نص حوار متعلق بصدور رواية “العوسج” مع الروائي والفنان والشاعر عبد اللطيف مهنا
الروائي مهنا لـ”القدس للأنباء”: “العوسج”..استندت لتجربة معاشة خلف قضبان
أصدر الروائي والشاعر والفنان الفلسطيني، عبد اللطيف مهنا، المقيم في العاصمة المجرية بودابست، مؤخراً، روايته الجديدة “العوسج”، التي صدرت عن “دار الرعاة للدراسات والنشر” رام الله، فلسطين، و”دار جسور ثقافية للنشر والتوزيع” في عمان، الأردن. وتتناول روايته التي تقع في 294صفحة، عالم الشتات والسجون في ستينيات القرن الماضي، وكان قد صدر له أيضا “كأنها هن”، و”إنها هن”، و”أعشق صبرا واشترط”، و”ابتهالات للوطن”.
وتحدث الكاتب مهنا في حديث خاص ل”وكالة القدس للأنباء”، عن تنوع إبداعه ما بين الشعر، والفن التشكيلي، والعمل الروائي، قائلا: إنه “كما لا من حدودٍ متخيَّلةٍ للإبداع، فليس هناك من حدودٍ فاصلةٍ، أو تخومٍ تحول دون تداخل وترابط سائر الفنون، مثلاً، الشعر قد يتسلل لها جميعاً، تراه في اللوحة، وتلتقيه في الرواية، وتحسه في المعزوفة”، مضيفا: “كان صديقي الراحل الفنان والمثقف الكبير، مصطفى الحلاَّج، يردد، “عبد اللطيف مهنا يكتب اللوحة ويرسم القصيدة”، وإذا ما تأملتِ ما يقوله وأنتِ إزاء بعضٍ من أعمالي الشعرية أو لوحاتي التشكيلية فقد لا تخطئه عينك، وأظن أن روايتي “العوسج” لم يفتها حظها منه.” وهنا لا بد من استدراكٍ يقول بأن القصيدة لا تزاحم اللوحة ولا اللوحة تنوب عنها، هما عندي يتكاملان، وتأتي الرواية، وعلى طريقتها، تحاول ضمهما تحت جناحها، ولعل الأمر هو ذاته في عوائد سائر الفنون
وبين أن “سيد القول هو ذاك التعبير الصادق عن همٍّ مرتقٍ إلى مستواه، ونحن جيل عذاباتٍ ولد في حاضنة صراع، نكون أو لا نكون، وقدرنا أننا جسر عبورٍ لأجيالٍ لاحقةٍ، سبقناها في ارتياد هذه المسافة الفاصلة بين ضفتي معاناتنا وحلمنا، وهنا تأتي مسؤوليتنا المريرة التي لن تعفينا منها انتماءاتنا لجرحنا، ولن يسامحنا إن لم نتحمَّلها لاحقونا”، مشددا أن “مسؤوليتنا هي جسر المسافة بين القول والعمل، والارتقاء إلى التزامٍ مفترضٍ أنه بمستوى هموم وقضايا إنساننا، وإنساننا هنا لا يعني الفلسطيني، وإنما العربي، أنا لا أنظر للأول إلا باعتباره جزءاً من كل هو الثاني، وقضايا أمتنا الكسيرة والمقهورة والمغيَّبة لا تتجزأ، وفلسطين رغم كل هذا اليباب والانحطاط الشائن تظل قضية قضاياها ووحدها بوصلة قيامتها، والصراع تناحري، أي لا قيامة لها بلا استعادة كل ذرةٍ من كامل فلسطينها”.
