نيوزويك”: وثائق تكشف تحذيرات الاستخبارات المتأخرة واستجابة البنتاغون البطيئة لـ”كورونا””
الكاتب: توم أوكونور وجيني فينك ونويد جمالي – المصدر: نيوزويك
يظهر أول تقييم بشأن تهديدات فيروس كورونا أن التأهب العسكري الأميركي جاء متأخراً جداً، ولم يظهر إلا بعد إصابة أول عسكري بالمرض.
133 إصابة بفيروس كورونا في البحرية الأميركية.
ذكرت مجلة “نيوزويك” الأميركية في تحقيق مطول عن تفشي وباء كورونا داخل الجيش الأميركي وبحريته أن عدداً متزايداً من أعضاء الخدمة الأميركية يبحثون عن إجابات حول من المسؤول عن ما يقولون إنه استجابة متأخرة في السيطرة على تفشي فيروس كورونا بعد وفاة عسكري بحار على متن حاملة الطائرات “يو إس إس روزفلت” نتيجة إصابته بالفيروس هذا الشهر وبعد أن طُلب من الموظفين ارتجال أقنعة خاصة ومعدات واقية أخرى لتجنب العدوى.
وقالت “نيوزويك” إنها علمت أن الصورة وراء الكواليس في وزارة الدفاع معقدة، وأن المسؤولين الذين يراقبون بانتظام التهديدات التي يواجهها الجيش يكافحون من أجل التصدي لسيناريو سريع التغير مع انتشار فيروس كورونا بشكل خارج عن السيطرة، من الصين في جميع أنحاء العالم. وقد زادت التقارير المتضاربة والروايات من وسائل الإعلام والمسؤولين من تعقيد الصورة، مما جعل الكثيرين يشككون في الوقت الذي بدأ فيه البنتاغون في فهم مدى التحدي الذي واجهه.
وباستخدام الوثائق الداخلية والمقابلات المسربة من مسؤول استخباراتي أميركي كبير مطلع على الأمر، تمكنت “نيوزويك” من تجميع جدول زمني يظهر أول تقييم بشأن تهديدات فيروس “كوفيد 19-” أن التأهب العسكري الأميركي جاء متأخراً جداً، ولم يظهر إلا بعد إصابة أول عسكري بالمرض، ويظهر كيف لم تتحرك الإجراءات اللاحقة بالسرعة الكافية لمواكبة انتشار الفيروس.
فمنذ شهر تشرين الثاني / نوفمبر الماضي، كان مجتمع الاستخبارات الأميركي يتتبع مرضاً جديداً ينتشر عبر الصين. ووصف المسؤول، الذي لم يصرح له بالتحدث علناً بشأن هذه المسألة، هذا التقرير، كجزء من المجموعات الروتينية، بأنه يتعلق بانتشار المرض في الخارج. ولم يطور مجتمع الاستخبارات، كما أفاد العديد من وسائل الإعلام، تقريراً رسمياً حول كيفية تأثير فيروس كوروناعلى الاستعداد العسكري الأميركي في تشرين الثاني / نوفمبر. كما نفى المركز الوطني للاستخبارات الطبية التابع لوكالة الاستخبارات الدفاعية وجود مثل هذه الوثيقة المؤرخة في تشرين الثاني / نوفمبر في بيان نادر حديث.
لكن بحلول كانون الأول / ديسمبر، حدد التقرير “المخاطر المحتملة على المصالح الأميركية”، وبحلول كانون الثاني / يناير، تم تحديد “الآثار المحلية المحتملة”، حسبما قال المسؤول الكبير في الاستخبارات الأميركية. وقال المسؤول لـ”نيوزويك” إن هذه التقارير “تجاهلها البيت الأبيض وقللت من شأنها الإدارة”.
وأوضح المسؤول نفسه: “كان لدى حكومة الولايات المتحدة تحذير وافٍ، بناء على ملاحظات الانتشار في الصين ودول أخرى من تقارير الاستخبارات التي يعود تاريخها إلى تشرين الثاني / نوفمبر، لاتخاذ احتياطات أكثر صرامة بكثير قبل وصول الفيروس إلى الولايات المتحدة للتخفيف من آثار الفيروس محلياً”.
وحتى 27 شباط / فبراير الماضي، أي بعد يومين من تأكيد إصابة جندي متمركز في قاعدة كامب كارول، في كوريا الجنوبية، كأول عضو في الخدمة العسكرية الأميركية، أنتجت وكالة الاستخبارات الطبية تقييماً مفصلاً لتأثير المرض المحتمل على استعداد القوات العسكرية. وبحلول هذا الوقت، كان فيروس كورونا الجديد قد توسع بالفعل إلى 46 دولة خارج الصين، وامتد حتى آسيا عبر إيران، واستقر في إيطاليا، حيث بدأ المرض يلفت الانتباه بشكل كبير في الغرب.
