هابرماس: كان “صادقا” حين قَبِلها – د. عادل سماره
دير شبيجل: نصف خلوقة … والمشكلة مثقفونا
هابرماس: كان “صادقا” حين قَبِلها
د. عادل سماره
سيمتد الحديث ثقافيا وسياسياً وحتى فلسفياً عن مسرحية “هابرماس في بلاد النفط”. ولكي لا تكون الأمة العربية مجرد خشبة المسرح لا بد من قول ما.
لم يُخطىء الفيلسوف المشهور حين قبل جائزة محمد benz كما يختصرون اسمه في صحافة الغرب وذلك لمؤشرات عديدة في تاريخه الحافل بالكثير. وفي هذا يشاركه الكثير من مثقفي الغرب ولكن لا متسع لعرض ذلك هنا. (ربما نعود له لاحقا).
سنحاول هنا قول ما لم يُقل قصداً.
قد يجوز لنا التساؤل: فالفيلسوف الذي عاش في ظل النازي/ ورفض النازي كما قال، ولكن، ربما لم يبرأ من التلوث بمعنى: هل رفضه للنازي بسبب سياسات النازي الداخلية أم الخارجية؟ ذلك لأن ما سِيْق من تبريرات لتراجعه عن قبول الجائزة حُصر في نقد السياسات الداخلية للإمارات. ولكن سياسات النازي الخارجية لم تقل عن عنفها الخارجي.
وطالما كانت كيفية منع تكرار الهولوكوست أمرًا أساسيًا لعمله، هذا مع أنها داخلية وخارجية ايضا. ولنفرض أن الهلوكوست كانت داخلية، اي محرقة مشتدة ضد اليهود الألمان فقط ومن سلطات النازية في دولة ألمانيا، فهل يرى الفيلسوف أن ما يحصل ضد الفلسطينيين منذ قرن هي هلوكوست ممتدة ومعولمة لأن شركاء الكيان ليسوا يهودا فقط بل وحتى عرباً ومنهم نظام الإمارات.
وإن كان الفيلسوف لم يسمع عن مأساة الفلسطينيين، فهذا يطرح تساؤلاً على مركز فلسفته في
“… أسس مفهومه عن “المجال العام” باعتباره المجال الذي يمكن من خلاله استخدام “الرأي العام” العقلاني لترويض تجاوزات الرأسمالية….في عمله الرئيسي من عام 1981 ، Theory of Communicative Action ، طور دليلًا للعمل النظري للمجتمع الحديث ، والذي نظر مرة أخرى في كيفية تطور اللغة والحجج العقلانية بحيث يكون لكل مشارك الحرية في المشاركة في الخطاب الديمقراطي”.
هل فشل صاحب التواصل في متابعة التواصل؟ حيث تشمل أعماله “نظرية العمل التواصلي” و “التحول الهيكلي للمجال العام”.
ولكن، بعيدا عن فلسطين واليهود …الخ، هل يُعقل أن هابرماس لم يسمع عن الحرب التي يُديرها حكام الإمارات ضد اليمن منذ خمس سنوات؟ هل هناك من لم يسمع بهذا العدوان؟
الغريب أن لا هابرماس ولا صديقه بوس الذي اسف لتراجع هابرماس عن قبول الجائزة، ولا ديربشيجل أتوا على ذكر اليمن! وكأنهم جميعا يرون العسف محليا فقط بينما العنف خارج إطار الدولة طبيعي، وهذا يفتح على فهم خطير للاستعمار، فهم محبب للاستعمار.
ولكن، لماذا لا نلوم الإعلام والمثقفين العرب الذين انبهروا بالموقف وحصروه في “وافق الرجل ثم تراجع”!! أي لم يربطوا الأمر بالفضاء العام. فاي تلاميذ بلا إبداع.