وعن روايته “العوسج”، قال: إنها “سردية مثقلة بالرموز، التي تنوء بدورها تحت ثقل أسئلتها الكثيفة والمائرة، وتلهث في معارج تشعُّبات رسائلها التائهة. أنا لا أريد أن أفسد على القارىء حقه في اكتناه منداح عوالمها بنفسه، أكتفي بالقول إنها استندت لواقعٍ، لتجربةٍ مُعاشةٍ خلف قضبان، لكنها حاولت أن تنأى بنفسها عن السائد، فيما يعرف بأدب السجون، جهدت لأن تدير ظهرها ما استطاعت للقضبان، وتنبري للغوص عميقاً في عوالم من هم خلفها، انشغلت بتلك اللحظات واللقطات الإنسانية جداً لدى إنسانها هناك، وإذ لم تنس إنصاف السجان، إذ تراه ضحيَّةً هو الآخر، ناست فيما قبل القضبان وفيما بعدها علَّها تجد فرقاً بين ما هو داخلها وخارجها”.
وأوضح أن “من خصوصيات العوسج أنها، وعامدةً، لم تذكر مسمَّيات لأمكنةٍ ولا ذكرٍ لأزمنةٍ، لكنما، ومنذ أول سطرٍ فيها، أتاحت لقارئها ببيّنة ويسر التنقُّل في أمكنتها، وعلى متن أزمنتها، وكأنما في يده خارطة وبرفقة دليله السياحي، زد عليه، أنها أعطته ميزة إسقاطها على ما شاء من أمكنة دنيانا وأزمنتنا العربية.. العوسج لا تعترف بالحدود الما بين بثور القطريات الطافحة على سحنة خريطة الأمة، تجاهلتها وحفلت بشخوصها، الذين جمعت شملهم القضبان من أربع جهات منابتهم، لذا انتثرت فيها، وعن عمدٍ، شذرات من لهجات محلية تشي بهذه المنابت.. فنيّاً، وأسلوباً، حاولت جهدي أن أكون في هذه الرواية كما أظنني في الشعر والتشكيل، نسيج وحدي ولا أشبه إلا أنا، متسائلا: “هل هو كذلك؟” أتركه للقارىء”.
وأضاف أنه “وحده الحدث كان في الستينيات، لكنني أظن أنه لا زال مستمراً معنا استمرار هذا الشتات، وبرفقة ذات السجون والسجَّانين.. الماضي هنا لا يبدو لنا من خلف حاضرنا، بل وكأنما حاضرنا هو الذي من خلفه”، مبينا أن “العوسج شجرة يعرفها أهلنا، لا سيما في الجنوب الفلسطيني، تشبهنا ونشبهها، رقيقة الأوراق، لكنها شاهرةً أشواكها المدببة، ماضيةً في صراعها الوجودي مع العطش وتقلُّبات الفصول، تراها صامدةً في تربة رملية جافة، أو معلَّقة في أعلى سفح جرف بوادٍ، حيث تمرجحها الرياح وتمر عليها السنون وتمضي وهي الباقية المتشبثةً بمكانها، حتى ليخيَّل لك أنها لن تبارحه ولن تسمح له بأن يبارحها!ّ”.
وتساءل: “من نحن سوى تربة وجذور وهوية؟، وصراعنا مع عدونا وامتداداته داخلنا مرير ومديد وتناحري، جوهره إما نحن أو هم، أو كما يطيب لنا أن نردد ما بعضنا يتمثَّله ويعنيه، وأكثرنا ما لا يتمُّثله ولا يعنيه، صراع وجود لا حدود، وإن لم نتنفَّس هذا المعنى ونعيشه قولاً وعملاً في حقل هو خندقنا الأخير وهو الثقافة، وتجلى في نتاجاتنا وفي سائر الفنون، فسنظل نراوح في مثل هذه المرحلة بالغة التشوّه والانحدار.. إذا لم يعش المثقف هموم ناسه ويلتزم توقهم للانعتاق، ويضحّي من أجله، فهو عليهم لا لهم، وبركتنا الثقافية تعج بهكذا شواهد”. وفي نهاية حديثه أكد أن “جيلنا بكامله تصنعه معاناتنا، وما هي قيمة نتاجاتنا الفنّية والأدبية إن لم تعبّر عن معاناتنا ووجعها وأتواقنا وأحلامنا؟!”.
حاورته/ ملاك الأموي
وكالة قدس للأنباء