضوره.
بريطانيا بوعد بلفور، وبانحيازها للمشروع الصهيوني وتهيئة الأرض المناسبة لزرع دولتهم، نجحت خطتها، ورغم إستبعاد نفوذها من فلسطين، بقيت منحازة للدولة التي أنشأتها، وورثت أميركا الدولة فرعتها رعاية تامة، وقدمت لها المال والسلاح والحماية الديبلوماسية حتى صارت توصف بأنها الولاية رقم 51 وأكثر في الدلال، وتسابق حكّام أميركا دائما لنيل رضاها.
الأمر الطبيعي أن لا تثق اي قيادة فلسطينية لا ببريطانيا الغاربة المجد، ولا بأمريكا المهيمنة، وأن تقود ثورة الشعب العربي الفلسطيني حتى يضطر هذا الكيان اللقيط ومن يدعمونه لتقديم تنازلات حقيقية في الميدان، وليس الركض وراء وعود وهمية خُلبيّة من أمريكا ودول الغرب الاستعمارية، وتضييع القضية، والتآكل والتلاشي إلى ان تفقد فلسطين أي حضور، وتذوي قوّة شعبها العريق ولا تبقى قوة للتفاوض معها، وفي النهاية لا يبقى للفلسطينيين سوى أن يكونوا(سُكانا) كما وصفهم وعد بلفور منذ 1917 !!.
شعبنا يقدّم الدم، وتهدم بيوته، وتمزّق أجساد أطفاله..ولكن مقاومته التي انفجرت في الفجر الصادق ليوم 7تشرين أوّل أبعدت عنّا كابوس التيه والضياع الذي أرادته أمريكا وخلفها الإمبراطورية العجوز الرثّة بريطانيا، وقادة الكيان الصهيوني الذين يقترحون حلاًّ لقطاع غزّة (جزيرة عائمة في البحر)، وهم بهذا يسفرون عن مخططهم المضمر لقطاع غزّة وهو( رمي فلسطينييه في البحر)، وبهذا تفتضح أكذوبة (رمي اليهود في البحر) التي اتهم بها الفلسطينيون!.
وماذا عن فلسطينيي الضفة الفلسطينية؟
أعداء فلسطين: الولايات المتحدة الأمريكية ومعها الكيان الصهيوني وبقايا دول الاستعمار الغربي لا يمكن أن يعترفوا لنا كشعب عربي فلسطين ينتمي لأمة عمرها الوف السنين، لأن مصالحهم تتجسد في الهيمنة على منطقتنا العربية، والبترول العربي، وموقع أمتنا العربي في قلب العالم، ولأن يقظة العرب تشكّل كابوسا لهم، وهم يريدون أن يدوم عمر الحكام المستتبعين الذين (دولهم) قواعد عسكرية وظفّت في حقبة الحرب الباردة ضد الاتحاد السوفييتي، وتوظف راهنا في الصراع على مستقبل العالم الذي لن يبقي أميركا كُلية الهيمنة لأنها لم تعد كليّة القوة المطلقة.
الكثير من ثروات النفط تشترى بها أسلحة لا لزوم لها، و(منطقتنا) العربية بفضل هؤلاء الحكّام هي منطقة خاملة متبلدة وهي تواصل (حياتها) وهي ترتعش من هول ما تراه مخيفا منذ 7 تشرين أوّل..ويتواصل بعنفوان ويبشّر بفجر عربي بعد طول ليل امتد حتى ذلك الفجر المبارك الممتد المحمول على طوفان لن يتوقف قبل أن يغرق الفساد، ويسفر عن فجر مشرق لفلسطين وشعبها العريق..أمّا السكان الغرباء الذين دفع بهم إلى بلادنا فتسببوا بالحروب والموت والدمار، ولكنهم في نهاية عمرهم القصير سيرحلون كما رحل الصليبيون والمغول..ولهم أسوة بمئات الألوف الذين رحلوا باختيارهم عائدين إلى دول يحملون جنسياتها، حيث لا حروب، ففي فلسطين شعب ينتمي لأمة عريقة، وهذا الشعب يخوض ثورات، وانتفاضات، وهبات منذ وطأت قدما الجنرال البريطاني أدموند النبي أرض القدس الفلسطينية عام1917.
هذا هو الحل العملي وبه سيرتاح من هم في حالة حرب دائمة مع أصحاب البلاد الشرعيين، وليس السكّان، ونصيحتنا: جوازات سفركم من بلادكم الأصلية موجودة في جيوبكم، وجاهزة معها حقائبكم، فأنتم لن تحملوا مدن فلسطين العريقة، ولا بيّاراتها في إيابكم لبلاد الغرب التي حرضتكم على هذه المغامرة التي لم يُعمّر ولم يثمّر فرنجة الاحتلال الذي دام احتلالهم قرابة قرنين من الزمان ثم..رحلوااااا..فهذا هو خياركم الوحيد مهما امتّد احتلالكم المدعوم أمريكيا، فدولتكم ليست سوى وظيفي مهمته ودوره خدمة أطماع الإمبراطورية الأمريكية التي لم تعد سيدة العالم…
1فبراير شباط الجمعة2024