هآرتس: ميلاد أسطورة فلسطينية – بقلم: عاموس هرئيل
مقالات صهيونية من صحافة العدو
صحيح أن العملية العسكرية الإسرائيلية في غزة انتهت، لكن الاحتكاكات اليومية بين الجيش “الإسرائيلي” وبين التنظيمات الفلسطينية في الضفة الغربية – التي استُخدمت هذه المرة ذريعة لاندلاع المواجهة في غزة- تتواصل من دون توقف. لا يزال الوضع في الضفة عاصفاً منذ موجة الهجمات التي استمرت من آذار وحتى أيار هذه السنة. وتقوم قوات الجيش “الإسرائيلي” وحرس الحدود في كل ليلة باعتقالات في مخيمات اللاجئين والمدن الفلسطينية، وتواجَه عمليات التوغل هذه بمعارضة شديدة نسبياً بالسلاح، بالأساس في شمال الضفة.
في يوم الجمعة قُبيل الفجر، انتقلت جبهة المواجهات إلى القصبة وسط نابلس. مقاتلون من فرقة “يمام” ومن الجيش “الإسرائيلي” جاؤوا لاعتقال المطلوب إبراهيم النابلسي، مع التقدير مسبقاً أنه سيرفض تسليم نفسه. وبحسب “الشاباك” كان النابلسي متورطاً في سلسلة عمليات إطلاق نار في منطقة نابلس في الأشهر الأخيرة. ونجح عدة مرات في التملص من محاولات اعتقاله، وتحصّن هذه المرة في مخبأ، وتبادل إطلاق النار معهم. وقبل مقتله، أرسل رسالة صوتية على الواتساب إلى والدته، يودعها ويعلن نيته الموت شهيداً، وطلب من رفاقه عدم التخلي عن سلاحهم وعن مقاومة الاحتلال “الإسرائيلي” .
بهذه الطريقة تولد أسطورة، أو على الأقل يولد بطل محلي. لقد كان النابلسي حاضراً في قنوات وسائل الإعلام الفلسطينية، وكان يحظى باهتمام كبير في وسائل التواصل الاجتماعي في المناطق. بالإضافة إليه، قُتل فلسطينيان، أحدهما في الـ16 من عمره. كما أصيب عشرات الفلسطينيين بإطلاق النار، سبعة منهم حالتهم خطرة.
الأحداث العاصفة لها علاقة، بالتأكيد، بتداعيات العملية في غزة، لكن لها أيضاً أسبابها المحلية. لم يكن للنابلسي انتماء تنظيمي واضح، لكنه كان على علاقة مع عناصر التنظيم، نشطاء على الأرض من “فتح”، حيث عادت أغلبية عناصر التنظيم في العامين الأخيرين إلى حمل السلاح ضد الجيش”الإسرائيلي” . يوجد في جنين ونابلس خلايا محلية جديدة خارج التنظيمات، مُصرّة على الوقوف ضد كل عملية عسكرية في قلب المدن، من خلال استخدام السلاح الناري. يزداد الوضع في الضفة الغربية سخونةً بالتدريج، وليس كل شيء مرتبطاً بالتحريض الذي تقوم به قيادة “حماس” في غزة، وفي الخارج. يوجد هنا تيارات عميقة مقلقة، لا يبدو أن القيادة “الإسرائيلية” تعيرها الاهتمام المطلوب، ولا تكفي الوعود الفارغة بتقديم تسهيلات اقتصادية في الضفة. بالإضافة إلى ذلك، قيادة السلطة التي تسيطر على الأرض تزداد ضعفاً، وتشكك في نيات “إسرائيل”، في ضوء التساهل الذي تُظهره إزاء سلوك “حماس” في القطاع.
وصل المستوى السياسي والمؤسسة الأمنية إلى مرحلة الخلاصات في عملية “مطلع الفجر”. يمكن فهم رغبتهم في استغلال هذه الخلاصات، في ضوء الطريقة التي انتهت بها العملية. إسرائيل لا تنجح دائماً في إنهاء جولة قتال في الموعد الذي تريده، من خلال تحقيق أغلبية الشروط، ومن دون أن تدفع ثمناً باهظاً من الخسائر.