وهنا لن ذكر سوريا فربما مجرد ذكرها يصيب الرجل الكهل بالتشنج، ذلك لأن معظم يسار ويمين ألمانيا يدعمون الحروب القائمة ضد سوريا. وهنا نود تذكيره بأن الإمارات كانت ولا تزال جزءاً من الحرب ضد الشعب العربي في سوريا، ولنقدم له ما قاله الرئيس الأمريكي الجديد بايدن، وما يفعله اليوم:
ففي محاضرة شهيرة له يوم 2 تشرين الأول 2014، في جامعة هارفارد العريقة اعترف بصريح لسانه أن السعودية وقطر والإمارات وتركيا موّلت ودرّبت ونقلت المنظمات الإرهابية، مثل داعش والنصرة وأخواتهما، ودفعتها إلى العمق السوري لتدمير الدولة السورية وإسقاط الرئيس بشار الأسد”
هل هناك إمارات غير الإمارات؟ ولكن هابرماس نفسه كان قد دافع عن حق اللجوء خلال أزمة المهاجرين عام 2015. فهل كان يعلم أن للإمارات دور في هذا التدمير الاجتماعي في العراق، ليبيا سوريا افغانستان…الخ. لو سأل الناتو لأخبروه أن الإمارات شاركت في قصف ليبيا 2011.
مرة أخرى، إن هابرماس الحقيقي هو الذي قبل الجائزة، فهو الذي تتلمذ على يد أدورنو. وأدورنو هو الفيلسوف الذي شرح لطلابه وجوب الثورة، وحينما ثاروا استدعى البوليس في ثورة 1968 بينما فتح لهم هنري لوفيفر مكتبه كغرفة عمليات.
وفي هذا السياق، ينسب البعض أو يقبل البعض محاججة هابرماس، وهو وريث مدرسة فرانكفورت النقدية شكلانيا، “بأن تحديثه للنظرية الماركسية كان له أثره على احتجاجات الطلاب عام 1968″. ومع ذلك ، عندما أصبحت حركة الاحتجاج أكثر راديكالية ، انتقدها الفيلسوف علانية.
والحقيقة أن تاثيره على الثورة الطلابية أمر ضعيف الإثبات.
في هذا السياق يقول كوهين بنديت: ” … حاول البعض فرض ماركوزة علينا: هذه نكتة. ما من احد منا قرا ماركوزة. بالطبع قرا ماركس وربما باكونين والمعاصرين ، الثوسير، ماو، جيفارا، لوفيفر، وعلى وجه التقريب فان حركة مناضلي 22 آذار قرأوا سارتر” (Cohen –Bendit, Th French Student Revolt, trans by Brewster (New York, 1868). p 58 ) مقتطف في : عادل سمارة، هزائم منتصرة وانتصارات مهزومة 2019، ص 124)
هناك منطق في حديث بنديت إلى جانب التوثيق، فهابرماس لم يكن ماركسيا، بل دافع عن الحداثة وحتى عن الرأسمالية ل “يصححها”، وفي هذا يلتقي مع ميشيل فوكو الذي لم يُدن النيولبرالية وبالطبع يكون وريث مدرسة فرانكفورت التي تجري فيها دماء صهيونية. وحول الصهينة نتذكر هنا كدائماً ناحوم تشومسكي..
هناك سؤال قد يندرج في باب نظرية المؤامرة: ترى، لو كانت سوريا هي التي قررت منح هابرماس جائزة من اي نوع: هل كان للكيان ومثقفيه على صعيد العالم ، من اليمين ومن اليسار المزيف التروتسك، أن يصمتوا كما تم الصمت على منح الإمارات جائزة ل هابرماس؟ هل يمكن للمرء أن لا يلاحظ التطامن هنا والتواطؤ الثقافي والسياسي؟
ثم، هل جاء عرض الجائزة متماشيا مع اندلاق نظام الإمارات للتطبيع مع الكيان؟ وبالتالي تم اختيار لحظة يغتبط لها كل من يُعادي العروبة؟
وقد تكون من باب الصدفة إعلان الإمارات في نفس ايام “معركة قبول ورفض الجائزة” عن السماح بالحمل خارج الزواج (قالت صحيفة “ذي تايمز 2-5-2021” إن النساء اللواتي يحملن خارج إطار الزواج في الإمارات، لن يجبرن بعد الآن على الفرار من البلاد، في أحدث خطوة من جانب الدولة الخليجية نحو العلمانية ).