وتوقعت الوثيقة، التي اطلعت عليها “نيوزويك”، احتمال الإعلان عن الفيروس كوباء عالمي في غضون 30 يوماً وأن أنظمة الرعاية الصحية حول العالم يمكن أن تغرق به خلال 90 يوماً. وحذرت الوثيقة من تفاقم المشكلة لكنها قالت إن تداعيات كبيرة على استعداد الجيش غير مرجحة على المدى القصير.
واعتُبر فيروس كورونا الجديد وطبيعته التي لا يمكن التنبؤ بها والمعدية للغاية تهديداً أكثر خطورة في تقرير المتابعة المنشور في 5 آذار / مارس. يعكس هذا التقرير الثاني ملاحظة معدل انتقال أكبر للفيروس من إنسان إلى آخر. وقالت الوثيقة إن الوضع يعني حينها أن بعض الوحدات العسكرية الأميركية قد تكون غير قادرة على القيام بمهام لمدة تصل إلى أسبوعين لأن الحالات تؤثر على ما يصل إلى 10 في المائة من قوة الوحدة كل شهر.
وقال المتحدث باسم البنتاغون اللفتنانت كولونيل أوريا أورلاند لمجلة “نيوزويك”: “تقوم وزارة الدفاع باستمرار بتقييم البيئة العالمية للتهديدات التي تواجه استعدادنا العسكري والدفاع الوطني باستخدام مجموعة متنوعة من القدرات وبالاقتران مع مجتمع الاستخبارات الأوسع وحلفائنا وشركائنا”.
تندرج هذه التقييمات مثل تلك التي اطلعت عليها “نيوزويك” تحت “الاستخبارات الطبية”، والتي يعرفها الجيش الأميركي على أنها “نتاج جمع وتقييم وتحليل جميع مصادر التهديدات والتهديدات الصحية في جميع أنحاء العالم، بما في ذلك القدرات الطبية الأجنبية والأمراض المعدية والصحة البيئية المخاطر والتطورات في مجال التكنولوجيا الحيوية والموضوعات الطبية الحيوية ذات الأهمية الوطنية والعسكرية، ودعم حماية القوات”.
وأوضح دوغلاس وايز، نائب المدير السابق لوكالة الاستخبارات الدفاعية، لمجلة نيوزويك أن وكالة الاستخبارات الطبية تقوم بجمع المعلومات الاستخبارية وتحليلها بانتظام في هذا المجال، وأنه بمجرد ظهور تهديد موثوق به، مثل قضية فيروس كورونا بين أفراد القوات الأميركية في كوريا، كان سيعطي الوكالة سلطة للتصرف حتى من دون أمر محدد من الإدارة للقيام بذلك.
وقال وايز للمجلة: “لمنظمتهم مهمة واضحة للغاية لتحديد وتقييم التهديدات للقوات العسكرية الأميركية المنتشرة من تهديد مسبب للمرض. المهمة الجانبية هي تقييم قدرات الحلفاء والخصوم في التعامل مع نفس التهديد لقواتهم العسكرية”. وأضاف: “هذه مهمة واضحة للغاية، ولا توجد سلطات أخرى مطلوبة، وسوف يستجيبون بشكل طبيعي فقط لأي تهديد مسبب للمرض وينتجون المواد التحليلية اللازمة – هذا ما يفعلونه وهم يقومون بعمل جيد في هذا الصدد.”
وقال وايز: “في أي وقت يعتقد فيه الجيش أنهم تأثروا بتهديد مسبب للمرض أو تهديد وبائي أو بيولوجي أو طبي حيوي، وفي أي وقت يتم إخطارهم بأن الجيش قد تأثر بهذا، فإنهم سيرتفعون بشكل طبيعي إلى تلك المهمة ويقدمون تقييماً. في هذه الحالة، بدأوا بأنفسهم، ولم يحتاجوا إلى أي سلطة إضافية”.
ولكن في وقت متأخر من 26 شباط / فبراير، بعد يوم واحد من أول إصابة لفرد من الجيش الأميركي بفيروس كورونا في كوريا الجنوبية وقبل يوم واحد من أول تقييم رسمي لكيفية تأثير المرض على استعداد الجيش، أعلن الرئيس دونالد ترامب أن الفيروس أصاب 15 شخصاً فقط في الولايات المتحدة “بانخفاض قريب من الصفر” في غضون 15 يوماً.
بعد خمسة عشر يومًا في 5 آذار/ مارس، وهو تاريخ التقييم الثاني، ارتفع عدد الإصابات الأميركية بدلاً من ذلك إلى 129. في غضون ذلك، استمرت الحركة العسكرية لبعض الوقت على الرغم من التحذير الاستخباراتي من تفاقم الأزمة.