من بين التفاصيل التي كشف عنها الجيش “الإسرائيلي”، كانت لافتةً الاستعادة التفصيلية لعملية الاغتيال التي بدأت بها العملية، والتي أدت إلى مقتل تيسير الجعبري، قائد الذراع العسكرية لـ “الجهاد الإسلامي” في شمال القطاع. جرت مراقبة الجعبري عن كثب، بالإضافة إلى مسؤولين رفيعي المستوى في التنظيم، خلال أيام معدودة منذ اللحظة التي اتضح فيها أن الجهاد ينوي المبادرة إلى إطلاق صواريخ مضادة للدبابات على الحدود مع القطاع، رداً على اعتقال القيادي البارز الشيخ بسام السعدي في جنين.
تم التحقق من المعلومات الاستخباراتية، وجرت الموافقة على العملية في 5 آب بعد ظهر يوم الجمعة. كان الجعبري في الطبقة السادسة من مبنى مؤلف من 16 طبقة، لكن المخططين للعملية واجهتهم مشكلات كثيرة ناجمة عن رغبتهم في الحؤول دون إصابة أشخاص موجودين في طبقات أُخرى في المبنى، خوفاً من أن يؤدي ذلك إلى دخول “حماس” في المواجهة.
لهذا الغرض، كان هناك حاجة إلى تخطيط عملية أكثر تعقيداً، أطلقت خلالها الطائرات الحربية 8 قنابل انزلاقية خفيفة الوزن إلى داخل المنزل. جرى هذا كله من دون المسّ بأفراد العائلات التي كانت موجودة في منازل أُخرى في الطبقة التي يسكنها الجعبري، ولا بالأشخاص الذين يسكنون في الطبقات العليا.
لقد كان تخطيطاً دقيقاً، جرى تنفيذه بدقة، وحال دون إصابة مواطنين خارج المنزل المستهدف. وكان هذا ما يميز الجهد المبذول من أجل عدم تخطّي إطار العملية وإنهائها بسرعة. مع ذلك، يبقى أن ننتظر كيف سيكون تأثير سلسلة اغتيالات كبار مسؤولي الجهاد في القطاع، والتي يتباهى بها الجيش “الإسرائيلي” .
وبخلاف العمليات السابقة في القطاع، شددت “إسرائيل”، بوضوح هذه المرة، على رغبتها في الحد من إصابة مواطنين فلسطينيين. فبحسب أرقام الجيش “الإسرائيلي”، عدد المواطنين الذين قُتلوا في القطاع عن طريق الخطأ، بصواريخ “الجهاد” التي أخطأت هدفها، كان أكبر من الذين قُتلوا في هجمات سلاح الجو “الإسرائيلي”.
وقد برزت الحاجة إلى إظهار الكثير من الحذر في كل بيانات الناطق بلسان الجيش “الإسرائيلي” في وسائل الإعلام. كذلك خرج رئيس الحكومة، يائير لابيد، عن توجّه سلفه في هذه المسألة. وأعرب في تصريح له لوسائل الإعلام عن أسفه لمقتل أولاد فلسطينيين في العملية، وقال إن “إسرائيل” ستحرص على الحؤول دون ذلك.
لكن الرواية “الإسرائيلية” الرسمية، أو التعبير عنها في وسائل الإعلام، ليسا منسجمين دائماً مع نفسيهما. فطوال أعوام، يعرض الجيش فيديوهات عن هجمات جوية على أهداف لـ”حماس” و”الجهاد الإسلامي” في القطاع، جرى تصويرها من الجو، لا يمكن أن نرى الكثير، باستثناء القصف والدخان الذي يرتفع بعدها. هذه المرة، جرى عرض قصف موقع مراقبة تابع لـ “الجهاد” بالقرب من الحدود، والذي يبدو فيه، بوضوح، مقتل أحد عناصره. من الصعب عدم الشك في أن هناك مَن أراد إثبات ما قاله أفيف كوخافي عن جعل الجيش “الإسرائيلي” أكثر فتكاً.