نظرة في ديوان “أبجديات أنثى حائرة” للشاعرة الفلسطينية سماح خليفة
بقلم: سامر المعاني
أصدرت الشاعرة الفلسطينية سماح خليفة ديوانها الشعري عام 2017 تحت عنوان “أبجديات أنثى حائرة” في 160 صفحة قدمه الكاتب عمر عتيق بدراسة متمعنة وقراءة ماتعة وشيقة وبتنسيق واخراج جميل جدا . انطلقت الشاعرة في ارتقاء عنان القصيدة ففي غلافها عيون تلهث بالبحث عن ذاتها وهي كل أنثى بحواسها وانفعالاتها وصحوها وغيمها وبريقها وضميرها تحاور الحياة تحلم بالحب والحرية لكل من اقفل نوافذ الفجر.
استطاعت الشاعرة سماح خليفة ان تكون حاضرة في انثاها الغزيرة بالحنان فكانت فلسطين والقدس وكانت الثائرة على الظلم والطغيان فهي ابنة الوجع والالم النازف كل يوم وهي أيضا الأخت والام والزوجة والحبيبة تحمل الوطن في احداقها يستحال ان يفوتها حتى لو اغمضت عينيها مشهد الحضور.
لقد تجسدت الشاعرة في مواطن كثيرة مرايا الشقاء وصور الوطن حين تختار ان تكون الاخر مما أضاف رونقا شعوريا في انفعالاتها وترددات حرفها فأجادت توظيف المفردة وفنيات الجملة الشعرية ومحسناتها البديعية بصور فنية مدهشة وجديدة حيث الرسالة الساطعة والشعور النبيل في انتقال متسلسل وفكرة اقرب ان تكون مباشرة بوحدة نسق ووحدة موضوع مستخدمة السجع والطباق والتشبيه والتمثيل كالنبض في قلب القصيدة يرتفع كلما حركتها نسائم الشوق والعاطفة المشبعة بالثقافة والدراية العميقة للشاعرة في موسيقى وجمال القصيدة في وتيرة تصاعدية وعاطفة جياشة متزامنة مع دقة المشهد المؤثر حد التوتر والانفعال الحائر في بحر الوجع المغمس بالظلم والقهر فتثأر لكينونتها و لأنوثتها ولوطنها وتبحث في كل الوجوه لتعود في ترحالها لتكون هي .. ..
أنا لو تدرون بياض الثلج في خدره أريج الزهر في عرسه انا قبلة الشمس في جبين الكون وكل دموع كانون الرخيم أنا أنا كل الحياة ونبضها والروح في أحشائها أنا ولي كل حروف اللغة وكل القصائد والشعر المحلى وكل معنى على ضفاف العشق أنا كل الحب أنا ربما المفارقات والمتناقضات هم متلازمات في القصيدة النثرية حيث فلسفة الشاعر وبريق المتلقي على التحليل المستشف بين أدوار الانثى وهبات العشق والحزن في احساسها الغارقة باللهفة والحنين، والماضي والحاضر.
ومن الملاحظ أيضا ان التناص ينم عن الثقافة المتعمقة للفكر الديني والسياسي الذي يعيشه المثقف العربي والمثقف الفلسطيني بشكل خاص، فهو ابن ثورة ونضال مستمرا لا يمكن ان يفصل عن شخصيته المتجذرة. لذلك نجد ان المرأة في ابجديات انثى حائرة كانت تلملم في احداقها صور ممزوجة بين الواقع والحلم، وبين السلام والحرب، وبين الحب والخوف…
لذلك كانت لصورها العمق ولرؤيتها فضاءات تتسع التأويل والترميز والالتفات والمقاربة والغموض حيث المشهد يلتقط عناوين دلالية واقعية كالشهيد والغريب والفقيد والرحيل والماضي والحاضر والواقع والحلم والشتات والفقد ( امنيات عاشق – ذكرى حب – وعد زائف ).
ومن المشاهد في ابجديات انثى حائرة هناك انثاها المعلقة والغارق في الحلم واخالها ليس هناك ما يفصلها عن كل انثى تجسدت الغرق في الحب فالحلم هو شفاء الوطن من العملاء والطغاة والخونة. فالأنثى وطن والحب سلام فهي التي كتبت انثى كنعانية وبلقيس وصرخة انثى ورحلة خلاص وهمسات في ليل بارد .
ان القارئ للديوان يجد في اللغة المكثفة والصورة الفنية الغزيرة تأكيد بان سماح خليفة الشاعرة الحالمة بالوان الجوري المبللة من ندى المساء المعتق بحروف العشق، يجعلها ذات صبغة متفردة أحيانا بالشكل السردي الوصفي للحالة والحبيب. كما هي الأرض والانسان فقد انتقلت كثيرا من الكل الى الفرد ومن العموم للخصوص ومن البعيد للقريب، حيث النبض للقلب والعين للكون، والبيت للوطن، والحبيب للرجل، ومما يشار اليه اعتزازها وثقتها بنفسها وبوطنها… فقد كانت الفلسطينية العربية التي يصنع من سحر عطرها الوردي شهد الجمال والاناقة الراقية بالحياء والعنفوان فهي صانعة مجد وهي أيضا السحر والقمر في ليل المحاق .