وقد يترتب على هذا سؤال آخر: ترى هل قصدت دير شبيجل التشهير بالفيلسوف العجوز من باب أنها بيمينيتها ليست على عشق عميق للكيان؟ أو أن جناحا منها كذلك؟
نصل بعد إلى التسطيح الاستشراقي لتبريرات هابرماس وصديقه بوس بقوله:
“… إنه يأمل في أن توفر الجائزة “رياحًا خلفية” لـ “نشر الكتب” في المنطقة التي تعزز ، مثله مثله ، حرية الرأي والديمقراطية”.
وهنا نعود مجدداً إلى انغلاق قنوات التواصل العام تكنولوجيا ولغة، بمعنى أن أفكار الرجل لا تحتاج لحدث الجائزة، فهي تغزو الوطن العربي الذي يعجُّ بمن يشتري كل ما هو غربي. وربما يعلم بأن كتب سارتر كانت تُترجم وتطبع في الوطن العربي فور صدورها رغم أنه كما قال:
“… إنه لن يكون هناك فرنسي يعيش في أمان طالما كان هناك يهودي يعيش في إسرائيل أو في اي مكان في العالم لا يشعر بالأمان” . جميل، وماذا عن عذابات أمم بأكملها!
وبالمناسبة في نقده ل “الإرهاب” رأى هابرماس أن “الإرهاب” الفلسطيني هو الأشنع. ولم يرى ابدا ما هي المقاومة! وما هو وجود طرد شعب عمر طرده يوازي عمر الفيلسوف!
لا بد من معترضة هنا مفادها أن هابرماس في رفضه للمادية والعمل يساوي بينه العمل واللغة!
ويشتد بؤس الرجل حين يقول:
“لم أوضح لنفسي بشكل كافٍ الصلة الوثيقة جدًا بالمؤسسة ، والتي تمنح هذه الجوائز في أبو ظبي بالنظام السياسي القائم هناك “!
ألا يدل هذا على أن التواصل والفضاء العام هو تجريدات ذهنية لدى الفيلسوف.
اعتقد، وبعيدا عن هابرماس وسارتر، أن الخليج لعب دورا خطيرا في “إذلال الفكر خاصة والثقافة عامة في الوطن العربي” وهذا منسجم مع تتبيع الأمة لأنظمة الريع النفطي وفوائضه. فمجرد تجميع مثقفين ومفكرين في مكان بلا برلمان ولا احزاب ولا اية حريات، وظهروهم على الفضائيات يلوون أعناق ما كتبوا قبل أن يصلوا إلى درك التوسُّل للتموُّل هو تدمير نفسي للقراء من جهة وإشعار شارع الخليج أن كل الناس تركع للمال فاصمتوا وكلوا واشربوا. فمن يتابع الفيديوهات الموضعة في فضائيات خليجية لأمثال العروي، والجابري ومثقفين فلسطينيين من طراز يحيى يخلف وإبراهيم نصر الله وتقاطب اتحاد الكتاب العرب على موائد الإمارات وجائزة “كتارا” يصل إلى خطورة دور الطابور السادس الثقافي على الأمة وعياً بل وحتى وطنا.
وهذا لا ينحصر في الإمارات، شاهد ماذا يقول عزمي بشاره عن قطر
“قطر نظام إمارة تقليدي وهم راضون به نظام يعيش على شرعية العائلة الحاكمة ولا يتحدثون عن الديمقراطية على الإطلاق”.
طريف! ولماذا لم تعلمهم الديمقراطية وأنت تدش تسونامي الدقرطة ورفض الاستبداد من المحيط إلى الخيلج بينما سُجن شاعر قطري 14 سنة بسبب قصيدة.