وفي نفس اليوم الذي صدر فيه تقييم 5 آذار/ مارس، وصلت حاملة الطائرات “يو أس أسثيودور روزفلت” ومقرها في غوام إلى دا نانغ، فيتنام، في زيارة لإحياء ذكرى ربع قرن من العلاقات بين الخصمين السابقين، واشنطن وهانوي. بعدها أصيب المئات من البحارة في السفينة بمرض كورونا COVID-19، وفي حين لم يتم تحديد أصل تفشي الوباء على متن هذه السفينة حتى الآن، استهلك الجدل الذي أعقب ذلك النقاش بشأن تعامل الجيش مع أزمة فيروس كورونا.
في يوم الاثنين 13 نيسان / أبريل الجاري، توفي أول بحار على متن “يو إس إس ثيودور روزفلت” بسبب هذا المرض. وربط الرئيس ترامب بين التفشي وزيارة فيتنام، وانتقد قرار الجيش بمواصلة الرحلة على الرغم من تفاقم الوباء في الصين المجاورة، وكذلك نداءات الضابط القائد الكابتن بريت كروزييه للحصول على دعم البنتاغون لعزل البحارة في الأسابيع التالية.
وقال ترامب في مؤتمر صحافي يوم الاثنين الماضي: “لا أعتقد أن السفينة كان يجب أن تتوقف في فيتنام عندما يكون لديك وباء، لأكون صريحاً معك. لا أعتقد أنه كان يتعين على القبطان كتابة الرسائل )إلى البنتاغون(. إنه ليس إرنست همنغواي”، في إشارة إلى الأديب الأميركي الشهير.
ولم يرد البيت الأبيض على الفور على طلب “نيوزويك” التعليق. وعلى الرغم من التدقيق في تعامله مع الوباء، دافع ترامب وإدارته بقوة عن أفعالهم. فقد تحرك ترامب، على سبيل المثال، لوقف السفر من الصين بعد يوم واحد فقط من تأكيد مراكز السيطرة على الأمراض والوقاية منها (CDC) الحالة الأولى لانتقال الفيروس من شخص إلى آخر في الولايات المتحدة، وذلك على الرغم من الانتقادات من بعض منتقديه الديمقراطيين.
ومع ذلك ، تمت إقالة كروزييه من منصبه في 2 نيسان / أبريل، بعد يوم واحد من تسريب رسالته من قبل صحيفة “سان فرانسيسكو كرونيكل” San Francisco Chronicle. ودافع القائم بأعمال وزير البحرية توماس مودلي عن هذه الخطوة، لكنه استقال في وقت لاحق بعد رد فعل عنيف ضده لأنه اتهم كروزييه بأنه “ساذج جداً أو غبي جداً” أو مذنب “بالخيانة” في تصريحات موجهة لطاقم “يو إس إس تيودور روزفلت”. اعتذر مودلي لاحقاً واستقال في اليوم التالي.
وحدث هذا الجدل في الوقت الذي بدأ فيه البنتاغون توجيهات جديدة لخدمة الأعضاء. صدرت مذكرة 5 نيسان / أبريل بعد شهر واحد من تعميم التقييم الاستخباري الثاني الذي اطلعت عليه “نيوزويك”، والتي أعطت تعليمات للأفراد وعائلاتهم لتصميم أغطية الوجه من الأدوات المنزلية أو المواد الشائعة، مثل القمصان النظيفة أو الأقمشة النظيفة الأخرى التي يمكن أن تغطي الأنف ومنطقة الفم ولبسها في جميع الأوقات في حال كانوا غير قادرين على الابتعاد الاجتماعي عند ستة أقدام.
وأعرب أعضاء في الخدمة العسكرية الأميركية والخبراء السابقون الذين اتصلت بهم “نيوزويك” عن إحباطهم من تأخر التوقيت والطبيعة المرتجلة على ما يبدو للبروتوكولات الجديدة عند إطلاقها. سأل أحدهم، فريد ويلمان، وهو ضابط متقاعد في الجيش يعمل كرئيس تنفيذي لشركة أبحاث “سكوت كومز” ScoutComms التي تركز على المحاربين القدامى والجيش، في ذلك الوقت: “لدينا خطط على الرف لكل شيء ممكن على وجه الأرض. كيف لم تكن هناك خطة واحدة لهذا وإذا كانت هناك واحدة، لماذا لا نتبعها؟”.
ترجمة بتصرف: هيثم مزاحم
إن الآراء المذكورة في هذه المقالة لا تعبّر بالضرورة عن رأي الميادين وإنما تعبّر عن رأي الصحيفة حصراً
almayadeen.net